آزاد كردي_
شهدت قمة الناتو الأخيرة في واشنطن مناقشات حيوية حول التحديات الأمنية، خاصة التهديدات الناشئة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ركزت الأعين على بايدن وسط تكهنات حول حالته الصحية وقدرته على تولي زمام الأمور لدورة رئاسية جديدة، بينما غابت ملفات الشرق الأوسط عن الحوارات.
الرابح الأكبر أوكرانيا 
على مدار ثلاثة أيام، اجتمع ممثلو أكبر تحالف عسكري عالمي، المكون من 32 بلداً، للاحتفال بالذكرى الـ 75 لتأسيسه في واشنطن. وعلى الرغم من أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو لكنها سرقت الأضواء.
وأظهرت القمة وحدة أكبر بين دول الناتو وبعثت رسائل حادة إلى روسيا والصين. وتركز الجانب الأكبر من المناقشات بشكل كبير على طمأنة أوكرانيا بدعم الحلف الثابت، خاصة بعد قصف روسيا مدناً أوكرانية بالصواريخ؛ ما أدى إلى إصابة مشفى للأطفال في كييف مؤخراً.
وتُعد أوكرانيا من أهم المستفيدين والرابحين الأكبر من نتائج قمة الناتو في واشنطن الأخيرة، حيث حققت عدداً من المكاسب المهمة، رغم عدم حصولها على عضوية الحلف في هذه المرحلة، إلا أنها نجحت في تحقيق بعض النقاط البارزة:
1-إعلان الناتو أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف “لا رجعة فيه”، دون تحديد إطار زمني محدد. وهذا يمثل تطوراً كبيراً في موقف الحلف تجاه عضوية أوكرانيا.
2-تعهد الناتو بتقديم 43 مليار دولار إضافية من المساعدات العسكرية لأوكرانيا في العام المقبل، وهذا يعزز قدرات الجيش الأوكراني بشكل كبير.
3-البدء في نقل طائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى أوكرانيا، وإرسال أنظمة دفاع جوي متطورة، بما في ذلك أربعة أنظمة صواريخ باتريوت.
4-على الرغم من غياب أي إعلان بشأن تخفيف القيود المفروضة على استخدام الأسلحة المقدمة لأوكرانيا، إلا أن الرئيس الأوكراني وفريقه أبدوا رضاهم عن نتائج القمة، لأنها خطوة حقيقية إلى الأمام. لذلك، حتى وإن لم تحصل أوكرانيا على عضوية الناتو في هذه المرحلة، فإنها تُعد من الرابحين الأكبر من نتائج هذه القمة، لأنها عززت دعم الحلف العسكري والمالي لها في مواجهة الغزو الروسي المستمر.
المخاوف من روسيا والصين
لعل من أكبر المتأثرين بانعقاد قمة الناتو هما روسيا والصين. خذ بالاعتبار أن كلاهما تدركان خطورة توسع الناتو في أوروبا تجاه الشرق وما يعزز هذا الخطر أمور عدة منها:
1-تدفع الحرب الروسية المستمرة ضد أوكرانيا أوروبا إلى تذكير بأهمية حلف الناتو؛ ما يجعل تعزيز الدفاعات الشرقية للحلف أولوية قصوى. يأتي هذا في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات أمنية متزايدة، لا سيما في ظل السلوك العدواني لروسيا والتهديدات الناشئة من الصين.
2-تتجه جهود الناتو نحو مضاعفة نشر قواته في المنطقة، والتي يبلغ عددها حالياً 40 ألف جندي. كما يتم تحديث البنية التحتية للدول الأعضاء، بما في ذلك خطوط السكك الحديدية والطرق الحيوية، لضمان قدرات الاستجابة السريعة والاستعداد لمواجهة أي عدوان روسي مستقبلي.
3-اتخذت الولايات المتحدة وألمانيا خطوة إضافية، عدَّتها روسيا تصعيدية، حيث اتفقتا على وضع المزيد من الصواريخ بعيدة المدى وصواريخ اعتراضية من طراز توماهوك وصواريخ تفوق سرعة الصوت قيد التطوير بدءاً من عام 2026.
4-في بيان القمة النهائي، أدان أعضاء الناتو السياسة الصينية تجاه حرب أوكرانيا، واتهموا بكين بتمكين موسكو من الاستمرار في الحرب عن طريق المعاملات التجارية الضخمة، التي تشمل معدات وتكنولوجيا ومواد يمكن استخدامها لدعم الجهد العسكري الروسي.
5-أشار تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن الصين باعت روسيا ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من أشباه الموصلات والرقائق ومعدات الملاحة، وقطع غيار الطائرات المقاتلة، ومكونات أخرى.
6-أكد بيان الناتو التهديدات الحالية عالمية وأن ما يحدث في أوروبا لا يمكن عزله عن منطقة المحيطين الهندي والأطلسي، التي شددت القمة على أنها ذات أهمية متزايدة للأمن الدولي. فالحرب الروسية في أوكرانيا قد سلطت الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز قدرات الناتو العسكرية والاستراتيجية في المنطقة الشرقية.
7-يسعى الحلف إلى الحد من التأثير الصيني على الصراع من خلال إدانة سياساتها تجاه الحرب في أوكرانيا ومطالبة بكين بوقف الدعم الاقتصادي لروسيا.
8-تعكس هذه التطورات مدى الأهمية الاستراتيجية لحلف الناتو في السياسة الدولية المعاصرة. فالحلف لا يزال يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على الأمن والاستقرار في أوروبا، في المقابل تجد روسيا والصين ما يبرز الحاجة إلى تعزيز التضامن والتنسيق فيما بينهما لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المستقبل.
9-أعلنت الصين أنها تجري مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا على طول ساحلها الجنوبي عقب قمة لحلف شمال الأطلسي في واشنطن وتحذير اليابان من تهديد متزايد لعلاقات بكين القوية مع موسكو. ورفضت الصين بعد ساعات على إعلان وزارة الدفاع الصينية أن الجيشين الصيني والروسي أطلقا المناورات التي تحمل اسم “البحر المشترك 2024” في أوائل تموز واستمرارها حتى منتصف الشهر الجاري.
فرصة بايدن
تعد قمة الناتو لعام 2024 فرصة حاسمة للرئيس الأمريكي جو بايدن لإثبات قدرته على قيادة التحالف، على الرغم من التحديات التي واجهتها إدارته في الآونة الأخيرة. نجاحه في هذه القمة قد يعزز موقفه الداخلي والدولي، بينما قد يؤدي فشله إلى فتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل القيادة الأمريكية في الناتو. من هذه المعطيات، يمكن استخلاص عدد من النتائج:
1-سعى بايدن إلى إقناع حلفائه المقربين والدوليين بأن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بزمام القيادة في الحلف. وكذلك حرص على تسليط الضوء على إنجازات إدارته في تعزيز حلف شمال الأطلسي، حيث أشار في بياناته إلى أن الحلف أصبح أقوى وأكثر ترابطاً تحت القيادة الأمريكية.
-
قدم بايدن دعاية لنفسه من خلال تزايد عدد الأعضاء والتزامه حماية المصالح الأمنية الجماعية، حيث يمثل ما صنعه إنجازاً رئيسياً ومدعى للتفاخر بذلك أمام حلفائه، الأمر الذي يعزز موقفه في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية والجيوسياسية، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا وصعود الصين.