No Result
View All Result
المشاهدات 8
آراس بـيـرانـي_
ربما تنحاز اللغة من اليومي إلى الأدب، والعلاقة بين اللغة والأدب وثيقة وتبادلية، بل تشاركية، فما الأدب؟ هو لغة بالأساس الأول، فاللغة حامل للثقافة والتراث وللتاريخ وعابر للزمن والأمكنة، وكلما توثقت علاقة الأدب باللغة ارتقت اللغة، واللغة مثل وليد رضيع يحتاج الرعاية، واللغة الكردية واحدة من تلك اللغات التي لم تلقَ عبر التاريخ سوى الإنكار والإهمال، ولم تتلاشَ، ورغم كل الجهود الاستيلائية، التي حاولت وبكل ما أوتيت من قوة، فلم تفلح ممارسات التعريب ولا استطاعت الأسلمة، أن تنال من اللغة إلا ضمن حدود ضيقة رغم انتهاج الكرد القرآن الكريم كغيرهم من مسلمي العالم باللغة العربية، كما لم تنجح عمليات التفريس والتتريك أو “الروسّنة” في مزاحمة اللغة الأم، كما لم تستطع الحدود المصطنعة أن تذيب اللغة الكردية، والتي ربما عززت المناطقية واللهجات على النمو منفردة، حيث أدى ذلك إلى القطيعة الأدبية على مستوى القراءة ومتابعة الحالة الأدبية في كل إقليم لهجوي، وهي إحدى التحديات الأساسية التي مازالت تستمر رغم الإعلام الفضائي وشبكة التواصل وهيئات التعليم والتدريب الموجودة، ومؤسسات اللغة التي انكفأت لصالح لهجتها دون وضوح ملامح مستقبل اللغة كلغة واحدة عن الأقل على الصعيد الدراسي والإعلامي، فهي لغة يتحدث بها أكثر من خمسين مليون كردي في أماكن إقامتهم التاريخية، وفي المغتربات والمهاجر الأوروبية والأمريكية ومناطق من روسيا وجورجيا، وأذربيجان وأرمينيا، تلك اللغة التي وقفت صامدة في وجه عمليات الانصهار والتذويب التهميش والإنكار، والتي تجابه الجغرافيا والتاريخ، تلك اللغة العريقة التي تنام وتصحو على إيقاع مليون ومئتي ألف مفردة، ذات الأصل العريق الممتدة عبر التاريخ السحيق للمنطقة، وهي استمرار للغة الإمبراطورية الميدية، وهي اللغة التي مازالت ثرية بمفردات اللغة السومرية، اللغة ذات الانتماء الهندو – أوروبي، فهي من أقدم وأعرق لغات منطقة الشرق الأوسط مهد الحضارات ومهبط سفينة نوح ووادي الطوفان البابلي وحاضرة ملحمة جلجامش، والتي تعني باللغة الكردية وحسب مدلول ما ذهبت اليه الملحمة أو الأسطورة فهو الرجل، الذي له قوة أربعين جاموسا بريا، وهو الذي كان يتخذ من جلود الجواميس رداء له، “فجل” تعني أربعين وتعني الثياب أيضا، أما المقطع الآخر “جاميش” يعني بالكردية الجاموس المعربة من الكردية.
وليست الكردية أقدم اللغات فحسب، وإنما هي من أغنى لغات المنطقة، وأقواها صموداً، فكم من لغات اضمحلت وانقرضت وانصهرت في بوتقة لغات الدول الاحتلالية الاستعمارية، ومن هنا يتطلب الالتفات إلى أهمية، وضرورة اعتماد لغة إعلامية موحدة وخطاب كردي واحد وتوحيد الأبجدية ضمن اعتماد اللاتينية، وتوحيد ومقاربة مناهج الدراسة في خطوة لمجابهة تشتت الجهود اللغوية، وتشجيع الكتابات باللغة الأم وممارسة الترجمة من اللغات الحية إلى اللغة الكردية لمنحها المزيد من الحيوية والارتقاء بالدراسات اللغوية وعملية النقد وتوفير مصطلحاته كآلية لتمكين اللغة الكردية من ممارسة كافة أوجه الحياة الثقافية والتاريخية ولتستمر اللغة هوية وحاملا للآمال الكردية العريضة، ولتكون جديرة بيومها وعيدها، لتحلق من رمادها كل يوم من جديد.
No Result
View All Result