سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

كارثة الحرائق المفتعلة في باكور كردستان تكشف نوايا دولة الاحتلال التركي

دجوار أحمد أغا_

استمراراً لسياسة الدولة العثمانية في احتلال كردستان وتدمير طبيعتها، يتبع الاحتلال التركي سياسة الأرض المحروقة، مستهدفا بذلك إرادة شعوب المنطقة، فالانتهاكات والجرائم، التي يرتكبهما بحق الطبيعة والبشر في باكور كردستان، هي نفسها في روج آفا وباشور كردستان.
ليست المرة الأولى، التي تقوم بها دولة الاحتلال التركي بالحرق المتعمد لطبيعة كردستان، ولن تكون الأخيرة أيضاً، فالعدو عندما يشعر بقرب نهايته، يمارس سياسته المعهودة بخرق الأخضر واليابس، وهذا هو حال دولة الاحتلال التركي، التي وصلت الى قناعة بأن أيامها في باكور كردستان قد أصبحت معدودة، خاصة في ظل الانتصارات الكبيرة، التي يحققها الشعب من خلال صناديق الاقتراع، فعلى الرغم من التزوير والتجاوزات والتهديدات وسرقة الأصوات، إلا أن الشعب لم يعد يخشى شيئاً، وأصبح يخرج للساحات والميادين ويطالب بحقوقه في العيش بحرية فوق تراب وطنه، كما أنه لم يعد يخاف من أدوات العدو القمعية، وأصبح يطالب علناً بإنهاء التجريد والعزلة المشدّدة المفروضة على القائد عبد الله أوجلان وصولاً إلى تحقيق حريته الجسدية.
طبيعة كردستان    
الجميع يعلم أن كردستان تمتاز بطبيعتها الخلاّبة، فهي غنية جداً بالغابات والأنهار والينابيع والأشجار الخراجية والمثمرة، كما أنها تمتاز بجبالها الشاهقة ووديانها العميقة، وهوائها النظيف وببحيراتها الجميلة. من أهم بحيرات باكور كردستان (بحيرة وان، وبحيرة خامزار، وبحيرة جلدر، وبحيرة نمرود). بالإضافة الى أن معظم سكان باكور كردستان، الذين يعيشون في الأرياف، يعتمدون في معيشتهم وحياتهم على الثروة الحيوانية والزراعة. المياه متوفرة والمراعي الخضراء كثيرة، لذا فهم يعتمدون في حياتهم الاقتصادية على زراعة المحاصيل بمختلف أنواعها إلى جانب تربية الماشية والاستفادة من منتجاتها سواء في بيعها وشراء ما يلزمهم من احتياجات، أو في الاعتماد عليها وتخزينها (اللحوم، الأجبان).
ظهور الاستعمار 
منذ القديم ومع تطور الإنسان ونشوء الدولة القومية، والبدء باستغلال الإنسان للإنسان، ظهر الاستعمار الذي كانت فيه الدول القوية تمارس بالقوة احتلال الدول الفقيرة، وتأخذها مستعمرات لها، وتنهب خيراتها وتستعبد شعوبها. ومع تطور الأسلحة والتقدم الكبير في التكنولوجيا وخاصة في القرن العشرين، ظهر الاستعمار تحت مسمى جديد (الانتداب) وبموافقة من عصبة الأمم (1919)، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. لكن اللافت في الأمر أنه على الرغم من احتلال الدول الأوروبية الكثير من بلدان العالم، وخاصة في الشرق الأوسط (إنكلترا، فرنسا، إيطاليا) لكنها لم تمارس سياسات تدمير ممنهجة ضد هذه البلدان المستعمرة، لا بل على العكس من ذلك، يعود الفضل إليها في الكثير من الأمور، مثل بناء المدن الحديثة، وفتح الطرق، ومد سكك الحديد وبناء العديد من المصانع، بالتأكيد هي كانت تعمل ذلك من أجل مصالحها، لكنه في الوقت نفسه يعود بالفائدة على شعوب هذه البلدان.
حقد وكراهية منقطعا النضير
 فيما يتعلق بالاحتلال العثماني التركي للمنطقة، فقد جاء عن طريق ما أسماها بالفتوحات الإسلامية، لكنها في حقيقة الأمر كانت احتلالاً واستعماراً. هذا الاحتلال كان مختلفاً بشكل كبير عن الاحتلال الغربي، وخاصة في البلدان العربية وكردستان. فالعثمانيون ومن بعدهم دولة الاحتلال التركي، قاموا بارتكاب أبشع المجازر والمذابح بحق شعوب المنطقة، ما لم يقم بها أي احتلال آخر، كما أنهم من حقدهم وكراهيتهم الكبيرة للكرد ولبقية شعوب المنطقة، قاموا بتدمير الطبيعة الجميلة والخلابة، التي تتميز بها كردستان. حيث قاموا بإلقاء القنابل الحارقة على الغابات لحرقها، واستخدموا الأسلحة الكيماوية المحظورة، والتي لها آثار بعيدة المدى على الإنسان والطبيعية، والكائنات الحية. بالإضافة إلى قيامهم بشكل متعمّد بنسف ينابيع المياه وتسميمها، وتدمير أكثر من 4000 قرية في باكور كردستان، وتهجير سكانها إلى داخل الأناضول أو دفعهم للهجرة بقوة السلاح نحو المدن التركية الكبرى (إسطنبول، وأزمير، وأنقرة) من أجل إفراغ كردستان من سكانها، فكشفت بذلك حقدها وكراهيتها اللامتناهية ضد الكرد وطبيعة كردستان منذ القديم، وحتى وقتنا الراهن.
تدمير متعمد لطبيعة كردستان                   
تقوم دولة الاحتلال التركي، وبشكل متعمّد بتدمير طبيعة كردستان من خلال قطع الأشجار ليس فقط في باكور كردستان، بل في المناطق، التي تحتلها من باشور كردستان أيضاً، والجريمة نفسها تحصل في روج آفا وخاصة في المنطقة، التي احتلتها دولة الاحتلال التركي، وفي مقدمتها عفرين، حيث لا يكتفي العدو بقطع وحرق الأشجار، بل يقوم بقلعها من جذورها والذهاب بها إلى مناطق أخرى، ليتم زراعتها من جديد، أو تحطيبها.
ما تقوم به دولة الاحتلال التركي يندرج ضمن إطار إبادة الطبيعة، وإبادة مقومات الحياة بحق الشعب الكردي، ولأن هذه الممارسات تحصل بحق الشعب الكردي وشعوب الشرق الأوسط، يبقى العالم صامتاً، تجاه ما يحصل من انتهاكات، فنتساءل: إن ارتكبت دولة الاحتلال التركي الجريمة نفسها في أي منطقة بأوروبا، هل ستبقى صامتة الدول الأوروبية حيال ذلك؟ بالتأكيد لا، فإن حصلت الممارسات نفسها، لظهرت ردود الفعل مباشرة من إصدار بيانات إدانة، ونداءات من أجل وقف تدمير الطبيعة، وربما تتدخل الأمم المتحدة في الأمر، وتطالب الدول المعنية بالتوقف، وإلا اتخذت العقوبات بحقها، وهذا الموقف بحد ذاته يكشف الهوة والفجوة بين الحقيقة والكذب، اللذين يمارسهما المجتمع الدولي، فكما يقال: “لا حياة لمن تنادي” وبذلك تستمر دولة الاحتلال التركي في طغيانها دون رادع.
الحريق الكبير وخسائره        
قبل أسبوع حدث حريق كبير بين مدينتي آمد وماردين في باكور كردستان، وامتدت النيران فالتهمت الآلاف من الماشية، وأكثر من 15 ألف فدان من الأراضي الزراعية المروية، وحصدت تلك النيران أرواح أكثر من 15 شخصاً وعشرات الجرحى. هذا الحريق الذي اندلع بين بلدتي جنار، وشمرخ، لم يكن طبيعياً بل كان بفعل فاعل، وتتحمل دولة الاحتلال التركي كامل المسؤولية.
وحسب وزير الزراعة والغابات التركي إبراهيم يوماقلي فقد احترقت سبعة آلاف، و900دونم من الأراضي الزراعية في بلدة جينار في آمد، 6789 دونماً من القطن و1111 دونماً من القمح.
ونفق 924 رأس ماشية، وأصيب 83 آخرون بجروح خطيرة، وتم إرسالهم إلى مرافق الإنتاج الحيواني، كما تم علاج 190 من الماشية. واحتراق 7000 دونم في بلدة شمرخ في ماردين، 3000 دونم كانت مزروعة بمحصول الأرز، و4000 دونم بمزروعة بالقمح.
وكالعادة لم يسلم البشر ولا الحيوان، ولا النبات والطبيعة من الجريمة، التي حصلت بفعل الحريق، والذي سعت دولة الاحتلال التركي إلى إخفاء فعائلها بهذه الحرائق بروايات باطلة عدة.
الحريق المتعمّد
لم يكن الحريق عادياً، لكن كان بسبب إهمال دولة الاحتلال التركي إجراءات الوقاية والحماية لعواميد الكهرباء، خاصة في ظل الارتفاع الكبير الطارئ على درجات الحرارة. هي ليست كارثة طبيعية كما تدّعي بل هي كارثة من صنعها. وقد اتهم البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري، “سزجين تانري كولو”، الحكومة بمسؤولية اندلاع الحرائق، التي شهدتها ولايتي آمد وماردين، وتسببت بمصرع 15 شخصاً.
وذكر تانري كولو، أن الكهرباء خدمة حكومية غير أن الحكومة قامت بخصخصتها، وأسندتها للشركات المقربة لها، ومنحتها حماية سياسية، وأضاف: “لم تقم هذه الشركات بمراقبة الأعمدة الكهربائية، وبعبارة أخرى، فإن المسؤولية السياسية عن ذلك تقع أيضاً على عاتق حزب العدالة والتنمية الحاكم، فمن غير المقبول خصخصة خدمات توزيع الكهرباء، لكن للأسف فعلتم ذلك”.
تناقضات تكشف الحقيقة
 نود في الختام أن نذكر لكم مقارنة بسيطة ظهرت على وسائل الإعلام التركية نفسها، وكشفت زيف ادعاءات مساعيها لإطفاء الحريق، فبحسب تصريحات المسؤولين الأتراك أنفسهم. فقد كتب وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة على منصة “إكس”… “أن سبع فرق طوارئ، و35 سيارة إسعاف أرسلت إلى الموقع” يقصد الحريق.
بينما ذكر وزير الزراعة التركي إبراهيم يوماقلي: أنه تم نشر تسع طائرات، وست مروحيات، وأكثر من 360 عنصر إطفاء في منطقة حريق اندلع في حقل في ولاية جناق قلعة غرب تركيا…
نترك لكم التعليق.