أبدى مزارعو مدينة الدرباسية التابعة لمقاطعة الجزيرة تخوفهم من الموسم الزراعي القادم، وأشاروا إلى أنهم تلقوا خسارة فادحة خلال الموسم الماضي، ما دفع الكثير منهم إلى العزوف عن الزراعة في هذا الموسم.
هذا وتعدُّ الزراعة في إقليم شمال وشرق سوريا صمام الأمن الاقتصادي للمنطقة، حيث تتميز بمساحات زراعية واسعة وخبرات كبيرة عملت في هذا المجال منذ سنوات عديدة، ما يدفع المزارعين إلى التحضير لكل موسم بشكل جيد أملا في الحصول على إنتاج جيد.
ويركز المزارعون بالدرجة الأولى على زراعة محصول القمح، نظراً لأهميته الاستراتيجية في المنطقة، وكذلك تقبل التربة له بشكل جيد، إضافةً إلى زراعة محاصيل أخرى كالقطن والشعير والكمون والبقوليات وغيرها من المحاصيل. ولكن؛ خلال الموسم الماضي، تلقت زراعة القمح ضربات موجعة أدت إلى خسارة غالبية المزارعين، وذلك نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة من بذار وأسمدة ومحروقات وانخفاض سعر استلام المحصول، وكذلك قلة كمية الأمطار في الأوقات المطلوبة.
البدء بالزراعة بحذر وترقب
ونتيجة لتلك الضربة، يستعد المزارعون للبدء بزراعة القمح بشيء من الحذر والترقب. حيث بين المزارع “بنكين حج منصور” لصحيفتنا: “بدأنا بالتحضير لموسم القمح الجديد، إلا أننا لن نقوم بكافة الإجراءات اللازمة، خشيةً من تكرار ما حصل لنا في العام الماضي، حيث أننا أنهينا كل الأعمال المطلوبة إلا أن الموسم عاد علينا بخسائر فادحة”.
وأضاف: “في هذا العام قلصت مساحة زراعة القمح، حيث زرعت حوالي 80 دونماً فقط من أرضي، والتي تبلغ مساحتها 225 دونماً، كما أنني اكتفيت حتى الآن بفلاحة الأرض، ولم أبدأ بعد برش البذار والأسمدة المطلوبة، بانتظار القرارات التي ستصدر عن مؤسسة الزراعة، وعلى أساس تلك القرارات سأرى إن كنت أستطيع المتابعة”.
خسارة الموسم الماضي
وزاد: “من الأسباب التي دفعتنا إلى التريث بالزراعة هو فقدان الأمل بهذا الموسم، وذلك نتيجة ما عشناه في الموسم الماضي، ففي العام السابق، وعلى الرغم من ارتفاع التكاليف، وعدم تزويدنا بمستحقاتنا الكاملة من المحروقات، إلا أننا زرعنا أرضنا بالشكل المعتاد، ولكن جاءت تسعيرة القمح من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية بـ31 سنتا أمريكيا، أدت إلى تكبدنا خسائر فادحة، ما أثر على إمكاناتنا الزراعية لهذا العام، فاضطررنا إلى تقليص المساحة المزروعة، كما أن البعض اضطر إلى التوقف عن الزراعة لهذا الموسم بشكل كامل”.
فيما أردف المزارع بنكين إلى أن إنتاج القمح وتسعيرته المحددة للموسم الماضي لم تسمح للمزارع بسد الديون المتراكمة عليه، والتي كان قد استلفها على أمل تسديدها عند استلام فواتير القمح، ولكن تلك التكاليف وذلك السعر في الاستلام لم يفيا للمزارع حق أتعابه وديونه، وحتى اليوم لم يسدد أي من المزارعين الديون المستحقة عليه.
العزوف عن الزراعة
وأكد: “على مستوى قريتي “السلام” لم يزرع أي مزارع لهذا الموسم، فقد قمت بتقليص المساحة التي كنت أزرعها في كل عام، فالإنتاج غير مضمون، وكذلك تسعيرة الاستلام في العام الماضي غير مشجعة لزراعة هذا الموسم، حيث أنه إذا تكرر سيناريو العام الماضي فإننا سنكون أمام خسائر فادحة قد لا يستطيع غالبية المزارعين تحملها”.
واستكمل: “إضافةً إلى تدني سعر الاستلام، وارتفاع تكاليف الزراعة، فإن التأخر في توزيع مادة المازوت، وكذلك عدم توزيع الكمية المخصصة بشكل كامل، زادت من أعباء المزارعين، نتيجة اضطرارهم لشراء مادة المازوت من السوق الحرة، حيث يبلغ سعر اللتر الواحد4800 ل.س، كل هذه الأمور أدت لعزوف الكثيرين عن زراعة القمح لهذا العام، أو بأحسن الأحوال زراعة مساحات أقل من المساحات التي تتم زراعتها بالعادة، وحتى المساحة المزروعة فانهم لن يبدؤوا بسقايتها الآن حتى نرى إذا كانت المحروقات المدعومة ستصلنا بالكميات والأوقات المطلوبة أم لا؛ لأن غالبية المزارعين لا يستطيعون شراء المازوت بالسعر الحر، وأنا من ضمنهم”.
المزارع “بنكين حج منصور” أنهى حديثه: “نأمل بإجراءات أكثر مراعاة في هذا الموسم، حيث أن بعض الإجراءات في العام الماضي أدت إلى تضرر إما المحصول أو المزارع، فعلى سبيل المثال تم توزيع المازوت المدعوم في العام الماضي في وقت متأخر جداً، كما أنه تم توزيع دفعة ونصف الدفعة فقط من أصل ثلاث دفعات، وهذه الكمية لا تكفي للسقاية مرة واحدة فقط، في الوقت الذي يحتاج فيه القمح ما لا يقل عن ثلاث مرات من السقاية في حال وفرة الأمطار. وهذا ما اضطررنا لشراء مادة المازوت الحر بسعر4800 ل. س، وقد كنا متأملين في أن يكون الإنتاج جيد نوعاً ما وكذلك سعر استلام المحصول إلا أن الاثنين معاً كانا سيئين، ما شكل ضربة موجعة للمزارع”.
بارقة أمل ولكن
من جهته؛ تحدث لصحيفتنا المزارع “شريف درويش”: “اتحضر هذا الموسم لزراعة محصول القمح، لبارقة الأمل التي رأيناها نتيجة توفير كميات البذار ومعقولية سعرها، حيث يعتبر سعر البذار مقبولاً لهذا الموسم، وذلك بعد أن تلقينا عدداً من الضربات خلال الموسم الماضي”.
وبين بنكين في تكملة حديثه، بأنه في العام الماضي حددت الإدارة الذاتية الديمقراطية سعر استلام القمح بـ31 سنتاً أمريكيا للكيلو غرام الواحد، وقد أضافوا عليه سعر الأكياس الفارغة، وهو دولاران لكل كيس، أي أن سعر استلام القمح أصبح عملياً 27 سنتاً أمريكيا للكيلو غرام، وحسب هيئة الزراعة؛ فإن تكلفة زراعة الكيلو الواحد في العام الماضي بلغت 29 سنتاً، “وإذا ما أضفنا عليه سعر الكيس، وسعر المحروقات والتحميل والنقل وغيرها، فإن المزارع يكون قد خسر في عملية تسليم القمح، ونحن نتخوف من تكرار ما حصل في العام الماضي”.
مطالب المزارعين
المزارعان “بنكين حج منصور، وشريف سينو”، طالبا بمجموعة من المطالب التي من شأنها دعم القطاع الزراعي في المنطقة. ومن ضمن مطالبهم كانت: دعم المازوت للجرارات الزراعية لفلاحة الأراضي، حيث أنهم يقومون بشراء المادة بالسعر الحر لهذه المهمة، وبحسب قولهم فإن كل دونم يحتاج ما لا يقل عن ثلاثة لترات من المازوت، إضافةً إلى توزيع المازوت الزراعي بكميات كافية وبالأوقات المطلوبة للسقاية دون تأخير، وأيضاً طالب المزارعان بضرورة تخفيض أسعار المواد، كالأسمدة والمبيدات وغيرها، إلى جانب ذلك، يطالب المزارعان باستلام القمح دون أكياس “دوكما”، أو أن يتم دعم سعر الأكياس بشكل يخفف من وطأة تكاليف الزراعة.