يستمر مسلسل انتهاكات دولة الاحتلال التركي في جغرافية كردستان؛ حيث تعد الأكثر انتهاكاً للقوانين والأنظمة الدولية، وزاد ذلك في باشور كردستان، بدعم حزب الديمقراطي الكردستاني الذي لعب دور البيدق على رقعة الشطرنج، فمن نهب الثروات إلى توسع وضم الأراضي.
لا تزال دولة الاحتلال التركي ماضية في سياساتها التوسعية الاحتلالية في جغرافية كردستان، فطائرات دولة الاحتلال التركي مستمرة في قصف جبال كردستان إضافة إلى إقليم شمال وشرق سوريا، أما برًّا، فآلياتها مستمرة في نهب ثروات كردستان جهارا نهارا وعلى مرأى حكومة بغداد وسلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني.
هذه الانتهاكات جاءت بعد سلسلة من الاجتماعات، التي عقدت بين دولة الاحتلال التركي وحكومة بغداد، وسلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقد ظهر جلياً أنها تهدف للتنسيق بين هذه الأطراف؛ لشن عملية احتلالية تركية في باشور كردستان، وبغض طرف متعمد من بغداد وهولير.
وما إن انتهت هذه الاجتماعات، سارعت دولة الاحتلال التركي بتوجيه المئات من آلياتها العسكرية، والآلاف من جنودها إلى الحدود مع باشور كردستان، فاتبعت ذلك عملية اجتياح بري استهدفت قرى ومدن محافظة دهوك في باشور كردستان.
إجراءات احتلالية واضحة
ما إن توغل جيش الاحتلال التركي في أراضي محافظة دهوك، حتى بدأ بتهجير السكان المدنيين من القرى والبلدات التي يحتلها، فضلا عن نشر العديد من الحواجز على الطرقات داخل المدن وما بينها، والقيام بتفتيش المواطنين والتدقيق في هوياتهم. في إشارة واضحة إلى أن الهدف من ذلك تثبيت الاحتلال التركي في المنطقة.
وعلى إثر هذا التوغل التركي، وقبل ذلك الاستهداف المتكرر لهذه المنطقة، نزح المئات من القرى والبلدات في تلك المنطقة عن ديارهم تخوفا من همجية دولة الاحتلال التركي، فضلاً عن إحراق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في تلك المنطقة.
وفي هذا الصدد، أفادت منظمة CPT الأمريكية في أحدث تقارير لها أن العمليات العسكرية التركية المستمرة في باشور كردستان تسببت في حرق 20 ألف دونم من الأراضي الزراعية والغابات. وأكدت المنظمة أن تركيا نفذت 1076 هجوماً على إقليم كردستان منذ بداية العام، ما أدى إلى إخلاء 162 قرية، وتهديد 602 قرية أخرى بالنزوح.
وفي تقريره، أوضح الفريق الكردستاني العراقي التابع لمنظمة CPT تفاصيل الهجمات التركية على حدود محافظة دهوك. وفقاً للتقرير، في 15 حزيران 2024، شنت القوات التركية هجوماً عسكرياً جديداً في منطقة بروارى بالا، ونفذت مناورات عسكرية في ست قرى بالمنطقة. وفي 25 حزيران، تمركزت القوات التركية بين قريتي بابيرى وكاني بلافى، وفي 27 حزيران أقامت سبع قواعد عسكرية جديدة، ما أجبر سكان قرية ديركا موسا بيك إلى النزوح.
من جهة أخرى، قامت قوات الاحتلال التركي باستهداف ممتلكات الأهالي في محافظة دهوك؛ ما أسفر عن تدمير وحرق العديد من الممتلكات، بما في ذلك جرار زراعي. ويعد هذا العمل جزءاً من تصعيد مستمر للعنف من القوات التركية داخل إقليم كردستان وسط صمت حكومتي الإقليم والعراق.
نهب الثروات بشكل علني
إلى جانب كل ذلك، شرعت دولة الاحتلال التركي بتوجيه آليات تنقيب النفط إلى الحقول النفطية في محافظة دهوك وبدأت بتنقيب واستخراج النفط ونقله إلى الأراضي التركية، وقد ترافق ذلك مع تحليق مكثف لطائرات الاحتلال التركي في سماء تلك المنطقة لحماية آليات التنقيب والاستخراج.
وبالحديث عن هذا الملف، اتهم عضو تحالف الفتح سلام حسين، حكومة الإقليم بالتراخي قبالة التمادي التركي على أراضي كردستان العراق، مؤكدا أن التنقيب التركي شمال العراق يمثل تعدياً على الأمن القومي للبلاد.
وقال حسين في تصريح له تابعته شبكة أنفوبلس، إن “حكومة كردستان تغض الطرف عن الجيش التركي، الذي شرع بإدخال آليات تنقيب النفط في الإقليم وعليها التدخل فورا لإنهاء هذا الملف بالكامل” لافتا الى أن “هذه التصرفات تكون بعلم حكومة الإقليم وبموافقتها”.
وإلى جانب ما يجري في دهوك من عمليات سرقة للنفط، تداول ناشطون صورة صادمة تُظهر برج تنقيب نفطي يستخدمه الاحتلال التركي لحفر آبار النفط على حدود إقليم كردستان، بالقرب من قرية “شينافا” التابعة لقضاء زاخو.
ووفقًا للمعلومات المتداولة، فإن الهدف من هذه العمليات الحفرية هو سرقة موارد النفط من باشور كردستان عن طريق تنفيذ حفر مائلة تستهدف استخراج النفط بطرق غير مشروعة.
من جانبهم، أعرب سكان المنطقة عن قلقهم العميق إزاء التدخلات التركية وتأثيرها السلبي على البيئة والاقتصاد المحلي، داعين إلى وقف هذه الأنشطة الغير قانونية وإيقاف السرقة المفترضة لثروات الإقليم.
اقتطاعوضم الأراضي
وفي خطوة تصعيدية جديدة، أعلن الجيش التركي المحتل ضم مدينة الآميدية ومنطقة برواري بالا في إقليم كردستان رسمياً إلى الأراضي التركية.
وأفادت تقارير محلية بأن جيش الاحتلال التركي علّق لافتات مكتوب عليها “ممنوع الدخول إلى الأراضي التركية” باللغة العربية في قرى منطقة برواري بالا؛ ما أثار استياء وغضب السكان المحليين.
وحسب تقرير نشرته وكالة “روج نيوز”، فقد أعلن الجيش التركي المحتل رسمياً ضم مدينة الآميدية ومنطقة برواري بالا في إقليم كردستان إلى الأراضي التركية، وعلّق الجيش لافتات في قرى منطقة برواري بالا كتب عليها “ممنوع الدخول إلى الأراضي التركية” باللغة العربية؛ ما أثار استياء السكان المحليين وعدَّها الكثيرون انتهاكاً للسيادة العراقية.
يا فرعون مين فرعنك؟
تتزايد انتهاكات دولة الاحتلال يوما بعد يوما، وكل ذلك بسبب غياب رادع محلي يمكن أن يردع الاحتلال التركي عما يقوم به، فسلطتا بغداد والديمقراطي الكردستاني لم يحركا ساكنا منذ بدء عمليات التوغل هذه، فضلا عن محاولات التعتيم الإعلامي، التي تفرضها تلك السلطتان للتعتيم على الخروقات التركية التي تجري على الأرض.
وفي هذا السياق، أعلنت قناة “زووم” أن أسايش حزب الديمقراطي الكردستاني اعتقلت فريق صحفي تابع لها أثناء تغطيتهم للاعتداءات التي يقوم بها الجيش التركي المحتل في منطقة آميدية. في السياق نفسه اختطفت أسايش دهوك مراسل القناة نژيار محمد، والمصور بهيز عقراوي والسائق هوار محمد، أثناء عودتهم من تغطية هجوم الاحتلال التركي على منطقة آميدية في محافظة دهوك في باشور كردستان.
الأمر الذي يؤكد بوضوح مرة أخرى تواطؤ هاتين السلطتين مع دولة الاحتلال التركي على كل ما تقوم به، وهذا يصب في التعدي على حقوق شعب باشور كردستان والعراق، فمن جهة يتعرض لإبادة ممنهجة من عدو خارجي هو الاحتلال التركي، ومن جهة أخرى، يُترك هذا الشعب ليلاقي مصيره بنفسه من خلال غياب سلطة شرعية قادرة على حمايته في وجه هذه الانتهاكات.
غضب شعبي عارم
أثارت انتهاكات دولة الاحتلال التركي بحق باشور كردستان عامة، ومحافظة دهوك على وجه التحديد، غضب أهالي تلك المناطق، فما كان منهم إلا أن نظموا وقفات احتجاجية على الطرقات، التي تستخدمها آليات دولة الاحتلال التركي المتوغلة في مدينتي آميدية وشلادزه، وغيرها من مدن محافظة دهوك.
حيث بدأ سكان منطقتي آميدية وشيلادزي في محافظة دهوك احتجاجاتهم ضد الاحتلال التركي، فقاموا بإغلاق الطريق الرئيسي بين ديرلوك وآميدية، مطالبين بوقف الاعتداءات التركية على أراضيهم.
وقام المحتجون بإغلاق الطريق الرئيسي بين ديرلوك وآميدية، مطالبين بوقف فوري للاعتداءات التركية على أراضيهم. ورفع المحتجون شعارات تندد بالقصف التركي وتطالب بإنهاء الاحتلال.
وأعرب المشاركون عن غضبهم من الصمت الدولي تجاه هذه الانتهاكات، ودعوا الحكومة العراقية، وكذلك سلطات الديمقراطي الكردستاني والمجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم لوقف هذه الاعتداءات.
هذا وخرج أهالي بغداد في تظاهرات ضجت بها العاصمة بغداد، رافضة للاحتلال التركي، شارك فيها المتضررون من القصف، وخاصة من قرى محافظة دهوك، في خطوة تصعيدية لاتخاذ موقف رسمي تجاه ما يجري من توغل بري.
الهدف التركي الحقيقي
كثيراً ما ادعت دولة الاحتلال التركي بأنها تستهدف حزب كردي معين، إلا إن جملة الممارسات، التي تقوم بها دولة الاحتلال التركي تؤكد مرة أخرى زيف هذه الادعاءات، فمشكلة أنقرة لم تكن يوما مع حزب معين، وإنما ترى في الشعب الكردي على امتداد كردستان والعالم، ترى فيه خطرا على سياساتها الاستعمارية التي تحاول تطبيقها على شعوب المنطقة.
فمن خلال ممارساتها، يتضح أن دولة الاحتلال التركي تسعى لاستعادة النفوذ العثماني في منطقة الشرق الأوسط، فقد صرح ساسة دولة الاحتلال التركي في أكثر من مناسبة، عن عزمهم في ضم أراضي محافظة حلب السورية، وكذلك محافظة الموصل العراقية، إلى الأراضي التركية، ما يعطي إشارة جديدة على النية التوسعية التي تهدف إليها دولة الاحتلال التركي، كما يتكشف يوما بعد يوم، أن مسألة “الأمن القومي التركي” ما هي إلا ذريعة يستخدمها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان لتنفيذ مخططاته الاستعمارية.
أمام هذا المشهد، يبدو الصمت الدولي حيال ما تقوم به أنقرة أمرا مُريبا فكما يقول المثل الشعبي: “السكوت علامة الرضا”، فإذا ما صح هذا المثل على الموقف الدولي من هذه القضية، يبقى السؤال المطروح عن الغايات، التي يسعها إليها المجتمع الدولي من خلال هذا الصمت.