في أحدث تقرير لها؛ نشرت الأمم المتحدة في العاشر من أيلول المنصرم تقريرا يتناول فيه التطورات الأخيرة التي تشهدها المناطق السورية. وعلى الرغم من تناول التقرير مجمل ما تعيشه سوريا، إلا إنه لم يقدم أي وصفة لحل هذه المعضلة المستعصية منذ أكثر من عقد.
وقد جاء في مقدمة التقرير: “حذَّرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا من اشتداد حدة القتال على العديد من خطوط جبهات النزاع السوري، في منطقة تعيش على وقع المخاوف من حرب واسعة النطاق”.
ومن ضمن ما تطرق إليه؛ أشار التقرير إلى الأحداث التي شهدتها مدينة دير الزور قبل عدة أشهر، إبان هجمات الفصائل المسلحة التابعة لإيران ولحكومة دمشق على المدينة، في محاولة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، حيث قال: إن “الديناميات القاتلة العميقة الجذور تُشعل مجددا موجات جديدة من الأعمال العدائية. إن الاقتتال المباشر الأخير في محيط دير الزور شمال شرق سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد من جهة، والقبائل العربية وقوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران من جهة أخرى، تذكرنا بالشعور العميق بالظلم الذي يتملك سكان هذا الجزء من شمال شرق سوريا”.
وحول هجمات دولة الاحتلال التركي على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، ذكر التقرير: “شنَّت القوات التركية العديد من العمليات ضد أهداف عسكرية لقوات قسد في شمال شرق سوريا. وأجرت اللجنة تحقيقات بشأن الهجمات الجوية التركية التي أدت، خلال فصل الشتاء الماضي، إلى ضرب العديد من المباني الطبية وتدمير العديد من العنفات في محطةٍ لتوليد الطاقة في السويدية بالحسكة؛ ما أثر على إمكانية وصول أكثر من مليون شخص إلى الماء والوقود وخدمات أساسية أخرى، لتستنتج اللجنة عدم مشروعية تلك الضربات. وفي أيار، استهدفت ضربات جوية سيارات إسعاف، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي”.
وإلى جانب المواضيع التي ذكرناها، تناول التقرير مواضيع أخرى فيما يتعلق بالشأن السوري.
الواقع المعاش في سوريا
وللحديث أكثر عن نظرة الأمم المتحدة للأوضاع في سوريا، تواصلت صحيفتنا “روناهي” مع عدد من المفوضين الأمميين في سوريا، حيث قال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينيرو: “تستمر سوريا في الانزلاق إلى مستنقع البؤس واليأس، والإخفاقات المتعددة والفرص الضائعة. ويستمر قتل المدنيين يومياً في حرب لا معنى لها أدت إلى تدمير البلاد اقتصادياً وسياسياً، وتآكل النسيج الاجتماعي بشكل كبير”.
وأشار إلى الانتهاكات التي تقوم بها المرتزقة “مرتزقة هيئة تحرير الشام، وما يسمى بالجيش الوطني السوري”، وذلك من خلال الاعتقال التعسفي كما وصفه، وإخفاء المدنيين، وأولئك الذين ينظر إليهم على أنهم معارضون سياسيون.
وأضاف: “في الحوادث التي حققنا فيها في شمال غرب البلاد، قُتل وجُرح ما لا يقل عن 150 مدنياً، نصفهم من النساء والأطفال، على يد القوات الحكومية، والأغلبية العظمى منهم في هجمات برية عشوائية بالقرب من القرى والبلدات الواقعة على الخطوط الأمامية”.
من جهته، قال المفوض هاني ميغالي: “لقد حملت الأحداث في درعا السمات المميزة للفظائع، التي ارتكبت خلال أكثر من عقد من الصراع في سوريا. وقد فشلت القوات الحكومية المتمركزة على أمتار قليلة من المذبحة في التدخل وحماية المدنيين. وتستخدم قوات الأمن والفصائل المفترسة العنف والاحتجاز والتهديدات لابتزاز الأموال من المدنيين. أنت معرض للاعتقال والتعذيب والاغتصاب والموت في الحجز أو الاختفاء في أنحاء البلاد إذا خالفت السلطات”.
ظهور “داعش” وضرورة محاكمته
وحول ظهور مرتزقة داعش مجددا في المنطقة، وضرورة محاكمتهم، قال رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا بينيرو: “إلى جانب الجماعات المسلحة التابعة للدول وغير التابعة للدول، نلاحظ فشل التحالف الدولي ضد داعش الذي كان موجوداً في سوريا منذ عام 2014، حيث تشير التقارير إلى أن هجمات داعش في سوريا هذا العام في طريقها إلى الضعف مقارنة بعام 2023”.
وفي معرض كلامه تطرق إلى خطر مرتزقة داعش، التي مازالت تشكل تهديداً أمنياً خطيراً للمدنيين في شمال وشرق سوريا، وربما أبعد من ذلك. واستشهد بهجوم مرتزقة داعش على سجن الصناعة، الذي كان يحتجز الآلاف من المرتزقة في كانون الثاني 2022، موضحاً بأن ذلك يدل على قدرتها على شن هجمات منظمة بشكل جيد، وبأن الوضع الأمني في شمال وشرق سوريا مازال متقلباً.
وأفاد، أن قوات سوريا الديمقراطية لاتزال تواجه داعش منذ آب العام الماضي، وهذا الوضع يضعف الجهود المبذولة لمنع عودة داعش.
وشدد في حديثه لصحيفتنا: “أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن 153 هجومًا في سوريا والعراق عام 2024. وفي رأينا، فإن الوضع الحالي في السجون والمخيمات في شمال وشرق سوريا لا يمكنه مكافحة أيديولوجية داعش المتطرفة، بل على العكس من ذلك قد يساهم في تطرف الأطفال والشباب المحتجزين هناك. لذلك يجب إعادة هؤلاء إلى أوطانهم ومحاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم دولية، بما في ذلك الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي، في المحاكم الوطنية. ونؤكد على أن الناجين يجب أن يكونوا محور هذه الجهود”.
تعثر العملية السياسية السورية
وحول سبل حل الأزمة السورية، خاصة في ظل تعطل ما يسمى بالمفاوضات الجارية بين الأطراف، قال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا: “إلى جانب تعثر عملية السلام، فإن الجهود الأخرى التي يبذلها المجتمع الدولي لإنهاء الصراع لم تسفر عن نجاح يذكر. فقد اشتدت حدة القتال على خطوط المواجهة المتعددة؛ ما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف المدنيين”.
وأردف: “بعد مرور ثلاثة عشر عامًا، لا تزال سوريا مجزأة، حيث ترتكب القوات الموجودة جرائم قتل، واعتقال، وتعذيب ونهب دون عقاب. في حين تقع المسؤولية الأساسية عن الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير على عاتق الأطراف، التي تنفذ الهجمات أو تمارس السيطرة، بما في ذلك الدول التي تدعمها، فإن فشل المجتمع الدولي في تمويل الاستجابة الإنسانية بالكامل، وضمان عدم تأثير العقوبات عليها سلبًا، يزيد من المعاناة”.
واختتم رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينيرو، حديثه: “وضع حقوق الإنسان لن يتحسن إلا إذا أولى المجتمع الدولي اهتماماً متجدداً للأزمة السورية. ويتعين على الدول الأعضاء أن تبذل المزيد من الجهود على الصعيد الإنساني. فالشعب السوري يستحق أن يعيش بكرامة ويمارس حقوقه وحرياته الأساسية. وهو يتطلع إلى هذا المجلس لمساعدته على تحقيق ذلك”.
نقد خجول للهجمات التركية
على الرغم من أن التقرير المشار إليه أعلاه، قد تناول هجمات دولة الاحتلال التركي على إقليم شمال وشرق سوريا بشيء من التفصيل، إلا أن المفوضين الأمميين، وعند سؤالهم عن هذا الموضوع لم يتطرقوا إليه إلا ببضع جمل، حيث قالت المفوضة لين ويلشمان: “تدعو اللجنة الدول الأعضاء التي تدعم أطراف النزاع أو تؤثر عليها بأي شكل آخر إلى ضمان اتخاذ إجراءات تحترم الحقوق وتتوافق مع القانون من جانب الأطراف التي تدعمها، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي العرفي والمادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام 1949 وغيرها من المعاهدات ذات الصلة. وتدعو اللجنة الدول الأعضاء إلى اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الذي قد يلحق بالسكان المدنيين”.
في المحصلة النهائية، فإن التقرير المشار إليه، وكذلك حديث المفوضين الأمميين، قد اكتفوا بتشخيص الحالة السورية، دون العمل بشكل جدي على حل هذه الأزمة الكارثية، ما يؤدي إلى فقدان الأمل بحل هذه الأزمة من خلال السيناريوهات المطروحة على الطاولة، ما يستعدي تبديل الأدوات للتمكن من الوصول إلى حل شامل للأزمة السورية.
من جهة أخرى، فإن المسؤولين الأمميين لم يمروا على موضوع هجمات دولة الاحتلال التركي على إقليم شمال وشرق سوريا إلا مرور الكرام، دون الحديث عن أي إجراءات رادعة تحد من هذه الهجمات وتقف في وجه دولة الاحتلال التركي، الأمر الذي يُعدُّ قبولاً ضمنياً من المجتمع الدولي لما تقوم به دولة الاحتلال التركي من مجازر.