المناطق السورية المحتلة أمام المكر التركي.. استغناء عن المرتزقة أم بيعها؟

دجوار أحمد أغا_

“ذاب الثلج وبان المرج”، هكذا ظهرت حقيقة دولة الاحتلال التركي في المناطق، التي احتلتها وتسيطر عليها مرتزقة تابعة لها، الأمر الذي يؤكد بأن الحوار السوري ـ السوري، الذي نادى بها مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، هو الحل الأنسب لأزمة السورية.

الجميع يعلم أن لتركيا أطماعاً استعمارية في معظم الدول العربية، التي كانت محتلة من السلطنة العثمانية باسم الدين الإسلامي، وعلى وجه الخصوص سوريا والعراق وفق ما تسميه “الميثاق الملّي”.

دولة وريثة لسلطنة قائمة على الاستعمار، والاحتلال تحت مسمى (فتوحات إسلامية)، تسعى جاهدة إلى استعادة تلك الزعامة بحجة الدين الإسلامي (المذهب السنّي). من هذا المنطلق، يعمل أردوغان على إعادة احتلال المناطق السورية والعراقية عن طريق مرتزقته، أو بالتدخل المباشر، وبناء القواعد، مثلما حدث في جزيرة قبرص عام 1974 حيث احتل قسمها الشمالي وأعلنها “جمهورية شمال قبرص التركية” بُعيد احتلالها.

عمليات احتلال متعمّدة 

قامت دولة الاحتلال التركي بالعديد من الهجمات الاحتلالية ضد مناطق الشمال السوري بغية احتلالها بشكل متعمّد، وقد ساعدت المرتزقة بالعتاد والسلاح بكميات كبيرة، حتى استطاعت بسط سيطرتها على معظم شمال غرب البلاد، ومدينة حلب بشكل كبير. عمليات ما تسمى بـ (درع الفرات 2015، وغصن الزيتون 2018، ونبع السلام 2019) التي أطلقتها دولة الاحتلال التركي، واحتلت خلالها الكثير من مناطق شمال وشمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى السماح لمرتزقة جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” فيما بعد بالاستقرار في إدلب واحتلالها، الأمر الذي دفع حكومة دمشق إلى طلب المساعدة العاجلة من روسيا الاتحادية، والتي دخلت وبقوة إلى المعركة وخاصة من الجو، ثم عقدت مقايضة مع تركيا، حيث انسحبت من مناطق عفرين وريفها، أي أعطت تركيا الضوء الأخضر لغزو المنطقة مقابل الانسحاب من حلب.

الأوضاع في المناطق المحتلة 

لم يعد خافياً على أحد، أن تركيا قد استخدمت هؤلاء المرتزقة السوريين من أجل مصالحها الخاصة، وليس من أجل مصلحة الشعب السوري، كما كانت تدّعي. تركت المرتزقة تعيث فساداً في المناطق المحتلة، وأمام أعينها كانت تجري عمليات سلب ونهب، وقتل واغتصاب دون أن تتحرك لوقف هذه الانتهاكات والتجاوزات بحق ما تبقى من سكان المناطق المحتلة. على العكس من ذلك، فهي تشجع المرتزقة على القيام بمثل هذه الأعمال الوحشية من أجل إحداث التغير الديمغرافي المطلوب في هذه المناطق قبل إعادة تسليمها إلى حكومة دمشق، وفق المخطط المرسوم لها.

إن ما تقوم به المجموعات الإرهابية والمرتزقة، التي تتلقى دعمها المادي من دولة الاحتلال التركي يصب بالدرجة الأولى في مصلحة الاحتلال، وليس للشعب السوري فائدة تذكر من ذلك بل على العكس تماماً فالضحية من وراء ذلك كله، هم السوريون.

بلغ السيل الزبى 

أخيراً وليس آخراً؛ أدرك السوريون الموالون لتركيا على مختلف انتماءاتهم، أن تركيا استخدمتهم لمصالحها، وورقة ضغط لكسب مصالح سياسية أو إقليمية، الأمر الذي دفع بهم إلى الخروج في مظاهرات غاضبة احتجاجاً على التقارب الحاصل بين دولة الاحتلال التركي، وبين حكومة دمشق، فقاموا بإحراق العلم التركي، والهجوم على شاحنات تركية، والمطالبة بانسحاب جيش الاحتلال التركي، وغيرها من الأراضي السورية المحتلة.

إن عملية التطبيع التي تجري على قدم وساق بين الطرفين برعاية روسية، وتحرك عراقي على أعلى المستويات (محمد شيّاع السوداني رئيس الوزراء العراقي). أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي، وهو ما حصل مع القاطنين في المناطق التي تحتلها الدولة التركية، حيث أدركوا حقيقة دولة الاحتلال التركي، التي باعتهم وتعمل على تصفيتهم، والأكثر من ذلك القمع، الذي مارسته ضدهم لدى الاحتجاج، ناهيك عن قطع الإنترنت لئلا يكشف حقيقها للرأي العام.

من المستفيد!؟

بالتأكيد؛ فإن المستفيد من هذه الاعتداءات الهمجية بحق الشعب السوري سواء في المناطق المحتلة أو حتى في تركيا نفسها (قيصري نموذجاً)، هي تلك القوى التي تدعم الاحتلال التركي ومرتزقته في هذه الأعمال، وتسعى إلى إحداث التغيير الديمغرافي في المناطق السورية المحتلة، وخاصة في عفرين، حيث بناء المستوطنات ما زال يجري وبسرعة كبيرة، ويتم إسكان عوائل من مناطق مختلفة من سوريا إلى جانب السعي لتوطين بعض العوائل الفلسطينية من غزة، وكذلك عوائل عراقية. هذا الأمر يصب في مصلحة دولة الاحتلال التركي وحلفائها مثل قطر، وحماس، وأذربيجان وغيرها التي تسير وفق السياسة التركية، فيجب على هذه الأطراف أن تنظر بحيادية إلى حقيقة ما يجري في المناطق السورية المحتلة، وأن تتراجع عن دعمها للاحتلال كما فعلت دولة الكويت بعد أن عرفت الحقيقة.

موقف قوات سوريا الديمقراطية

منذ اليوم الأول لتأسيس هذه القوات؛ قد أكّدت على أن مهمتها هي الدفاع وحماية وحدة الأراضي السورية، أي أنها ليست قوات انفصالية، بل هي قوات سورية مؤلفة من أبناء وبنات شعوب سوريا، وهذه القوات هيئت المناسبة لتأسيسها في مناطق شمال وشرق سوريا لمواجهة الهجمات الوحشية الإرهابية على المنطقة، وفي مقدمتها “داعش” الذي تلقى الدعم المباشر من الدولة التركية الراعية له. لكن؛ ذلك لم يكن كافياً، فقررت تركيا دخول الحرب بنفسها وبمساعدة من مرتزقتها وقامت باحتلال العديد من المناطق السورية، كما ساعدت مرتزقة جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) في السيطرة على إدلب وريفها. قوات سوريا الديمقراطية لم تقف مكتوفة الأيدي، قاومت بقوتها كلها، ومنعت الاحتلال من التمدد والسيطرة على مناطق سورية جديدة، وإلى اليوم تكمل مهمتها في حماية الأرض وأبناء الشعب من هجمات داعش، ومساعيها للتخريب بأوامر دولة الاحتلال التركي، وأطراف أخرى مثل المرتزقة التابعة لحكومة دمشق، وإيران في دير الزور.

المقاومة مستمرة

 لم تكتفِ هذه القوات بالدفاع عن المناطق السورية وتقديم الآلاف من الشهداء من خيرة أبناء وبنات شعوب المنطقة، لكنها صارت في مواجهة قوة الناتو الضاربة، التي تمتلك القوة الجوية والغطاء الجوي، الذي تفتقده قوات سوريا الديمقراطية. لكن؛ رغم ذلك فالمقاومة مستمرة في مرحلتها الثانية عبر قوات تحرير عفرين، التي تواصل القيام بعمليات ناجحة ضد التواجد التركي في المنطقة، وكذلك مرتزقتها وتوقع في صفوفهم إصابات مباشرة. قوات تحرير عفرين، التي بدأت عملياتها بعد انسحاب قوات سوريا الديمقراطية من عفرين بعد مقاومة أسطورية استمرت 58 يوماً، تحقق نتائج باهرة في عملياتها النوعية، التي تقوم بها داخل المناطق المحتلة، وتنتقم من العدو بقوة.

الإدارة الذاتية هي الحل 

أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا أن أبوابها مفتوحة لأيّ طرف سوري من أجل الحوار السوري ـ السوري بعيداً عن التدخلات الخارجية الإقليمية بالدرجة الأولى، وبرعاية أممية من أجل إنهاء الأزمة المستمرة منذ 14 عاماً، والخاسر الأكبر فيه هي سوريا وشعبها. لذا؛ فإن قوات سوريا الديمقراطية، ومجلس سوريا الديمقراطية، والإدارة الذاتية الديمقراطية منفتحون للحوار على القوى السورية من ما تسمى بالمعارضة إلى حكومة دمشق من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض وصولاً إلى حل سلمي شامل، يصب في مصلحة سوريا أرضاً وشعباً قبل كل شيء. حان الوقت لإنهاء معاناة السوريين بأطيافهم وأعراقهم ومذاهبهم للسير معاً نحو سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية.