No Result
View All Result
المشاهدات 5
عبد الرحمن ربوع
لا أحد في العالم أسوأ حالاً من السوريين سواء في مناطق حكومة دمشق أو المناطق المحتلة من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته، بما في ذلك مواطني غزة القابعين في سجن مفتوح يتلقون كل أنواع القذائف والصواريخ، ويُقتلون بالمئات يوميًا، إنهم أحسن حالاً من السوريين، على الأقل لأنهم يُقتلون بيد أعدائهم لا بيد بعضهم البعض، ولأنهم قادرين على المغادرة إلا أنهم متمسكون بأرضهم على عكس السوريين العاجزين عن مغادرة يتطلعون إليها مِنْ بلد لم يعد فيها أي مقوّم من مقوّمات البقاء والاستمرار أو أساس من أساسات الحياة الآمنة الكريمة.
مع كل تقرير حقوقي شهري يرصد الانتهاكات في سوريا؛ لا نكاد نلحظ انخفاضًا لمعدلات انعدام الأمن أو ارتفاعًا لمعدلات تحسُّن ظروف الحياة الآمنة والمعيشة الكريمة. فالجاني هو نفسه من يُناط به إرساء الأمن ويتوقف عليه إفشاء السلام وبيده تحسين المعيشة!
كل شهر نقول “إن شاء الله الشهر الجاي أحسن”. “الشهر الجاي أأمن”. “الشهر الجاي يحسّوا على دمهم و….”، لكنهم من شهر إلى شهر، من سيّء إلى أسوأ. فمناطق النظام، رغم أنها “متجانسة” وفيها عشرات المنظمات العسكرية والأمنية السورية والإيرانية والروسية، وأنه قد تم القضاء على الإرهاب والإرهابيين، على الأقل عن المدن والحواضر، والعسكريون والأمنيون حاضرون في كل مكان وزمان، وهم أكثر من أعمدة الكهرباء “المقننة” في كل شارع، حتى إن الحكومة وصلت إلى حد غير مسبوق من الوفرة في عدد مسلحيها ومفرغيها الأمنيين إلى درجة توفير مسلحٍ لكل مواطن يحميه، سواء من نفسه الأمارة بالسوء والناكرة للمعروف، أو من إرهابي قد تنشقّ عنه الأرض أو يهبط عليه من السماء، ومع ذلك فحوادث التفجير يومية، وجرائم الاغتيال يومية، والخطف والاختفاء يوميان، والتشبيح والتشليح يوميان، حتى المشاكل العائلية والزوجية غالبًا ما تتطور لتصبح صدامات مسلحة بمختلف الأسلحة المتوسطة والآربيجيهات.
ولا يقتصر انعدام الأمن للمدنيين، ولا يقتصر عدد الضحايا عليهم؛ بل إن انعدام الأمن يطال العسكريين والأمنيين والمسلحين المنظمين في المليشيات التابعة للحكومة والحزب وإيران وروسيا، فإن كان ضابط أو مجند الجيش والأجهزة الأمنية لا يأمن على نفسه التعرض للقتل أو الخطف أو الاغتصاب، فكيف يأمن المواطن الدرويش الذي لا حول له ولا قوة؟!
وفيما اعتقد بعض السوريين (قبل أن يهجّروا قسرًا) أن المعارضة ربما تكون أحسن حالاً من النظام أو أقل سوءاً؛ يتفاجؤون في كل يوم أن المنطقة التي تسيطر عليها مرتزقة الاحتلال التركي هي “أسوأ”. الفساد فيها يبدأ من عند أصغر مرتزق في حاجز ولا ينتهي عند رئيس حكومة أو ائتلاف.
حالة فوضى لا أول لها ولا آخر. عصابات مسلحة لا تكاد تندمج مع بعضها طمعًا بـ”عضمة” يلقيها لهم “التركي” حتى تعود لتتكاثر وتتشرذم مثل السرطان طمعاً بـ”عضمة” أخرى. جرائمهم تتعدى القتل والخطف وهتك الأعراض وانتهاك الحرمات؛ لتصل إلى احتلال البيوت واغتصاب الحقول ومصادرة الأرزاق وتجريف الأراضي. وكل ذلك بمسحة مَقيتة مقرفة من القبلية والعشائرية والمناطقية والعنصرية والطائفية.
فإذا نجا المواطن من “الحمزات” فهو لا محالة هالك على يد “العمشات”. وإذا نفذ من حواجز جيش الإسلام فهو لابد واقع بيد حواجز الجبهة الشامية. البيوت مثلها مثل البراري لا حرمة لها. حياة الإنسان لا تساوي بنظر مسلحي الحواجز أكثر من المئة ليرة تركيّة تسعيرة أقل إتاوة. لا كرامة مصانة لأي مواطن أو نازح، كبير أو صغير، ذكر أو أنثى، حتى رئيس حكومة أو رئيس ائتلاف يمكن إهانته وتهديد حياته في أي لحظة يغفل عنه مرافقوه وحرّاسه.
اكتواء يومي بنار الغلاء والرُّشى، ولقمة عيش مقسومة مع مسلحي الحواجز وموظفي المحليات ومتطوعي المنظمات. حتى الحوالة التي تأتي من قريب أو صديق كل بضعة شهور يجمركها تجار الأزمات وأمراء الحرب.
إلى متى؟!
لا يبدو في الأفق المنظور أي أمل للمواطن في التغيير والإصلاح في مناطق حكومة دمشق، إلا أن يستمر في التعايش مع ما هو مضطر للتعايش معه، منتظرًا معجزة إلهية لن تأتي إلا على رأسه تخلصه من عذاباته للأبد أو منتظرًا حوالة خارجية تؤجل موته جوعًا ومرضًا وكمدًا. أما النازحون واللاجئون عن هذه المنطقة فقد “هيئوا” أنفسهم للتعايش مع النزوح واللجوء، وهم ماضين قُدمًا في متابعة حياتهم، ولم يعودوا يضيعوا أوقاتهم، ولا يحرقون أعصابهم بالتعلق بأمل العودة بعيدة المنال.
أما من يعيشون في المناطق المحتلة والذين لا تنقصهم نخوة، ومعظمهم نازحون رفضوا العيش تحت استبداد النظام واحتلال إيران، فلِمَ السكوت عن هذه المعيشة المزرية؟ إلى متى يظل الفاسدون متحكمون بالمنطقة وأهلها ومقدّراتها؟ وهل من المعقول أن يرفضوا العيش تحت نير الاحتلال الإيراني ليقبلوا بالاحتلال التركي؟ هل الأنفة والكبرياء يتّقِدانِ بمقابلة العلم الإيراني ويبْرُدانِ بمقابلة العلم التركي؟ ألا يكفي العبث السياسي وفوضى المنظمات والهيئات ليضاف إليها العبث بالأرواح والأرزاق وفوضى الفساد والتشبيح؟
السوريون الذي خلخلوا بنية الفساد بثورة عفوية، وزلزلوا بنيان الاستبداد بصدور عارية، وأيدٍ تحمل أغصان الزيتون وحِزَم السوسن والجوري.. إلى متى يستمر سكونهم وسكوتهم عن فساد المعارضة وتشبيح مرتزقتها؟
No Result
View All Result