سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط

 هركول كوجر_

إن قضايا الشرق الأوسط لن تُحل مادام هناك أنظمة دكتاتورية في الشرق الأوسط، وهذه الأنظمة تعمل وفق سياسة الدولة القومية وتحرم الشعوب من حقها في الحياة الحرة، ومن بعض الأنظمة التي تحولت إلى نظم فاشية هي الدولة التركية، فقد برعت في قمع الحريات، وممارسة حروب الإبادة والصهر القومي للشعوب، ومن تلك الشعوب التي نالت حصة الأسد من الصهر ومحاولات الإبادة، الشعب الكردستاني وهو من الشعوب الأصيلة في الشرق الأوسط.
 ومنذ الظهور الأول للإنسانية حافظت هذه الشعوب على صيرورتها وعلى ثقافتها ولغتها وهويتها القومية، وعدم اعتراف تلك الأنظمة المستبدة بحق تقرير المصير للشعب الكردي كونها قد تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية وعلى الإبادة العرقية للكرد لأن وجود الكرد كأمة عريقة موزعة على أجزاء كردستان التاريخية، يشكّل فوبيا للدولة التركية.
الأتراك قدِموا إلى المنطقة من أواسط آسيا على شكل غزاة، قاموا بتدمير ونهب وسلب لحضارات شعوب المنطقة من يونانيين وكرد وأرمن وكافة شعوب البلقان، ومنذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 وإلى الآن تُرتكب جرائم بحق الشعوب، من الأرمن والكرد والسريان، وعندما تندلع انتفاضة أو ثورة؛ تقوم بالإبادة العرقية، والصهر القومي لتلك الشعوب، وتستغل كافة الإمكانات العسكرية والسياسية في سبيل القضاء عليها، تارةً تُقمع باسم العلمانية وتارةً أخرى تقمع باسم الإسلام السياسي وتارةً بأسماء وأشكال أخرى.
إن السياسة التي اتبعتها الدولة التركية هي اللعب بين معسكرين عالميين أو قطبين، واستغلال التناقضات بينهما، واستفادت من تلك التناقضات بسبب موقعها الجيو استراتيجي من جهة ومن جهة استطاعت  أن تتدخل في القضايا العالمية وتخلق أزمات وحروب أهلية وتعمل من نفسها شرطياً في المنطقة والعالم، وتكون هي المشكلة وليست حل قضايا تلك الشعوب، عندما نشأت الدولة التركية لعب مصطفى كمال أتاتورك على عدة أوتار، وكان يتواجد معسكرين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، اقنع الغرب أنه سيُشكل دولة علمانية ولن يُعيد أمجاد الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت باسم الإسلام، والتي قامت بفتوحات “إسلامية”  كما أظهر للغرب أنه يحارب أفكار ومعتقدات إسلامية، حتى أنه كان يهاجم الرسول حول أفكاره، حيث قال: “الإسلام لاهوت سخيف صنعة بدوي بلا أخلاق وهو جثة متعفنة تُسمم حياتنا” حيث ألغى الجوامع وألغى الأحرف العربية وهي لغة القرآن، وألغى أعياد ومناسبات إسلامية وهدم الفكر الإسلامي، وحاول نشر الفكر الغربي وحوّل يوم الإجازة إلى يوم الأحد ومنع الآذان في الجوامع، وألغى الشريعة الإسلامية، وقال كلمته أمام البرلمان التركي 1923 “نحن في القرن العشرين عصر الصناعة ولا نستطيع أن نسير وراء كتاب يبحث عن التين والزيتون “يُقصد به القرآن الكريم”، وأهلكه الله بالنمل الأحمر، وأكل جسده وبعد موته اكتشف الأطباء أن دواءه كان لحاء شجرة التين، بالإضافة إلى أن أتاتورك أوهم البلاشفة بأنه حركة تحرر وطني، أنه يقبل بأفكار شيوعية، وأنه ضد النظام الاستبدادي للإمبراطورية العثمانية، الذي خاض حروب القرم مع القيصر الروسي، فنظرت القيادة  السوفييتة إليه على أن تركيا ضحية للتطلعات الإمبريالية والقوى الغربية، وحاول لينين أن يؤثر من خلال تركيا على العالم الإسلامي، ويلمع صورة ثورته، رغم ما قامت به تركيا بسياسة القمع للشيوعيين الأتراك، إلا أن الروس أغمضوا عيونهم عن الانتهاكات التركية بحق الشيوعيين الأتراك، وكان مصطفى كمال أتاتورك إنساناً براغماتياً، ورغم أن الكرد شاركوا معه في حروب الاستقلال، واستفاد من كل الأطراف في دعم جمهوريته، وأظهر للرأي العالمي أن الثورات والانتفاضات الكردية بأنها ثورات يقوم بها رجال الدين الرجعيين وأنهم يحاولون إحياء الإمبراطورية العثمانية لكي لا يلقَ الدعم من النظام الشيوعي الذي كان يدعم حركة التحرر الوطني، ومن الغرب الذي عانى الويلات على أيادي العثمانيين من احتلال أراضيهم وارتكاب مجازر بحقهم وبالعكس ساندوا أتاتورك في ضرب الثورات الكردية واستغل أتاتورك هذا الدعم وقام بارتكاب المجازر والصهر القومي في شمال كردستان ضد ثورة الشيخ السعيد وسيد رضا وثورة آغري وبالو وكنج، وقتل ما يقارب أربعين ألف كردي في زيلان، رغم أن معاهدة سيفر أقرت بحق الشعب الكردي في منحه حقوقه الشرعية، والاعتراف بهويته القومية، إلا أن دهاء الكمالية بوضع برلماني كردي من ديرسم اسمه حسن خيري وأيضاً تعيين رئيس الوفد المفاوض في لوزان من القومية الكردية أمثال عصمت اينونو وفوزي جقماق، وتنكرهم لمطالب الشعب الكردي، وبأنه لا يوجد في تركيا قومية كردية، وأقنع اتاتورك المجتمعين في لوزان أن تركيا للكرد والأتراك، وحين خاطبه الكرد باسم الدين الإسلامي، وأخوة الأتراك والكرد وأقنع الكرد بإرجاء مطالبهم إلى وقتٍ آخر لخداعهم، وقام بسياسة التهجير للشعب الكردي، ورحلّهم من مناطقهم إلى متروبولات تركية، وقام بسياسة التتريك للمناطق الكردستانية، وصف الكرد بأتراك الجبال، كما يقول القائد عبد الله أوجلان: الحكام الأتراك بحفاظهم على الدولة القومية سيتمخض عنها الفاشية، وهي أكثر الأنظمة عداء للديمقراطية، ما يجب فعله هو ديمقراطية الجمهورية، الدول الأوروبية تخلت عن مفهوم الدولة القومية والسوفييت إبّان لينين، لم يتجاوزوا حدود الدولة القومية، لذلك انهار الاتحاد السوفياتي وكان ثلث العالم يُدار من قبل الاشتراكية، بسبب عدم تحليل مشكلة السلطة والبيروقراطية وهذه الأسباب أسفرت عن نتائج سلبيّة، وكان نوع الاشتراكية الفرعونية على شكل للإدارة بدولة الكهنة كالسومريين أو الدولة المصرية الفرعونية، وكان همهم الوحيد الدولة في مقدمة كل شيء والحريات في المؤخرة لو فعلت الحكومات التركية المتعاقبة كما فعل السلطان سليم ياووز والاتفاق مع إدريس البدليسي عندما كان للكرد خصوصية في إدارة إمارتهم ضمن الإمبراطورية العثمانية، ويرى القائد آبو الحل كالتالي هو الاتفاق الديمقراطي مع الكرد في تركيا وسيحقق ذلك انتشاراً للديمقراطية في كل الشرق الأوسط وإن تحقق ذلك سيتحقق بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولبنان وحتى حدود البلقان، يجب على الدولة القومية التركية أن تسمح للكرد بممارسة ثقافتهم ولغتهم ويكون ذلك على شكل كيانات فيدرالية كما الحال في أمريكا، ليس وفق النموذج الرأسمالي كوننا نعتمد على الشعوب الكادحة وهي القوة الأساسية لذلك، وكافة الحكومات التركية بعد حروب الاستقلال كان همها الوحيد هو حب السلطة والانتهازية الظاهرة، أما بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية التي تعتمد على العناصر الشوفينية وعلى الحركة القومية من جهة، ومن جهة أخرى على فكر الإخوان المسلمين المتطرف وحشد كافة الفصائل الإرهابية والمرتزقة لن يجلب لتركيا إلا حروب طاحنة ودموية قد تستمر لعقود، ويكون بذلك أسباب الدولة الفاشلة والمنهارة اقتصادياً، استغل أردوغان القضايا العربية والأزمة السوريّة والقضية الفلسطينية والأزمة الليبية والعراقية والسبب الرئيسي الذي استطاع من خلاله أن يكون فاعلاً فيها، هو الخلافات العربية وأيدولوجيات الأنظمة العربية المختلفة وكل ذلك استغله لخدمة مشروعه التوسعي.
 يقول القائد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس: “إن النزعة الإسلامية أداة أيديولوجية بيد الأنظمة الرأسمالية، وهي لا علاقة لها بالحضارة الإسلامية وتسلطها الرأسمالي على بلدان الشرق الأوسط، بل هي نسخة مشتقة من القومية المتصاعدة في كنف هيمنة الحداثة الرأسمالية، وإن عجزها يتخطى تجذير القضايا الوطنية والاجتماعية داخل الشرق الأوسط، إن الحكومة التركية التي تعتمد على استخدام التنظيمات الإسلامية والجمعيات الدينية والأحزاب القومية في حربها الخاصة ضد الكرد على شكل تنظيمات كونترا، ومتى كانت تركيا دولة إسلامية حتى تؤتمر باسم الإسلام وهل ساهمت بنشر الفكر الإسلامي وهل اهتمت بالقضايا العربية، ألم يحكم الدول العربية مدة أربعمائة عام باسم الإمبراطورية العثمانية ولم يرَ العرب خلال حكمهم أسوأ تاريخ، كانت أدواتهم أعواد المشانق على يد جمال باشا السفاح والخوازيق العثمانية والحرملك؟
 إن أردوغان صنيعة النظام العالمي حيث تحوّلت تركيا من دولة علمانية إلى إسلاموية، وهو من قدّم الطاعة لإسرائيل وأمريكا وأوروبا، وأردوغان أول من اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل سنة 2005وهو أول رئيس يزور قبر مؤسس دولة إسرائيل ومتحف الهولوكوست، إن مخططات النظام العالمي في الهيمنة تتطلب أن يلعب أردوغان بدور الإخوان المسلمين   لتنفيذ مخططاتهم، بالمقابل أغمضوا أعينهم عن الاحتلال لمناطق كردية سوريّة مثل عفرين وكري سبيه وسري كانيه، أمام صمت عالمي عن جرائم وانتهاكات بحق الإنسانية، وسمح له بافتعال أزمة بين أرمينيا وأذربيجان، والتدخّل في الأزمة الليبية، وبعث مرتزقته إلى تلك الدول لتدمير مقوماتها، وما تباكي حكومة أردوغان على غزة اليوم إلا للنفاق السياسي لكسب دعم التنظيمات كحماس والجهاد الإسلامي، ورغبةً في توسيع احتلاله في سوريا وبناء المستوطنات، كما عمل وبدعم من قطر في عفرين والشمال السوري بالتغيير الديمغرافي، وأيضاً هو من حوّل متحف آيا صوفيا إلى جامع، وهو من لعب على تجارة اللاجئين السوريين وابتزاز الغرب بورقة اللاجئين،، ويريد أردوغان اليوم تحويل إدارة  منطقة الشرق الأوسط بيد التنظيمات الإسلامية المتطرفة واستخدام المرتزقة وفق أجندته ومآربه.