No Result
View All Result
المشاهدات 3
قامشلو/ دعاء يوسف ـ
هناك من بعيد، وفي امتداد شوارع قامشلو، تستقبلك عربة قديمة، قد أُحيطت بنوافذ زجاجية، تحمل عليها صنوف مختلفة من الحلويات، التي أعدها رجل متقدم في العمر، اعتاد بيع الحلويات منذ 35 عاماً، لم تغير العربة مكانها، يعمد إليها المارة يتذوقون طعم أطباق الحلو من إنتاج العم قدري كل صباح.
تجاوز عمره السبعين، ويأبى التخلي عن مهنة أجداده، فيقف كل صباح بالقرب من موقف “سرافيس الهلالية” في قامشلو، العم “قدري عبد الرزاق شربتجي”، من مواليد حلب 1952، انتقل إلى قامشلو عام 1963 مع والده، الذي ظل مرافقا لعربة الحلويات، مهنة موروثة من أجداده البارعين في إعداد الحلويات، ولأن عمل الحلويات يتطلب مكانا هادئا وكبيرا فقد عمد إلى بيته الكائن في حي “قدور بك”، ليحضر أنواعا مختلفة من الحلويات طيبة المذاق، بمساعدةأبنائه، ومن ثم يعرضها على عربته المتنقلة في شوارع مدينة قامشلو التي أسبحت جزءا منه كل صباح ومساء.
تعلّم “شربتجي” عمل الحلويات منذ نعومة أظفاره، متأثرا بوالده وجده، حينما كان يراقب عملهما صغيرا، فتمرس على عمل “الشعيبيات والهريسة” وغيرها من الأنواع الذائعة الصيت، إلا أن شربتجي أحب الشعيبيات، فأتقن إعدادها، لتصبح المكون الرئيسي في عربته.

أقدم حلواني
لقد اشتهرت عائلة “شربتجي” بإعداد الحلوى في حلب، وربما لم تكن العائلة الأولى، التي عملت في مجال الحلويات في قامشلو، إلا أنها كانت أول عربة تجوب شوارع المدينة تحمل في جعبتها أصناف الحلويات البسيطة، حسب ما ذكر لنا شربتجي.
ويخرج شربتجي مع عربته منذ السابعة صباحاً، متجهاً إلى موقفه الخاص، وبذلك أشار إلى صحيفتنا “روناهي”: “عندما تجاوزت الخمسين لم تعد قدماي تساعداني على جر عربتي في السوق، فوقفت في أحد الطرق الفرعية القريبة من السوق، حيث يقبل الأهالي على ما أعده بكثرة، دون تقديم مجهود جسدي كبير”. وعن الحلويات في السابق، تحدث شربتجي، أنها كانت تحمل طعماً مختلفاً: “لقد كنت أبيعها للأطفال، وكانت تغمرني السعادة، حينما أشاهدهم يتهافتون على عربتي بنهاية الدوام المدرسي، فلقد كانت الحلويات سابقا عنوان محبة واجتماع لذيذ للمناسبات والسهرات كلها”.
وتابع شربتجي: “لقد اعتدنا هذه الصنعة وأتقناها منذ القدم، وهي مصدر رزقنا، فنحن من أقدم الناس، التي تعد الحلويات في قامشلو، وقد علّمت أبنائي مهنة إعداد الحلويات، فافتتح ولدي محلا يبيع فيه ما تعلمه بمساعدة أبنائه، إلا أنني رفضت ركن عربة جدي، التي كانت مصدر سعادة للعديد من الناس”.

رحلة عمل
يجد شربتجي صعوبة في تأمين المواد اللازمة لعمل الحلويات: “إن السكر غير متوفر دائماً، وغلاء أسعار المواد الباقية كالحليب والجوز وغيرها، يفاقم الأمر سوءاً، وبالرغم من ذلك أحضر إلى السوق كل يوم، حتى لو بكميات قليلة من الحلويات”.
وأكد شربتجي، إن الأهالي يقبلون على الحلويات التي يعدها، لأنه يغطي عربته بالزجاج، للحفاظ على نظافة الحلويات.
وصرح: “لم تعد الناس ترغب كثيراً للحلويات، التي أعدها كالسابق، فقد انتشرت محلات الحلويات في السوق، فحين بدأنا العمل في قامشلو كنا أربعة أشخاص في هذا المجال”.
يبيع شربتجي الشعيبيات المحشوة بالجوز بسعر ستة آلاف ليرة سورية، والمحشوة بالحليب والقشطة بأربعة آلاف ليرة سورية، وسعر الهريسة بالقرفة 30 ألف للكيلو الواحد، وخلال تواجدنا قرب عربته كانت نصف الكمية قد نفذت بالرغم من الوقت المبكر، ويغادر شربتجي السوق الساعة الثانية ظهراً، وقد أعلمنا أن حلوياته تنفد قبل هذا الموعد بكثير للإقبال الشديد عليها.
وتمنى العم “قدري عبد الرزاق شربتجي”، في نهاية حديثه، أن تبقى صديقة عمره (عربته) كما وصفها تجوب شوارع قامشلو، فهو لا يراها مصدر رزق فقط، وإنما مهنة تجلب السعادة للآخرين: “لقد عشقت الحلويات في طفولتي، وأتمنى ألا تُهجَر عربة والدي وجدي بعد رحيلي”.
No Result
View All Result