قامشلو/ ملاك علي – نوّه الرئيس المشترك لمديرية الثروة الحيوانية في مقاطعة الجزيرة إلى أنه رغم التحديات الاقتصادية والبيئية، يشهد واقع الخيول في مقاطعة الجزيرة تحسناً طفيفاً مقارنةً بما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات بفضل الاهتمام المحدود الذي يُبديه بعض المربين.
تعتبر الخيول جزءاً مهماً من التراث الثقافي والتاريخي في مقاطعة الجزيرة، لإقليم شمال وشرق سوريا، تشتهر المنطقة بتربيتها للخيول العربية الأصيلة التي تحمل سلالة عريقة، وقد لعبت الخيول دوراً محورياً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان المنطقة عبر العصور، حيث أنها في الماضي كانت تُستخدم في العديد من الأنشطة اليومية مثل الزراعة والنقل والتجارة، وكانت رمزاً للقوة والشرف، ومع تطور العصر، أصبحت الخيول جزءاً من التراث المحلي، حيث تحظى بتقدير كبير في الفعاليات الثقافية والمهرجانات.
فتواجه تربية الخيول في مقاطعة الجزيرة تحديات كبيرة من أهمها التغيرات الاقتصادية والسياسية التي أثرت على الزراعة وتربية الحيوانات بشكلٍ عام، كما أن تراجع الدعم، والمشاكل البيئية، كالجفاف تؤثر سلباً على توافر المراعي والمياه الضرورية لتربية الخيول، ورغم هذه التحديات، فإن هناك جهوداً محلية للحفاظ على سلالات الخيول العربية الأصيلة وتنشيط الاهتمام بها، من خلال مسابقات الفروسية والمبادرات المجتمعية التي تعزز من أهمية الخيول في ثقافة المنطقة.
إرث حضاري وثقافي يُحافظ عليه أبناء الريف
وفي هذا السياق؛ أوضح الرئيس المشترك لمديرية الثروة الحيوانية في مقاطعة الجزيرة “محمد كاظم حسين” عن أهمية الخيول: “تُعتبر الخيول العربية الأصيلة إرثاً حضارياً وثقافياً توارثته الأجيال عن آبائهم وأجدادهم، حيث حافظوا على هذا التراث الوطني عبر الزمن، لطالما كانت الخيول جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية للمنطقة، وقد ارتبطت بالتراث العريق لسكان الريف الذين يسعون جاهدين للحفاظ عليها رغم التحديات الاقتصادية والبيئية”.
وكشف حسين عن مناطق تربية الخيول في مقاطعة الجزيرة:” تتركز أغلب الخيول في مناطق ريفية مثل تربح سبيه، وجل آغا، ومعبدة، وتل حميس، حيث يولي سكان هذه المناطق اهتماماً كبيراً بتربية الخيول، والحفاظ على سلالاتها النادرة، ورغم الصعوبات التي يواجهونها، مثل نقص الدعم والعناية الطبية، فإنهم يواصلون جهودهم للحفاظ على هذا الإرث الثقافي الذي يُعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المنطقة في آخر إحصائية تم إجراؤها عام 2021، بلغ عدد الخيول في المنطقة حوالي 4800 خيل، ومع ذلك، شهد العدد انخفاضاً ملحوظاً نتيجة ارتفاع تكلفة رعاية الخيول ونقص الدعم اللازم لتوفير الأعلاف والأدوية، هذه التحديات باتت تهدد استمرار تربية الخيول في المنطقة، والتي تُعد تراثاً وطنياً مهدداً بالاندثار مؤخراً”.
وتابع حسين حديثه: “في الوقت الحالي، يشهد وضع الخيول تحسناً طفيفاً مقارنةً بما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات، بفضل الاهتمام المحدود الذي يُبديه بعض المربين، فالدعم المتوفر للخيول يعتمد بشكلٍ أساسي على الجهود الذاتية المحلية، من خلال تشكيل جمعيات وإقامة سباقات ومهرجانات الخيول، هذه السباقات تساهم في تحديد القيمة السوقية للخيل، إذ إنها قد ترفع من قيمتها أو تخفضها أن التحديات التي تواجه مربي الخيول تدعو إلى مزيد من الاهتمام من قبل الجهات المعنية، لضمان استمرارية هذه الثروة الحيوانية التي لها أهمية اقتصادية وتراثية لا يمكن إنكارها”.
ونوه حسين: “تم افتتاح جمعية الخيول العربية الأصيلة في بلدة معبدة، وهي تهدف إلى تحسين مستوى الاهتمام بهذه السلالة الهامة من الخيول، بالإضافة إلى ذلك، شهدت قرية كركي خلو افتتاح مربط جديد مخصص للسباقات، وهو خطوة في سبيل تعزيز رياضة سباق الخيل، إلا أن الصعوبات التي تواجه مربي الخيول لا تزال قائمة”.
تراث تُحدَّد قيمته بتنوع السلالات
فيما أشار حسين إلى: “تُعد تربية الخيول تراثًا ورثه الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، ويعتبرها البعض عضواً من العائلة يتعايشون معها، فيما يستخدمها آخرون لأغراض اقتصادية وهواية، من الناحية الاقتصادية، تتميز الخيول بقابليتها للإنتاج، حيث توجد أنواع مختلفة من الخيول الإنتاجية وأخرى سباقية، كما توجد خيول تُخصص لإنتاج الولادة”.
وأكمل حسين: “تتفاوت أسعار الخيول حسب نوعها وسلالتها ومكانة المربط (مكان تربية الخيول)، وتتراوح الأسعار ما بين 10 آلاف دولار أمريكي إلى 100 ألف دولار أمريكي، تُعد السلالة والرسن (السلالة الأبوية) وقدم المربط عوامل رئيسية في تحديد قيمة الخيل، من بين الأنواع المختلفة للخيول نجد الصكلاوية، والحمدانية، والدعجانية، والعبية، والهدب، وتعتبر خيول “الهدب” الأندر والأغلى بين هذه الأنواع، إلى جانب الكحيلات والخلاويات”.
تهديد التراث الوطني بسبب نقص الدعم
أكد حسين على معاناة مُربي الخيل من قلّة الدعم: “تشمل هذه الصعوبات بشكلٍ رئيسي توفير العلف بشكلٍ دوري، يعاني مربو الخيول من قلة الدعم، وقد تم توجيه العديد من الشكاوى والنداءات لمؤسسة الأعلاف المحلية، لكن لم يتم الاستجابة لأي منها، في محاولة لتحسين الوضع، تم تشكيل جمعية خاصة بالخيول للمطالبة بالدعم اللازم، إلا أن هذه الجهود لم تُثمِر عن نتائج حتى الآن، إلى جانب المستلزمات الطبية والصحية اللازمة للحفاظ على صحة الخيول، ورغم هذه الجهود المحلية، يبقى الدعم الرسمي من مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية، وخاصةً مديرية الثروة الحيوانية وجمعية الخيول العربية الأصيلة وهيئات الزراعة في المقاطعات، غير كافٍ للحفاظ على هذا التراث الوطني من الانقراض”.
واختتم الرئيس المشترك لمديرة الثروة الحيوانية في مقاطعة الجزيرة “محمد كاظم حسين” حديثه عن وصف الخيول وتقييمهم: “الخيول تعتبر ثروة لا تُقدّر بثمن، إذ إنها تُعد تراثاً عالمياً، ومع ذلك، وفي منطقتنا على وجه الخصوص، لا تحصل الخيول على الدعم الذي تستحقه، مما يجعلها في وضعٍ لا يليق بقيمتها الاقتصادية والتراثية”.