سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

في كردستان اكتسبت الحياة معناها الحقيقي مع تأسيس حزب العمال الكردستاني

 هيفيدار خالد_

 ونحن نستقبل الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لتأسيس حزب العمال الكردستاني، لا بد لنا من التذكير بهؤلاء الشهيدات والشهداء الذين استشهدوا في سبيل القضية التي خرج الحزب من أجلها، فكانت سبباً رئيساً للإعلان عن تأسيس حزب العمال الكردستاني الذي أعلن منذ بداية ظهوره النضال في وجه حقبة طويلة من الظلم والطغيان والدعوة للكفاح والتطلّع لرسم ملامح بداية مرحلة جديدة ليس في كردستان فحسب، بل في كافة أنحاء جغرافية الشرق الأوسط الصاخبة، مخاطباً بنضاله وأيديولوجيته المعاصرة كافة الشعوب والثقافات المتعايشة على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ومتوجهاً بأحر التحيات لجميع الرفاق الذين كان لهم الدور الكبير في مسيرة البناء ونشر أيديولوجية الحركة التحريرية الكردستانية في أجزاء كردستان الأربعة وخارج الوطن، هذه الحركة التي كونتها مجموعة مؤلفة من شبان جامعيين من الكرد والترك في سبعينات القرن الماضي في ظروف مرحلية حساسة ومهمة للغاية، أصبحت بنضالها ومشروعها الفتي سفينة نجاة لشعوب المنطقة في وقتنا الحالي، بعد أن أفلست كافة التيارات والحركات التحريرية التي خرجت في الحقبة ذاتها ولم تحقق أهدافها المرجوة بل انصهرت في بوتقة سياسات نظام الدولة بسرعة كبيرة ولم تلبِّ مطالب الفئات والشعوب التي خرجت من أجلها.
حزب العمال الكردستاني الذي اكتسبت الحياة معناها الحقيقي بظهوره في كردستان، بعث الحياة في الأرواح من جديد وأمدها بالأمل والثقة والعنفوان والروح الثورية العالية، وغيّر كافة النظريات والمفاهيم الخاطئة والرجعية في كردستان، واستطاع من خلال فكره النير وفلسفته العصرية ونهجه العظيم، تغيير الذهنية السائدة في المجتمع الكردي، وتمكن من لم شمل الجميع من حوله، محولاً بذلك الكردي متشتت الذات والكيان والفكر والروح، إلى كردي منتفض شجاع جسور، مقاوم لا يهاب الصعاب.
نعم الكردي الذي هُمشت كافة حقوقه وسلبت منه هويته ولغته وقيمه المقدسة، ووصفه العدو بالميت الذي تم دفنه تحت الأرض وصب عليه بمادة الإسمنت، وتم القضاء عليه نهائياً، نهض وانبعث من جديد مع نهوض حزب العمال الكردستاني، وبدأ بالبحث عن سر الحياة الحرة والسعي من أجل الحقيقة دون كلل أو ملل، بدأ بالبحث عن ذاته المفقودة، وعن جوهره المسلوب وعن كل شيء جميل فقده في مسيرة حياته الماضية التي لم يرَ فيها سوى الظلم والذل والإهانة والعوز والحرمان وسوء المعاملة.
حول حزب العمال الكردستاني بنضاله التاريخي، كل كردي من فردٍ ميت فاقدٍ للقوة والروح، لا يفكر سوى بتأمين قوت يومه، بعد أن حُطِّمَت جميع آماله وطموحاته في الحياة، إلى عاشق للحرية وباحث عن الحقيقة مغيّراً بذلك شخصيته بشكل كامل، ومسار حياته التي كان يعيشها تحت وطأة الظلم والجور والطغيان، حيث القمع الذي انتهجته السلطات الحاكمة ضده والأنظمة المستبدة المستعمرة لأرضه، بعد أن أجبرته على الخضوع لأجنداتها ومخططاتها الإقصائية وسياسات الإنكار والإمحاء المطبقة بحقه.
حزب العمال الكردستاني الذي أبشر الشعب الكردي بمرحلة جديدة، خلق أسلوب حياة فريدة من نوعها في أجزاء كردستان الأربعة، فالحياة في ظل حزب العمال الكردستاني، يعني العيش بكرامة بعيداً عن العبودية، وها هم اليوم يبحثون عن الحقيقة دون كلك أو ملل، يناضلون في وجه كافة أنواع القبح دون توقف، متحدين الصعاب والمشقات والآلام للوصول إلى الهدف المرام، الذي لا محال من تحقيقه، ومن ثم المتابعة والاستمرار والتدفق في الحياة كالنهر الجاري من قمم الجبال، والتخلي عن مقاييس الحياة الرخيصة والتخلص من مصطلحات ومفردات من قبيل: لا يجوز، لا أستطيع، لا يمكن، الأمر مستحيل، صعب التحقيق، هذا غير ممكن .. إلخ. ذلك لا سيما بعد أن زخرت قواميسه بمصطلحات وعبارات جديدة زيّن بها حياتهم باعثاً فيهم روح النضال والتحدي والصمود والمقاومة، وعدم الاستسلام والرضوخ للأعداء، بل السير نحو الأمام حاملين راية الحرية على درب الحقيقة والهدف المنشود.
الخصائص الثورية التي تحلّى بها مؤسّس وقائد حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وكوادره الطليعيون منذ البداية، أثرت إيجاباً على جميع الجماهير التي شاركها الحزب دعوتها والقضية المصيرية التي تناضل من أجلها، ومن هذه الخصائص والمميزات أن المناضل الآبوجي مضحٍّ من أجل شعبه في جميع الأوقات ومقاوم في كافة الظروف الصعبة غير آبهٍ بمغريات الحياة أو غيرها، حياته لا تشبه حياة الآخرين أبداً، فهو مميّز بأسلوبه وأفكاره، بأخلاقه وأحلامه، بطريقة تعامله مع الآخرين في ذهابه وإيابه، هو حقاً ملفت لنظر أينما حل أو رحل، حديثه شيّق كلماته عميقه تترك أثرها في نفس كل من سمعها، هو مصدر للثقة في زمنٍ انعدمت فيه الثقة وتغيّرت فيه النفوس.
كفاح المناضلين الأوائل في الحزب الذين قاوموا في كافة ساحات النضال، انطلق بدءاً من أقبية السجون الفاشية بقيادة مظلوم دوغان وفرهاد كورتاي ومحمد خيري دورموش وكمال بير الذين انتفضوا في وجه سياسات الدولة التركية الفاشية واستطاعوا هزيمة العدو في قلاعه وتوجيه ضربة قوية لسياسات الحرب الخاصة التي كان يمارسها ضدهم، إلى ذرى الجبال التي اعتلاها آلاف الشبان والشابات الكرديات للالتحاق بهذه المسيرة المهيبة من أجل الحرية والحياة الكريمة، والتي سطرت تاريخاً بأحرف من ذهب وبعثت الرعب في قلوب الفاشية التركية الغاشمة وأفشلت كافة مخططاتها في القضاء على قيم الحزب الاشتراكي والفكر الذي خلق بدماء الشهداء الأبرار.
انتهج القائد عبد الله أوجلان آنذاك، سلاح النضال أساساً له للوقوف في وجه مفاهيم مجتمع الدولة الأبوية وناضل من أجل أوضاع المرأة المنحطة في المجتمع الكردي، وواجه نظام العلاقات الرجعية القائمة بين المرأة والرجل، وأصر على رفضه وتمرد ضد العادات والتقاليد البالية التي كانت تفرض على المرأة الكردية عنوة، مثبتاً أن تحليل المشكلة الكردية بخطوطها العريضة لا يكفي لإيجاد الحلول المناسبة لها؛ ولهذا هدف من خلال بناء حزب العمال الكردستاني إلى إنشاء المرأة والرجل المتحررين، في مسعى لخلق وتطوير مجتمع عصري تسوده الحرية وتحترم فيه حقوق الإنسان لكل فرد فيه.
ديناميكية الحزب القابلة للتجدد الدائم ألقت بتأثيراتها على كافة الفئات الموجودة في المجتمع بشكل قوي. وأحدثت تحولاً في الساحة الاجتماعية، لتعكس بذلك تحليلات القائد عبد الله أوجلان حول قضية المرأة ونظام العائلة في كردستان على كافة أفراد المجتمع الكردي وبسرعة كبيرة، ولتعلب المرأة بعد ذلك دوراً كبيراً في قيادة الانتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض المدن الكردية في شمال كردستان ضد الظلم والعبودية وسياسات الإبادة الثقافية والسياسية.
النساء هناك بدأن بمهاجرة سجون الرجال والتخلي عن حياة العبودية التي كن يعشنها ليصعدن قمم الجبال العالية في كردستان، للنضال من أجل القضية والأرض والوطن، من أجل حياة تسودها كل مقومات الحرية الحقيقية. بعد أن منعن حتى من الخروج من منازلهن، لذلك كن في طليعة النضال الثوري التحريري، وخير مثال على ذلك انضمام العشرات من الرفيقات من روج آفا وخاصة من مدينة كوباني حيث المجتمع الكردي ذات الطابع العشائري البحت إلى صفوف النضال والتحرر، ومن بين هؤلاء الرفيقات اللواتي انضممن إلى مسيرة الحرية في كردستان آنذاك، الرفيقة دجلة كوباني وأيضاً الرفيقة روكن التي تنحدر من مدينة عفرين والرفيقة ديلان من مدينة ديرك ومئات الرفيقات الأخريات اللاتي سرن على أثرهن.
ومع حلول أعوام التسعينات اكتسبت المرأة مستوىً عالياً من الوعي التحرري، والخبرة النضالية والتنظيمية والنضال في خنادق الحرية الحصينة، وحققت انفتاحاً كبيراً من خلال المشاركة النوعية والانخراط في الانتفاضات الجماهيرية والتصاعد الملحوظ في الانضمام الهائل كماً ونوعاً يوماً بعد آخر.
هذا الانضمام النسائي المترافق مع الوعي الوطني، فتح المجال لتطوير النضال النسوي الذي ساهم في تطور النضال الحزبي أكثر. بالإضافة إلى أن قوة المرأة قد تجلت بوضوح، نتيجة انضمامها الفعّال إلى الحرب من جهة، وإبدائها أسمى معاني البطولة والمقاومة والتضحية بالذات من جهة أخرى.
نعم هن قدمن أرواحهن فداءً للوطن وتحقيقاً للهدف الأسمى الذي سعين جاهدات لتحقيقه، فكان لاستشهاد الشهيدة بريفان جزيرة بمدينة جزيرة بوطان في شمال كردستان في تسعينات القرن الماضي دور كبير في تصعيد نضال حزب العمال الكردستاني وتعزيز المشاركة النسوية، بالإضافة لعملية الشهيدة ذكية آلكان التي أضرمت النيران بجسدها في آمد كي تبقى شعلة نوروز مشتعلة على سور آمد. وعملية الشهيدة رهشان ديميريل في نوروز أزمير، ومقاومة الرفيقة بريتان كانت بمثابة الضربة الموجعة لنهج الخيانة والعمالة في كردستان ورد قوي على الهجمات التي كانت تستهدف الحركة التحريرية ليتغير بعد تلك العمليات التي نفذتها نساء كرديات مسار النضال في كردستان بشكل جذري.
تلك العمليات برهنت للعالم أجمع عزم المرأة في التحرر وتشبثها به، إلى جانب تحديها اللامتناهي لكل العقبات والعراقيل التي تعترض طريق تحررها. الذي يُمكِّنها من إبراز قدرتها القيادية، نعم تلك المقاومات والعمليات البطولية البارزة قد هزت مجتمع المرأة من الصميم، مّا أدّى إلى تزايد انضمام المرأة كماً ونوعاً لصفوف النضال، وإبراز القوة الموجودة لدى المرأة في مدى تطلعها إلى الحرية، ومدى نقمتها ونفورها العميق من العبودية التي طالما فرضت عليها لآلاف السنين. وتحديد مقاييس المرأة الحرة والمجتمع الحر بموجب ذلك، وبالتالي تطوير تطلعاتها وبحوثها عن الحياة، وتوجيه الانتقادات اللاذعة للرجل أيضاً ضمن إطار هذه المقاييس لحثه على التحول والتغيير.
في ذكرى تأسيس حزب العمال الكردستاني الذي أصبح اليوم منبر الحرية وطريق خلاص جميع الشعوب المتعطشة للحياة الكريمة في الشرق الأوسط والتي أتعبتها منهجية نظام الحداثة الرأسمالية العالمية، لا بد للمناضلين الأحرار من حول العالم ومن سار على خطاهم تبنّى نهج آلاف الشهداء والشهيدات الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحقيق حياة حرة ونظام ديمقراطي وفق أسس الأمة الديمقراطية التي نادى بها حزب العمال منذ بداية تأسيسه والتحلي بالروح الثورية التي خلقها بين أفراد الشعب في المنطقة كافة، رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً.