تعدُّ ظاهرة إطلاق الرصاص من الظواهر الخطيرة التي ساهمت بشكل كبير في تحويل حفلات الأفراح إلى أتراح، والمناسبات إلى مآتم، إذ تكثر في مناسبات الأعراس وتجمعات الشباب، الأمر الذي أصبح يشكل أرقاً وخطورة على المواطنين، والشواهد والإحصائيات على ذلك كثيرة، سواء في المستشفيات أو في المراكز الأمنية.
تشكل ظاهرة إطلاق النار في الأفراح إحدى الظواهر الاجتماعية الخطيرة، التي يعاني المجتمع من تفشيها بصورة مخيفة، وخاصةً، في الأفراح والمناسبات التي تشهدها على امتداد القرى والمدن في إقليم شمال وشرق سوريا.
استخدام السلاح في المناسبات ظاهرة مقلقة
وفي الصدد؛ التقت صحيفتنا “روناهي” الإعلامي “سليمان الطويل”: “باتت ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه في الأفراح والمناسبات، مشهداً مألوفاً وظاهرة مقلقة وسلبية جداً”.
وأضاف: “ويعود السبب في ذلك، إلى عدم التقدير الصحيح من بعض الأشخاص للمخاطر، التي يمكن أن تلحق بهم وبمن حولهم، عند قيامهم بإطلاق النار، بداعي الفرح والابتهاج”.
وأشار، إلى أن اللجوء إلى هذا الفعل يتم في العديد من الحالات بدافع التباهي والتفاخر، وحب الظهور بحمل السلاح، وأن إطلاق الأسلحة النارية في المناسبات يشكل خطورة بالغة في المجتمع والناس، بل قد يعكر صفو المناسبة، وربما يحولها إلى مأساة، ليذهب جراء العشوائية أبرياء لا ذنب لهم، سوى أنهم جاؤوا ليحتفلوا بمناسبة عزيزة عليهم.
وفي ختام حديثه اقترح الإعلامي سليمان الطويل بعض الحلول: “يمكننا القضاء على هذه الظاهرة السلبية في حياتنا من خلال نشر التوعية بين الناس، من خلال الإعلام بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى إظهار مخاطرها على المجتمع من جوانب عدة لعل المجتمع يتعظ”، مضيفاً: “كما أن للمثقفين دوراً كبيراً في نقل الفكر النير للعامة، وتوضيح المخاطر التي تنتج عن هذه الآفة وأئمة المساجد والوعاظ والمناهج التعليمية والمعلمين، بالإضافة إلى كتابة في دعوات الأفراح في الصالات عدم إطلاق النار”.
محرم شرعاً
وحول ذلك، قال مستشار الأديان في إقليم شمال وشرق سوريا الشيخ “محمد القادري”: “لا يجوز إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات الاجتماعية المختلفة، لما فيه من محاذير عدة، ومنها ترويع الناس، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يروع مسلما””.
وأضاف: “فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن حمل السلاح مكشوفاً، خشية أن يؤذي المسلمين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم، خشية أن تزل يده بنزغ من الشيطان، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً، ويتسبب بأذى المسلمين؟، يقول عليه الصلاة والسلام: “من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه””.
فيما تساءل القادري: “أين الذين يطلقون مئات الرصاصات بشكل عشوائي داخل الأحياء السكنية والطرقات، وبجوار المساجد وقصور الأفراح؟، أين هم من توجيهات النبي الذي كان يخشى أن يجرح أحد بغير قصد أثناء حمل السلاح؟، أين هم مما قد تخلفه الرصاصة من كوارث تصل حد القتل وإتلاف الأعضاء؟”.
كابوس المناسبات الكبيرة
لا يختلف اثنان على أن ظاهرة إطلاق النار في المناسبات ظاهرة مدانة من كل فئات المجتمع وشرائحه الاجتماعية، حيث انتشارها في المناطق دون حلول رادعة.
فترى المحامية “بهار محمود“، أن “من يعبرون عن الفرحة في المناسبات بهذا الشكل غير حضاريين: “هؤلاء يحولون المناسبات المفرحة من احتفالية جميلة إلى كابوس مزعج للناس”.
فيما انتقدت: “من لايزال يعدُّ إطلاق النار في الأفراح شيئاً، لا بد منه لإظهار الفرحة رغم كل المآسي التي يتعرض لها الوطن”.
مضيفةً: “وغالباً ما يسقط نتيجة “الرصاص الطائش” ضحايا مدنيين، كما أن الرشقات النارية دائماً ما تطلق من أسطح المنازل، أو بين الأحياء المكتظة بالسكان، فضلاً عن غياب قوانين رادعة، وفي حال وجودها فهناك تلكؤ بتنفيذها، ولكن النتيجة واحدة، موت محتم لمدنيين أبرياء، لا حول لهم ولا قوة”.
أضرار وإصابات جسيمة
ظاهرة مرعبة عنوانها استهداف السكينة والأمن والأمان، علاوة على آثارها السلبية المباشرة على كبار السن والأطفال والمرضى والمعاناة المصاحبة لها ولا سيما آخر الليل.
وفي ذلك قال الطبيب أشرف الخليف: “انتشرت ظاهرة فوضى إطلاق النار والألعاب النارية في الأفراح والمناسبات العامة والأعياد، بعد أن كان استعمال الأسلحة النارية ممنوعاً فيها خلال السنوات الماضية، وانتشار السلاح بين أوساط الشباب، الأمر الذي أدى إلى فقدان العديد من الشباب في حفلات الأعراس والحفلات على مرأى ومسمع الجهات المعنية”.
وأضاف: “وتتركز أبرز الحالات بسقوط رصاص طائش على المركبات أو المنازل، وغالباً ما تتسبب بفقدان حياة الأطفال، أو إصابتهم بجروح، أو عاهات دائمة بسبب وجودهم في أماكن إطلاق النار كالمناسبات الاجتماعية وبكثافة”.
وأردف الخليف: “وفي كثير من الأحيان يفلت الجناة من العقاب، ولا يتم العثور على مطلقي النار، أو التعرف إلى هويتهم”.
ثقافة قاتلة
وتغلب في بعض المناطق ظاهرة إطلاق النار في الهواء، إما ابتهاجاً عقب خطاب لأحد السياسيين، أو احتفاء بنتائج الانتخابات، أو حتى حزناً في بعض الأحيان.
وخلال مناسبات الأفراح، وظهور نتائج الثانوية العامة، أو التخرج من الجامعة، أو أفراح الزواج والأعياد، حيث خلقت هذه الظاهرة كوارث مأساوية كثيرة في الأسر والعائلات، راح ضحيتها عدد غير قليل من الأبرياء، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم حضروا لتهنئة أصحاب الفرح ومشاركتهم فرحتهم، وتقديم واجب اجتماعي لهم، هذا ما أكده الإداري في إحدى مدارس الإدارة الذاتية “أحمد اليونس”.
وعلى الرغم ما لهذه الظاهرة من أبعاد اجتماعية وثقافية أساسية تدفع إلى اللجوء إليها، فإنها “تبقى ظاهرة أمنية بامتياز، وعلاجها أمني أساساً”، بحسب ما يجمع عليه المواطنون والمعنيون.
وختاماً: “فنحن لا نعني عائلة، أو فرداً بقدر ما هي ظاهرة سيئة يجب شجبها، وعلى الجميع كـ “سلطة محلية ووجهاء وشيوخ ومواطنين”، القيام بواجبهم اتجاه هذه الظاهرة، والعمل على وضع قوانين ملزمة وإجراءات عقابية على من يخالفها”.