حسام الدخيل
تتسع دائرة الحرب في مناطق واسعة من العالم وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وما الحرب في غزة وجنوب لبنان وتأثير نتائجها على المنطقة إلا دلائل ظاهرة على أن هناك مخططاً وتآمراً لرسم خارجة جديدة في المنطقة.
ما إن أعلنت حركة الحماس هجومها على مستوطنات غلاف غزة المحتلة في السابع من تشرين الأول من العام المنصرم، وقتلها وأسرها عدداً كبيراً من الإسرائيلين، حتى بدأت ملامح الحرب في المنطقة تلوح في الأفق، فأعلنت الحكومة الإسرائيلية الرد على الحركة، ليكون الشعب الفلسطيني ضحية تلك الحرب، وتدمر بذلك 65 بالمائة من القطاع، ويقتل أكثر من مائة ألف شخص داخل المنطقة.
هذه الاعتداءات كانت محط استهجان من بعض الدول، وحتى في الشارع الإسرائيلي نفسه، وعدوها وصمة عار بحق حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل، فاستمرت تلك الحرب وعلى وتيرة متواصلة لفترة من الزمن، وإن تفاوتت واختلفت في الشدة، حتى وصلت إلى أسر عناصر من الجيشين، فدخلت دول أخرى ساعية إلى توقيع الهدنة بين الفنية والأخرى لإيقاف النار بين الطرفين وتتوقف عند هذا الحد.
مخطط جديد
وبعد قرابة العام الكامل وتدمير قرابة ثلثي قطاع غزة إلا إن إسرائيل لم تحقق أي هدف من أهدافها في حربها على غزة، وأهمها تحرير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس؛ ما زاد الضغط على حكومة نتنياهو، والذي لا يريد أن ينهي حياته السياسية بفضيحة مدوية تبقى وصمة عار خالدة بحقه.
ما دفع نتنياهو للتفكير جلياً بأمر يعيد إليه ماء وجهه الذي فقده بعد هجوم السابع من تشرين الأول، حيث خطط للهجوم على حزب الله اللبناني على أرضه وبين جمهوره، وبالتحديد في الضاحية الجنوبية التي هي معقل الحزب الرئيسي في لبنان، وكما نجحت إسرائيل بالقضاء على متزعم حزب الله اللبناني حسن نصر الله وعدد كبير من قادة الصف الأول في الحزب بالإضافة إلى مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني بعد تنفيذها غارة جوية استهدفت مقراً سرياً كانت قد قامت قيادات الحزب بالاجتماع داخله.
وقالت إسرائيل: إنها بعد معلومات استخباراتية دقيقة تمكنت من الوصول إلى مكان الاجتماع لقيادات الحزب ومن ضمنهم الأمين العام حسن نصر الله، والذي نعاه حزب الله ببيان رسمي.
كما قامت إسرائيل بعد أيام قليلة من قتلها نصر الله، وتعيين الحزب أميناً عاماً جديداً، المعروف باسم هاشم صفي الدين، بتصفيته هو الآخر بعد أقل من ثلاثة أيام على تعيينه، في غارة جوية أيضاً استهدفت اجتماعاً لقيادات الحزب.
وبدأت إسرائيل بشن عملية برية داخل مناطق جنوب لبنان، بهدف القضاء على حزب الله وكسر شوكتة بعد أن عدَّته إسرائيل مصدراً حقيقياً لزعزعة أمنها.
وهيأت إسرائيل لهذا الهجوم أثناء حربها على غزة، حيث قامت بضرب قيادات من الصف الثاني لحزب الله بالإضافة إلى قيادات من الحرس الثوري الإيراني سواء داخل سوريا أو لبنان، وكانت هذه الضربات كنوع من جس النبض ولمعرفة مدى قدرة إيران وحزب الله على الرد.
وبعد قرابة العام من تنفيذ إسرائيل ضربات جوية لقيادات حزب الله، تأكدت إن حزب الله غير قادر على الرد، ولو حصل على دعم من إيران.
كيف تجلى الدور الإيراني خلال هذه الأحداث؟
إيران الأب الروحي لكل من حزب الله والذي هو يدها الطولى في لبنان، ولحركة حماس في فلسطين بالإضافة إلى الحوثيين في اليمين وعدد كبير من الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، فضلاً عن ذلك إن إيران هي الحليف الشرعي لسوريا، فتشكل بذلك ما يسمى بمحور المقاومة.
بعد هجوم السابع من تشرين الأول الذي نفذته حماس، ورد إسرائيل بحرب مدمرة في قطاع غزة، عولت حركة حماس على إيران في مساعدتها في حربها التي تخوضها ضد الجيش الإسرائيلي، إلا إن الرد الإيراني كان خجولاً حيث أعلنت إنها لن تقوم بمساعدة حركة حماس على الأرض، ولن ترسل أي مقاتلين للدفاع عن حليفتها، واقتصر ردها على إرسال مائتي طائرة مسيرة مفخخة باتجاه إسرائيل وكانت قد أعلمت الحكومة الإسرائيلية بموعد إطلاقها، لتقوم حكومة الكيان الإسرائيلي بالتصدي لها جميعاً وتفجير قسم كبير منها داخل الأراضي السورية والعراقية واللبنانية، ولم تشكل أي تهديد حقيقي لإسرائيل، ليكون هذا الرد “رفع عتب” لا أكثر ولا أقل.
ومن جهة أخرى اغتالت إسرائيل إسماعيل هنية بعملية أثناء تواجده في إيران، بعد ورود معلومات استخباراتية وصفتها إسرائيل بالدقيقة، كانت قد حصلت عليها إسرائيل من عميل إيراني.
أما بعد الحرب الإسرائيلة على حزب الله والتي بدأتها بتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية “البيجر”، وأجهزة لاسلكية أخرى على مدار يومين، ومن ثم توسيع مسرح العمليات بمقتل حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، وعدد كبير من قادة حزب الله في لبنان، إيران قرأت المشهد واستنتجت أن نظامها قد يكون هو الهدف، فيما لو تدخلت عسكرياً لمصلحة أدواتها، ولذلك باعت هؤلاء الحلفاء، ولن يسمعوا منها سوى الكلام لأنها أنشأت هذه الأدوات للدفاع عنها والتضحية في سبيلها، وهي تقبض الثمن وليس العكس، وهذا ما تبين للموالين لحزب الله بعد أن اتخذت إيران موقف “المزهرية” بعد كل ما حدث بحق حلفائها، كما رجحوا إن إيران قامت ببيعهم لصالح مصالحها، تأكيداً لمقولة “السياسة لا دين لها”، كناية عن إن المصالح السياسية قد تتغير بين ليلة وضحاها، ليكون صديق اليوم عدو الأمس والعكس صحيح.
ماذا سيجري خلال الأيام القادمة؟
بعد تأكيد عملية بيع إيران حلفاءها، لن تتوقف إسرائيل عن عمليتها بجنوب لبنان حتى تقوم بتفكيك الحزب وإنهاء قدرته العسكرية، وخاصة بعد أن تبين كمية الضعف والاختراق الذي يعانيها، فلم يكن أكثر المتشائمين ظناً بإن حزب الله سيهوي بهذه السرعة، وستقوم إسرائيل بإبعاد ما تبقى من عناصر حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني سواء عبر القرار الدولي “١٧٠١” أو عبر قرار جديد تشرف عليه مؤسسات أممية، كما ستقوم بتسليم الجيش اللبناني مناطق جنوب لبنان، وبذلك تضمن عدم وجود أي تهديد لمستوطناتها الجنوبية.
أما فيما يخص سوريا، فبعد عملية القضاء على حزب الله في لبنان، فستقوم إسرائيل بالتوجه إلى سوريا للقضاء على ما تبقى من فلول حزب الله والميليشيات الإيرانية، عبر الاستهداف بالطائرات الحربية، أو عبر الإنزالات الجوية على غرار ما حصل في مصياف سابقاً، حيث نفذت إسرائيل عملية عسكرية داخل الأراضي السورية شارك فيها قرابة ٣٠٠ جندي من قوات الكوماندس استهدفت مبنى البحوث العلمية في مصياف، والذي انتهى بتدمير المبنى بشكل كلي بالإضافة إلى مقتل أكثر من ٧٥ عسكرياً بينهم قيادات إيرانية.
أما عن الدور الإيراني، بعد أن قامت إيران بتسليم رقبة حلفائها لجلاديهم في سبيل الحفاظ على مصالحها، فمن المتوقع أن إيران لن تسلم من التغييرات الجديدة التي ستطرأ على الشرق الأوسط، فقد تصلها نيران الحرب إلى داخل معقلها، فقد نرى ضربات إسرائيلية للمفاعلات النووية الإيرانية بالإضافة إلى ضربات تستهدف البنية التحتية للجيش الإيراني والحرس الثوري وذلك بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لتكون هذه الحرب أساس الحرب العالمية الثالثة، ورسم خارطة جديدة.