No Result
View All Result
المشاهدات 2
حميد المنصوري (كاتب ومحلل سياسي)_
مع أهمية العملية من الناحية العسكرية والتخطيطية، والتي تشبه إلى حدٍ كبير حرب تشرين الأول 1973 بين الجانب المصري والإسرائيلي، أيضاً ورغم أهمية ملف الضحايا والأسرى والأطفال والدمار وانقطاع الكهرباء والماء والغذاء والامدادات عن قطاع غزة، إلا إننا هنا نقوم بقراءة وتحليل عملية طوفان الأقصى في الجوانب السياسية والأمنية، والتي لا تخلو من الجوانب الإنسانية والقانونية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي العالمي.
على المستوى المحلي، كسرت عملية “طوفان الأقصى” حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتي كانت دائماً ما تُصدِر تصريحات عنصرية ناكرة للحقوق الفلسطينية مع استمرار تجميد عملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت من أوسلو 1993، واتضحت صورة الصراع على المستوى المحلي بعيداً عن الإطار العربي وذلك بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في حقيقتهِ الواقعية موجود في إقليم واحد تسيطر عليه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وهذا الأمر يطرح فكرتين الأولى قيام دولة فلسطينية بجوار دولة يهودية الهوية، والفكرة الجديدة هي قيام دولة واحدة علمانية جامعة للهوية اليهودية والفلسطينية، خاصةً وإن إسرائيل محسوبة على النظام الدولي الليبرالي، ومازالت هاتين الفكرتين تكشفان عن أزمة مستمرة بين هوية الدولة اليهودية مقابل الدولة الديمقراطية والعلمانية. قطعاً، الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى كشف عن ناب وحش العنصرية وصور الإبادة لقطاع غزة، خاصةً وأنه أتى في ظل الدعم الغربي والأمريكي غير المشروط لإسرائيل.
وعلى المستوى الإقليمي، هذه الحرب أخرجت من جديد فكرة ترحيل أهل غزة إلى الجوار المصري وتحديداً سيناء، وهذه الفكرة تعود إلى منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم، لكي تتخلص تل أبيب من المقاومة الفلسطينية وخاصةً حماس والجهاد الإسلامي، وأيضاً هذا التهجير سوف يُخفف عدد الفلسطينيين، وفي حالة نجاح هذا المخطط، ربما يأتي يوم يتم فيه تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وهذه الخطة أعادت إلى الأذهان أطروحة صفقة القرن وما تكتنفهُ من غموض.
حقيقةً وبالنظر في المستوى المحلي والإقليمي حيث حجم الفلسطينيين مُقارب لليهود في إسرائيل/فلسطين مع توقف المفاوضات واستمرار التطبيع مع الدول العربية، فإن طوفان الأقصى أوقف قطار التطبيع في ظل تجميد الحقوق الفلسطينية، خاصةً خطوات التطبيع بين السعودية وإسرائيل المدعومة بتقديم مميزات وأفضلية أمريكية عسكرية وصناعية للرياض، الجدير بالذكر بأن الرياض مستمرة بربط قيام دولة فلسطينية مقابل التطبيع وفتح علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، أجل لا أحد ينكر العلاقات بين الرياض وتل أبيب دون المستوى الرسمي الدبلوماسي، وإلى أبعاد أخرى في السياق الإقليمي، فقد عكست هذه العملية قدراً من قوة طهران في التفاوض مع واشنطن في الملف النووي الإيراني ومدى قوتها في منطقة الشرق الأوسط، ومن الأهمية بمكان إدراك حقيقة كون عملية طوفان الأقصى ربما تتسبب في طرد وتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء مصر في إطار ما يسمى بصفقة القرن، والأمر الذي قد يفتح جبهة مع حزب الله في لبنان والتحرك في الشمال الإسرائيلي، ناهيك عن أن التهجير ربما يحرك الفلسطينيين في الضفة والداخل الإسرائيلي، وهناك ستكون عواقب وخيمة على بعض الأنظمة العربية.
وعلى المستوى الدولي، الدعم الأمريكي لإسرائيل بالمعدات العسكرية والأسطول البحري كحاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى أهمية الدعم القانوني والإعلامي المشترك مع القوى الغربية، كشف لنا أكذوبة كون إسرائيل دولة ممكن أن تحقق الأمن بعيداً عن واشنطن، لكن هذا الدعم الضخم من واشنطن مع زيارة الرئيس الأمريكي لتل أبيب في أوضاع الحرب على حماس والتنظيمات الجهادية في غزة، لا يبدد حقيقة أن واشنطن كانت مزعجة من حكومة نتنياهو ومستوى مسار وحضور اليمين المتطرف في إسرائيل، لذا هذه العملية ربما تُقدّم حاجة تبحث عنها واشنطن في وقف تحول إسرائيل إلى دولة متطرفة في الهوية والقومية والدين بعيدة عن الديمقراطية والليبرالية والعلمانية، ومن المؤشرات المهمة في موقف واشنطن من العملية عدم ربط طهران بصورةٍ مباشرة وسريعة، فهي لا تريد توسيع نطاق الحرب، كما تبدو من تحركات واشنطن عبر وزيرها برلينكن بأنها تسعى لفتح الحدود بين غزة ومصر لكي يتسنى حماية المدنيين وتمكين الجيش الإسرائيلي من تدمير المقاومة وغزة.
وعلى المستوى الدولي واشنطن في حاجة ماسّة للدور القطري في تداعيات عملية طوفان الأقصى مع أهمية دور مصر المنفرد بالجغرافيا المرتبطة بغزة، والتي تمثّل أكبر سجن في العالم، فالدوحة تمتلك علاقات قوية مع حماس وقطاع غزة وتستطيع لعب دور الوسيط في تبادل الأسرى وغيرها من الأمور مثل دخول السلع والأدوية، ويثار على المستوى الدولي إفراط الجيش الإسرائيلي في استخدام القوة المدمّرة والقاتلة للمدنيين مما جعل المنظومة الغربية الليبرالية المتحيزة لإسرائيل في معضلة كبيرة، لذا أصبح اليوم انقسام كبير أخذ يتسع بعد تدمير المستشفى المعمداني وقتل الكثير من المدنيين والأطفال، حيث أن ما تفعله إسرائيل يمثل خروجاً عن القانون الدولي الإنساني “قانون الحرب” ويصل إلى الإبادة العرقية خاصةً مع قطع الكهرباء والماء واستهداف المدنيين. وفي مسألة العنصرية، نشهد تزايد الكراهية والعنصرية دولياً حيث قُتل طفل فلسطيني بعمر ستة سنوات في الولايات المتحدة بدواعي العنصرية من قبل مسن أمريكي عمرهُ 71، وحدث قبل ذلك مقتل سائحين يهوديين في الإسكندرية بمصر، كما أن هناك تحيز في الإعلام الغربي والسوشيال ميديا لصالح إسرائيل والذي روج لجرائم قتل أطفال يهود في عملية طوفان الأقصى، ورغم تراجع بعض القنوات عن الأخبار الكاذبة والمغلوطة إلا أن الشائعات أخذت أثرها بين الكثير من مختلف المجتمعات الغربية. وفي مسألة التحيّز الغربي، نجد روسيا التي رفض لها مؤخراً مشروع في مجلس الأمن لوقف الحرب على غزة وإطلاق الرهائن والأسرى وتسهيل وصول المواد الإغاثية، أصبحت أكثر تصميماً في جعل هذا العالم أكثر تعددية في الأيدولوجيا والثقافة، فمازال هذا العالم يحكمهُ انبعاث الهويات والقوميات والأديان والأيديولوجيات في التعاون والتنافس والصراع والحرب.
قدمنا هنا بعض أهم التحوّلات في طوفان الأقصى على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وستبقى القضية الفلسطينية معضلة الحقوق وتطبيق القوانين والشرعية الدولية على مدى أكثر من قرن، ومساراً لنيل الحرية والاستقلال، فجميع من يكافح لنيل حقوقهِ وأرضهِ تجدهُ في نضال قومي اشتراكي أو قومي ديني، وعلى هذه الغرار، حماس بكونها منظمة إسلامية لا تمثل الشعب الفلسطيني منفردة، بقدر ما تعكس بكونها مرآة تعكس حقوق الشعب الفلسطيني، وبأنها أحد أهم التنظيمات العسكرية والسياسية والقومية الفلسطينية.
No Result
View All Result