No Result
View All Result
المشاهدات 2
عبدالرحمن ربوع_
على عكس ما يعتقد البعض فإن المبادرة العربية – السوريّة ماضية بقوة الدفع الذاتي لتحقيق أهدافها بإعادة دمج سوريا في المنظومة السياسية العربية، وهي مبادرة وجِدت لتستمر وتنجح بغض النظر عن تفاعل حكومة دمشق معها إيجابًا أو سلبًا، وبغض النظر عن أغراضها وأهدافها “المستحيلة” المُعلنة، لأنها بالأساس مبنية على تفاهمات عربية إيرانية تدعو العرب لإعادة التطبيع مع النظام السوري مقابل وقف أو إنهاء “مؤقت” لحالة الحرب غير المعلنة بين العرب والإيرانيين.
بعد أكثر من عشرة سنوات من تجميد العضوية؛ أعيدت سوريا إلى الجامعة العربية في السابع من أيار 2023 الفائت، وحضر بشار الأسد القمة العربية في جدة يوم التاسع عشر من الشهر نفسه، وقد تم ذلك بناءً على قرار وزراء الخارجية العرب تشكيلَ لجنة اتصال وزارية تضم: الأردن والسعودية والعراق ومصر، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية لمتابعة تنفيذ بيان عمّان، لمواصلة الحوار المباشر مع حكومة دمشق وصولًا لحل شامل للأزمة السوريّة، وذلك بناءً على المبادرة التي اقترحتها الأردن سنة 2021، بهدف تفعيل الحل السياسي في سوريا عبر خطوات تراكمية مرحلية، أو وفق مبدأ “خطوة بخطوة”. كما اتفق المشاركون في اجتماع وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية، في آب/ أغسطس الماضي، في القاهرة على مبدئية الحل السياسي للأزمة السوريّة، وأعربوا عن تطلّعهم لاستئناف المسار الدستوري في سلطنة عُمان، قبل نهاية العام الجاري.
دمشق تعي حاجة بعض الحكومات العربية إليها أكثر بكثير من حاجتها هي لهذه الحكومات. كما تعي أن أمن واستقرار دول وأنظمة هذه الحكومات مرتبط إلى حدٍ ما بدعمها وتأييدها هي وحلفائها، وبالذات الإيرانيين. كذلك يعي النظام السوري أن الدول العربية مجتمعة لن تقدّم له شيئًا مقارنةً بما يقدمه له الإيرانيون والروس. فكيف يتصور البعض أن يغيّر النظام سياسته ويفك ارتباطه بطهران أو موسكو؟!
البعض علّق بأنّ المبادرة العربية محاولةٌ لتلطيف الأجواء بين واشنطن وبروكسل من جهة، ودمشق وطهران من جهة أخرى، لتبرير الدعوات التي يتقدّم بها بعض الدبلوماسيين العرب لواشنطن وبروكسل لإنهاء العقوبات الاقتصادية على سوريا. وقد ثبت بالتجربة أن العقوبات التي يفرضها الغرب على دمشق غير مجدية في تغيير سلوك النظام السوري، ولابد من البحث عن وسائل سياسية ودبلوماسية أخرى لحل الأزمة السوريّة.
يتأمل بعض الساسة العرب أن يُسفر تقاربهم مع الأسد ونظامه تغييرًا في سلوكه ومنهجه وسياسته سواء داخل سوريا أو حيالهم هم أنفسهم، لكن مقابل ماذا؟! مقابل ماذا يستجيب لـ “نصائحهم” ولما يطلبونه باسم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الغربي؟
مقابل فتح سفارة؟!، ومن سيتحمل تكاليف إعادة عشر أو عشرين سفارة سوريّة للعمل؟!، ليس لدى حكومة دمشق اليوم القدرة على افتتاح سفارة واحدة فضلاً عن عشرة أو عشرين. والقنصليات السورية تعمل بقوة الدفع الذاتي، وما يفيض من أموال فيها ينفق على تمويل الآلة الإعلامية الداعمة للنظام في الدول التي تتواجد فيها هذ القنصليات. أما أموال وأرباح المخدرات فبالكاد يكفي المتبقي منها، بعد اقتطاع حصص أمراء الحرب والقادة العسكريين والأمنيين، لدعم صمود قوات النظام على جبهات المعارضة.
السياسة والدبلوماسية هما من فنون تحصيل الممكن والتعامل مع الواقع. ويدرك العرب أن عليهم التعايش مع حقيقة أن النظام السوري لا يمكن تغيير سلوكه ومنهجه، لأن هذا يؤثر على بنيته وربما يؤدي لتداعيه وسقوطه، ولا أحد يريد ذلك لسوريا، لأن النظام وحلفاءه طرحوا منذ البداية شعار “الأسد أو نحرق البلد”. فضلاً عن التهديدات التي رددها رجالات النظام وعلى رأسهم وزير الخارجة السابق وليد المعلم حين هدد الأوروبيين صراحة بمحو قارتهم. كما فعل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله المثل حين أكد أن ما أسماهم “الاستشهاديين” جاهزون لحرق أوروبا وأمريكا إذا ما زادت الضغوط الدوليّة على النظام في سوريا، فالتهديد الذي يمثله تهاوي أو سقوط هذا النظام لن يؤثر على سوريا والسوريين فقط؛ بل على المحيط الأبعد إقليميًا ودوليًا.
تتحدث تقارير صحفية عن توقف أو تعليق التواصل بين اللجنة الوزارية العربية والنظام السوري، وهذا بطبيعة الحال لا يعني شيئًا بالنسبة للسوريين، وإن كان يعني الكثير للنظام السوري وللحكومات العربية، لأن التطبيع العربي مع النظام ماضٍ، وإن بوتيرة بطيئة. ومعلوم أن إعادة التواصل العربي أو العلاقات العربية مع سوريا لا معنى لها ولا فائدة منها إلا مساعدة النظام السوري على المُضي قُدمًا بتفريغ البلد ممن تبقى فيها من مواطنين يفتقدون أدنى متطلبات العيش، ويعوزون أبسط حاجات المعيشة الآدمية، لأنه وكما هو معلوم أيضاً أن الدول العربية لا يمكنها (مجتمعة) المساعدة في إعادة اللاجئين السوريين أو تمويل إعادة إعمار سوريا، أو على الأقل مساعدة النظام على إعادة السيطرة على المناطق التي لا يسيطر عليها وإحلال سلام لازم وضروري لإعادة الشعب وإعادة عجلة الإنتاج والإعمار.
No Result
View All Result