التأنيث والتذكير سنة كونية إذ الكون كله قائم على الثنائية (ذكر ـ أنثى / سالب ـ موجب / الفرح والحزن / الفقر ـ الغنى .. إلخ) ولكن؛ بالعودة إلى ثنائية التأنيث والتذكير وتحديداً قطب التأنيث.
من أهم أسرار الحياة هو الاستمرار، واستمرار الحياة لا يكتمل إلا بالأنثى فما هي الأنثى؟ الأنثى هي استحضار الحياة. منذ بدء الخليقة على هذا الكون كان للمرأة دور ريادي في بناء الإنسانية وديمومتها فقد مثلت رمزاً للخصوبة وإنتاج الحياة واكتشاف الأعشاب والطب وإنشاء مجتمعات في تلك المرحلة وكان لها مكانة مرموقة تعلو مكانة الرجل وحظيت بالتقديس ومع بدايات اكتشاف الزراعة ونشوء المدن أخذت مكانة المرأة تفقد حقها الطبيعي بالتدريج بدءاً من المجتمع ثم العائلة ثم الدين وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ التطور الإنساني وهي مرحلة سلطة الذكر بدءاً من حضارة سومر وتشير الكثير من الكتابات التي تناولت الحضارات القديمة إلى أن المرأة عديمة الأهلية وليس لها حق من الحقوق بل هدرت كرامتها وهذا ما حصل في الحضارة البابلية حيث كان يقام كل عام سوقاً يذهب إليه الرجال لشراء النساء من خلال مزايدات في الثمن وكذلك الأمر بالنسبة للحضارة الآشورية التي حرمت المرأة من الميراث وفي الحضارة الفرعونية قامت بإكرام المرأة وإعطائها حقوق قريبة من الرجل من خلال الميراث والعمل خارج المنزل والتجارة وتولي أمور الأسرة عند غياب الرجل، أما في العصر الإغريقي فقد أصبحت مسلوبة الحرية والإرادة وحتى المكانة الاجتماعية وحُرمت من كل حقوقها الطبيعية من التعليم والاطلاع على الثقافة العامة وكذلك المرأة الرومانية هي الأخرى بعيدة ومحرومة من الحقوق ومن الواجبات والطاعة وتربية الأطفال وكان شعارهم “أن قيدها لا ينزع ونيرها لا يخلع”، وفي العصر الجاهلي فقد وصلت المرأة إلى حالة مزرية للغاية وفي مستوى لا يصل بها إلى مرتبة الإنسانية من الانحطاط والضعف والإهانة ومعدومة الحقوق حتى من إبداء الرأي فلا إرث مادامت أنثى لأن العادة عندهم لا يرث إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة حتى وصل بها الحال إلى وأدها عند الولادة خوفاً من جلب العار للعائلة أو للقبيلة.
أما في الديانات السماوية:
ففي الديانة الزرادشتية لعبت المرأة دوراً مهماً وكانت مساوية للرجل في نظر القانون والدين وكان يُنظر إليها على أنها وصية على المنزل والأسرة وحامية النار المقدسة ورمزاً للحب والرحمة والحنان وتقوم بعمل مجهول ومجهودات لا تقل قيمة عن تلك التي يقوم بها الرجل.
وفي الديانة البوذية؛ كان هناك اختلاف في الآراء ووجهات نظر متضاربة حول وضع المرأة بدءاً من وضعها أحياناً كآلهة (كالآلهة الهندوسية المؤنثة) إلى الحد أن المرأة زوجة ويجب عليها أن تُطيع زوجها وتلتمس الحماية من والدها واعتبارها أرملة ابنها.
وفي الديانة اليهودية اعتبرت المرأة مصدراً للإثم وهي سبب الفتنة المستمرة وهي باختصار كما يصفها سفر الجامعة “شباك وقلبها شراك ويدها قيود”.
أما في الديانة المسيحية فقد كانت علاقة المسيح بالنساء ممتازة آمنَّ به واتخذهن صحابيات وتلميذات وتابعات “من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر” أما مع بولس فقد تغير الوضع، حيث المرأة هي المسؤولة عن الخطيئة الأولى وقد تمت العديد من الأدوار القيادية في الكنيسة بالذكور ففي الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية الرجال فقط يمكنهم أن يصبحوا كهنة أو شمامسة وكذلك في المناصب القيادية مثل البابا – البطريرك – الأسقف ويمكن للمرأة أن تصبح راهبة أما التقاليد المسيحية التي تعترف رسمياً بالقديسين كأشخاص لهم قداسة استثنائية في الحياة تتضمن لائحة بأسماء النساء في تلك المجموعة أبرزهن هي مريم أم يسوع التي تحظى بمكانة عالية في جميع الطوائف المسيحية.
أما في الديانة الإسلامية فقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً بالمرأة، حيث كرّم المرأة وأكد إنسانيتها وأهليتها للتكليف والمسؤولية والجزاء وبدليل ذكر في القرآن الكريم إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ولم يخاطب عالم الرجال دون النساء كما أمر الرجال بحسن معاملتهن وسنَّ للنساء الحقوق التي تكفل لهن الحياة الكريمة والاحترام والتقدير كحق اختيار الزوج وإثبات ذمة مالية مستقلة ولا وصاية عليها كالرجل والآيات القرآنية كثيرة بهذا الصدد وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة والديانات السماوية كانت ثورات أخلاقية لتصحيح مسار المجتمع الابتعاد عن الظلم والاستعباد والدعوة إلى العدل والمساواة والمحبة إلا أنه تم تحريف هذه الأديان وتسييسها لصالح الأنظمة المستبدة وجعل المرأة سلعة رخيصة وحصرها ضمن أربعة جدران وقمع كل الحركات التي كانت تناضل إلى المساواة مع الرجل أو حتى الحركات التي كانت تناضل في سبيل حرية المرأة وقد لعبت الرأسمالية دوراً كبيراً في سلب حقوق المرأة فقد تم تسليع المرأة وبيع الأجساد والصناعة الإباحية ككل وخلق صورة نمطية تساعد على الترويج للثقافة الاستهلاكية دون ضبط أي قانون أخلاقي فالغاية في الوعي الرأسمالي تبرر الوسيلة.
وقد قامت عدة حركات نسوية سعت من خلالها إلى تعزيز حقوق المرأة واهتماماتها وإزالة التمييز الجنسي الذي تعاني منه النساء، حيث بدأت الموجة النسوية الأولى أواخر القرن الثامن عشر لتنتهي مع الحرب العالمية الأولى وبحسب المؤرخون أن بدايتها كانت بكتاب ماري ولستونكروفت دفاع عن حقوق المرأة 1792 ويرى آخرون أنها بدأت مع مؤتمر سينيكا فولرز 1848 الذي انعقد في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى حركة سفرجيت ومظاهرات عاملات النسيج للمطالبة بحقوقهن والتي خلدها يوم المرأة العالمي؛ الثامن من آذار.
ومنذ تأسيس حزب العمال الكردستاني في السبعينات من القرن العشرين وما بعد رأى القائد عبد الله أوجلان أن مشاركة المرأة ضرورية في النضال ووسع هذا الهدف وأراد أن تصبح ثورة كردستان ثورة المرأة على المستوى العالمي كما أكد أن مستوى حرية المرأة هو مستوى حرية المجتمع وخلق للمرأة الحرة أهم قيمة من الوطن والاستقلال وكان تجييش المرأة الحرة الضمانة الأكثر وضوحاً لهذا الهدف وثورة وطنية دون ثورة المرأة ستبقى متدنية في مستوى حرية الثورة، حيث لا تحارب المرأة في الجبال فقط إنما وصلت في كافة الساحات الحياتية إلى تلك المستوى لتحارب بقوة قيادية ضد النظام وكسرت المرأة قناع النظام الذكوري المهيمن، حيث أظهرت هوية المرأة التي تم قمعها والإبادة الجماعية التي تعرضت لها من قبل الدين ـ الدولة ـ الأسرة ـ النظام لم يفك رموز هذه الحقيقة فحسب بل وأظهر أيضاً كيف ينبغي أن تتطور الأيديولوجية ـ النضال وبناء الحياة الحرة كبديل.
لذلك؛ يجب على الجميع أن يعي هذه المفاهيم وينظر إلى المرأة أنها منبع الحياة وليس كائن ثانوي في هذا الكون والمرأة وصلت إلى مراحل كبيرة في المجتمع وستكون هي العنصر الأساسي فيه شاء من شاء وأبى من أبى.