رامان آزاد_
لا تدخرُ حكومة أنقرة أيّ متغير في الظروف السياسيّة لمواصلةِ التغيير الديمغرافيّ في المناطق التي تحتلها شمال سوريا وبخاصةٍ في منطقة عفرين، واليوم تستغلُ ظروفَ الحرب في غزة لترحيل عوائل من غزة بذريعة إنسانيّة وتحت عنوان نقل مرضى السرطان، فيما يتم تداول أنّ أنقرة تسعى إلى نقل فلسطينيين إلى عفرين المحتلة.
نقل عوائل فلسطينيّة إلى عفرين المحتلة
تحاولُ حكومة الاحتلال التركيّ استغلالَ الحربِ في غزة، والتلاعب بالملفِ الإنسانيّ المتصل بالجرحى ومرضى السرطان الفلسطينيين بقصدِ نقل أعداد منهم إلى إقليم عفرين المحتل لترسيخِ التغيير الديمغرافيّ من خلال توطينهم في المستوطنات التي أُنشئت بتمويلٍ قطريّ منظمات وجمعيات إخوانيّة.
ذكرت شبكة “عفرين بوست” في 23/11/2023 أنّها علمت من عدة مصادر عاملة في المنظمات الإغاثيّة، أبرزها جمعية العيش بكرامة لفلسطيني 48، أنّ تركيا تجهّز لإرسال 160 عائلة فلسطينيّة من أهالي غزة إلى إقليم عفرين المحتل، كدفعةٍ أولى، بغية توطينهم فيها.
وقالت المصادر إنَّ تلك العائلات يتمّ إدخالها إلى الأراضي التركيّة تحت مسمى “جرحى الحرب ومرضى السرطان” وبرعاية الهلال الأحمر القطريّ، ليتم نقلهم فيما بعد إلى المستوطنات التي تم بناؤها في ناحية جندريسه وخاصةً المستوطنات التي أُنشئت في محيط قريتي دير بلوط وشاديريه/ شيخ الدير لتوطينهم فيها.
كما تم تداول معلومات استخباراتيّة تؤكد أنّ اتفاقاً (تركيّ – مصريّ – أردنيّ – قطريّ – إسرائيلي) أفضى إلى نقل مقاتلين من حركة حماس وعوائلهم من قطاع غزة في فلسطين إلى تركيا ومن ثم إلى الشمال السوريّ المحتل، والحديث يتعلق بمنطقة عفرين المحتلة ومحافظة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) المُصنفة على قوائم الإرهاب، وتوطينهم فيهما. وأنّ المخطط يهدفُ أيضاً لتشكيل فصيل أو قوة خاصّة بهم في المنطقة. وجاء الاتفاق بالتوازي مع مساعي التوصل إلى هدنة مؤقتة يتم خلالها إخلاء قطاع غزة من العوائل والمرضى وتبادل تدريجيّ للأسرى بين إسرائيل وحركة حماس.
واجتمعت الاستخبارات التركيّة الأربعاء 22/11/2023 مع قيادات من “هيئة تحرير الشام الإرهابيّة” في بلدة أطمة الحدوديّة بريف محافظة إدلب للتنسيق فيما يتعلق باستقبال العوائل الفلسطينيّة وتدبير أمورهم كمرحلة أولى.
وفي 10/10/2023، بثت قناة “سوريا” ذات التوجهات الإخوانيّة والتي تتخذ من إسطنبول مقراً لها حلقة خاصة على خلفيّة الحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل والفلسطينيين، وتضمنت الحلقة لقاءاتٍ مع أهالي إدلب، وطُرح على الأشخاص الذين تمت مقابلتهم سؤال افتراضيّ: لو أنّ سوريا على حدود غزة، كيف ستستقبلون أهالي غزة فيما لو نزحوا إليكم؟
السؤال في ظاهره بريء، إلا أنّ طرحه لم يكن واقعيّاً بعد أقل من أربعة أيام على الحرب، وهو يستهدف دفع الناس إلى إجراء مطابقة ما بين الأوضاع في إدلب وقطاع غزة، على أساس الشراكة في المحنة، وتحريض الجانب العاطفيّ على أساس مذهبيّ، ولكنه في بعدٍ آخر يهدفُ إلى تجييش مشاعر بالترويج لقبول الوجود الفلسطينيّ في شمال سوريا، ليكون مقدمةَ حدثٍ قادمٍ.
بدء النقل إلى تركيا
وأعلن الإعلام التركيّ في 3/11/2023 استعداد تركيا لنقل مرضى السرطان من قطاع غزة إلى تركيا بأسرعِ وقتٍ واستكمال علاجهم. وفي 5/11/2023 قال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة إنّه أجرى اتفاقاً مع نظيره المصريّ خالد عبد الغفار، على نقل نحو ألف مريض سرطان من قطاع غزة. وأضاف قوجة أنَّ نقل مصابي السرطان سيكون من قطاع غزة عبر معبر رفح الحدوديّ إلى مصر، ليُصار إلى نقلهم إلى تركيا.
وكشف وزير الصحة التركيّ فخر الدين قوجة، في 21/11/2023 عن إعداد قائمة تضمُّ 50 مريضاً لإجلائهم من قطاع غزة كدفعة ثالثة، مشيراً إلى أنّهم أحضروا حتى اليوم 88 مريضاً من قطاع غزة، إلى جانب 62 من مرافقيهم إلى تركيا.
من جهتها، ترفض مصر رفضاً قاطعاً تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة بالنزوح داخلياً أو خارج أراضيهم، مؤكدة رفضها إفراغ قطاع غزة من أهله، وتنفيذ مخطط إسرائيلي بتهجير الفلسطينيين قسراً إلى منطقة سيناء.
كما رفضت المملكة الأردنية أي حديث أو سيناريوهات يتحدث بها البعض عن مرحلة ما بعد غزة وانتهاء الحرب عليها، مؤكدةً أن ما يُطرح من سيناريوهات في هذا السياق “غير واقعي ومرفوض ولا تتعامل معها الأردن”.
وقال رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، في 7/11/2023: إنَّ “أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربيّة خط أحمر وسيعتبره الأردن بمثابة إعلان حرب”.
توطين سابق للفلسطينيين في عفرين
انتقال الفلسطينيين إلى عفرين كان مبكراً بعد احتلالها، ويعد الاستيطان الفلسطينيّ في عفرين المحتلة الأكثر غرابة، لكونهم ضحايا الاحتلال والاستيطان الإسرائيليّ، ولطالما كانت قضيتهم محل تعاطف الكرد. ولذلك لم يكن لأحد أن يتصور تدفق مئات العوائل الفلسطينيّة مع موجات ترحيل المسلحين وعوائلهم من ريف دمشق وبخاصة من مخيم اليرموك، وأن يستوطنوا في أراضٍ محتلة ومستولى عليها بقوة السلاح وتعود ملكيتها إلى أهالي عفرين المهجّرين قسراً.
نقل ناشطون في 7/4/2018 معلوماتٍ عن استقدام المزيد من الفلسطينيين من مناطق (ببيلا وبيت سحم ويلدا) بريف دمشق إلى مدينة عفرين ومعسكر المحمديّة بريف جندريسه، فيما كان يروّج إعلاميّاً على أنّه قد تم نقلهم إلى منطقة الباب، وما تسمّيه سلطات الاحتلال التركيّ مناطق “درع الفرات”، واستوطن في مخيم دير بلوط بريف عفرين نحو 600 عائلة من مستوطني جنوب دمشق، بينهم 325 عائلة فلسطينيّة. وقال مركز التوثيق المدنيّ للاجئين الفلسطينيين في الشمال السوريّ في 15/2/2020، بأنّ عدد الفلسطينيين في الشمال السوري بلغ نحو 7500 مستوطن، تم جلبهم من مخيمات درعا وحمص وحلب واليرموك.
ولاء لأنقرة
تبريرُ الوجودِ الفلسطينيّ بقلة عدده مقارنةً مع المستوطنين المستقدمين من أرياف دمشق وحمص وإدلب وحماه سطحيّ جداً، لأنّ مجرد الوجود الفلسطيني في عفرين المحتلة وقبوله بالسكن في أرض هُجّر أصحابها بالقوة علامة سلبيّة تناقضُ عدالةَ القضية الفلسطينيّة، وتخدم مخطط أنقرة في التطهير العرقيّ في المنطقة الكرديّة، بل يُطرحُ سؤال عريض وأساسيّ، لماذا انخرط الفلسطينيون في أتون الحربِ في سوريا؟
بتحول المعارضة السورية بقضّها وقضيضها إلى أداةٍ بيد أنقرة وحشرها في الزاويةِ المذهبيّة وتحولها لجيشٍ “انكشاريّ” من المرتزقة تزجُّ بهم أنقرة في معارك داخل سوريا وخارجها، فمن المستغربِ لأصحابِ قضيةٍ عادلةٍ عدم تبيّن انحرافِ مسار “الثورة السوريّة” واستغراق البلاد في أتون حربٍ أهليّة، وهذا بفرض أنّ الاصطفافَ الفلسطينيّ جاء تضامناً وتأييداً لمطالب السوريين المحقّة. ولكن ما مبرر مواصلة الانزياح بعدما فتحت أنقرة حدودها للمتطرفين من كلّ أنحاء العالم للقتال في سوريا باسم “الجهاد” وتحول الجغرافيا السوريّة إلى ميدانِ تنافسٍ وصراع لدولٍ وأطرافٍ خارجيّة، وبذلك فَقدَ الاصطفافُ الفلسطينيّ كلّ مبرر لانخراطه ووقوفه مع طرفٍ ضد آخر في سوريا، بصرف النظر عن التقييم السياسيّ للأزمةِ.
ورغم أنّ الفلسطينيّ ضحية الاحتلال والاستيطان، إلا أنّه أيّد العدوانَ التركيّ على عفرين واحتلالها، وأشاد خالد مشعل رئيس حركة حماس السابق، وباركه وقال: “النصر في عفرين كان نموذجاً للإرادة التركيّة، وإن شاء الله سنسجل ملاحم بطوليّة لنصرة أمتنا”.
وعلى أساسِ الولاءِ الدينيّ المذهبيّ تتدفقُ الأموال من الفلسطينيين (عرب ــ 48) إلى الشمال السوريّ لبناءِ المستوطناتِ، وهناك حملاتٌ منظمةٌ لجمعِ التبرعات، بملايين الدولارات (طبعاً التبرعات بالأصل بالشيكل) ثم تُحوّل إلى تركيا، والتي تحوّلها إلى سوريا وتشترطُ أنقرة شراكةَ مؤسسةٍ تركيّةٍ في عملياتِ البناءِ وأن تكونَ مصدرَ موادِ البناءِ…
خلال الانتخابات الرئاسيّة التركيّة الأخيرة ضجّت صفحاتُ نشطاء فلسطينيين بالدعاءِ بفوزِ أردوغان، وتجاوزت مجردَ التأييد لإعلانِ الولاء له مشيرين إلى أنّ فوزه نصرٌ للإسلامِ…