No Result
View All Result
المشاهدات 17
لكل حرفة أو صناعة ومهما بدت بسيطة أسرارها وخفاياها وتحتاج لقسط من الدراية والحرفية في تعلمها ومزاولتها.
وآلة “السدو” اليدوية مكوَّنْة من قطع عدة لنسج مكونات الخيمة العربية “بيت الْشَّعَرْ” من شَعْر الماعز، وشعر الإبل والضأن. ويتكون “السدو” من أربعة أوتاد خشبية تنصب على شكل متصالب، “كل وتدين متصالبين” ينصبان بشكل قائم قبالة بعضهما، وتكون نهاية الأوتاد المثبتة في الأرض أطول من النهايات العلوية، وهناك المنساج، والصيصة المصنوعة من قرن الماعز، أو الغزال، و”الميشع” و”النيرة”.
تبدأ عميلة نسج قطع الخيمة العربية، وتسمى بالفصيح العامي المحكي “الشكاك” وتلفظ الكاف جيماً يمنية مخففة، باحتفالية تراثية لدى كل أهل “النزل” المكون من مجموعة من الخيام المنصوبة، إما على أرض مستطيلة أو مربعة الشكل تكون البيوت فيها متقابلة. وتنطلق عملية نسج “الشكاك” عادة قبيل حلول فصل الخريف، حيث تبدأ النسوة بغزل شعر الماعز بواسطة ما يسمى محلياً “الدوك”، وهو عبارة عن عصا رفيعة مبرومة الشكل طولها لا يتجاوز نصف المتر، في أحد طرفي هذه العصا أو العود الخشبي “كما يسميه الأهالي محلياً” قطعتان خشبيتان مثبتتان فوق بعضهما على شكل متصالب و”مُعشق”، طول الواحدة لا يتجاوز عشرة سنتمترات، وعرض ثلاثة سنتمترات.
في المرحلة الأولى تعمل النساء من شعر الماعز “بواسطة الدوك” خيوطاً سوداء سميكة وخشنة الملمس. والدوك معروف منذ العصر البرونزي القديم إذ تم العثور على قطع منه، وقبل نهب متحف الرقة الوطني كانت معروضة نماذج من الدوك الحجري.
وفي المرحلة الثانية تبدأ النسوة بغزل هذه الخيوط بواسطة “المبرم” لجعل الخيوط مفتولة ورقيقة الملمس والمبرم يشبه “الدوك” تماماً، إلاَّ أنَّ القطعة المثبتة في نهاية العصا مكونة من قطعة واحدة أسطوانية الشكل أو نصف كروية.
تتكون بيوت الْشَعَّرْ عادةً من عدة أشكال وحجوم وأنَّ أصغر الحجم فيها فهو “الخص” الذي يقوم على عمود واحد ثم يليه “المقورن” ويقوم على عمودين، ويلفظ بـ “المكورن” الجيم اليمنية المخففة ثم المثولث، ذو الأعمدة الثلاث والمروبع والمخومس ويليه المسوبع، والمثومن ويقال ليس هناك حجم اسمه (المثومن) فالمتوسع، والغريب في الأمر، أنه لا وجود لمقاس حجم المسودس “السداسي”.
تبدأ عملية الغزل بأن، تربط المرأة طرف الخيط الخشن بنهاية عصى “المبرم”، المخترقة للقطعة الخشبية الأسطوانية، حيث تقوم بوضع عصا “المبرم” على فخذها الأيمن، وتقوم ببرمها بواسطة كف يدها اليمنى من بداية أطراف أصابع الكف حتى نهايته بينما ترفع يدها اليسرى إلى الأعلى ممسكة بالخيط الخشن، وهكذا تستمر العملية على هذا المنوال، حتى تتم المرأة غزل كامل الكمية، التي تسمى محلياً بـ “درْجةْ الغزل أو الشعر أو الصوف”، ثم تبدأ بغزل “الدرجة” الأخرى من جديد، إلى أن تنتهي من غزل الكمية المخصصة لصنع الخيمة، أو البيت حسب حجمه “العرض والطول”.
بعد ذلك تبدأ النسوة بنسج هذه الخيوط فتجعل منها، ما أطلقنا عليها اسم “الشكاك”. ومن هذه “الشكاك” تصنع الخيمة العربية. بعد هذا الجهد المضني، والذي يدوم طويلاً بغزل ونسج قطع بيت الشعر “الخيمة العربية” من النساء يأتي دور الرجال في النزل “المخيم” حيث يقومون بخياطة هذه “الشكاك” المنسوجة من شعر الماعز بعضها بطريقة متقنة جداً وبعد الانتهاء من خياطتها كاملة، يبدأ طقس جديد، حيث يتجمع الرجال في المخيم الخريفي الربيعي، ويقومون ببناء البيت ورفعه بواسطة الأعمدة الخشبية وتكون عادة أسطوانية الشكل، وعددها يكون حسب حجم البيت “الخيمة” طولاً وعرضاً.
تتكون الخيمة العربية في العادة من الغطاء العلوي “مجموع الشكاك”، ثم الرواق ويلفظ “بالرواك” بالجيم اليمنية المخففة، والرواق هو الآخر مصنوع من شعر الماعز، وبه تغلق الخيمة “بيت الشعر” من الجهات كافة، ويثبت بواسطة أخلة حديدية وأوتاد خشبية. وللبيت العربي مدخلان واحد خاص بالنساء والآخر خاص بالرجال، أما أجزاء الخيمة “بيت الشعر” الأخرى فتتكون من “الرصايع” “والطرايج” وحبال “المرس”، ولكل جزء من هذه الأجزاء وظيفته الخاصة.
بعد الانتهاء من نصب الخيمة “بيت الشعر” يقوم صاحبه بإقامة وليمة كبيرة يُدْعى إليها أهل المخيم “النزل” وكذلك “النزل” المجاور لهم، فتذبح الذبائح ثم يقوم عُلية القوم وشيخ العشيرة بتدشين البيت بوضع القليل من دم الذبيحة على الرواق “الرواك”، وإذا كان صاحبه من أغنياء العشيرة، يقوم الرجال بإطلاق الرصاص من البنادق ابتهاجا، وتهلهل النساء، وتقام الدبكات فرحاً بهذا، ويفرح الأطفال، بل ويفرح الجميع بهذا الانتصار العظيم على الطبيعة.
وبعد الانتهاء من الأكل يقوم الرجال بمسح أيديهم بأطراف الخيمة اعتقاداً منهم أنَّ الدسم يمنح “بيت الْشَعَرْ” الثبات الطويل. هذه الحالة الافتتاحية في طريقة نسج وبناء الخيمة العربية، ظلت متداولة حتى سكنت هذه الجماعات البشرية في مساكن ثابتة ومبنية من الحجر، فأخذت شكلاً تواصلياً جديداً.
لا بد من الإشارة إلى أنَّ شكل “الدوك” أو المغزل كان معروفاً منذ مرحلة العصر الحجري الحديث، وأنَّ أوتاد وأعمدة البيت العربي “بيْتُ الْشَعَرْ”، كانت هي الباعث والأساس في اكتشاف الأعمدة الحجرية التي تحمل الأسقف وواجهات المباني القديم منها والحديث حسب رأي بعض مؤرخي الفن والعمارة.
ظلت الخيمة العربية بشكلها القديم مستعملة حتى وقت قريب جداً، ولم يكن استعمالها قديماً مقتصراً على البدو الرحل، ورعاة الأغنام، بل تُستعمل أيضاً في الأفراح، وفي العزاء على حد سواء.
وكالات
No Result
View All Result