دجوار أحمد آغا_
الخريف فصل الرحيل، تتساقط الأوراق من الأشجار وتذهب مع الريح، وأيلول بداية الخريف، أيلول للكرد هو شهر الرحيل، وارتقاء القامات تباعاً، نحو السماء، وتطاير أوراقها مبعثرة في فضاءات الكون الواسع.
نبدأ من عظماء مقاومة السجون (كمال بير، خيري دورموش، عاكف يلماز، وعلي جيجك) الذين غادروا تباعا في 7، 12، 15، 17 أيلول 1982 مروراً بيلماز كوناي التاسع من أيلول 1984، دكتور صادق شرف كندي 17 أيلول 1992، موسى عنتر 20 أيلول 1992، محمد سنجار الرابع من أيلول 1993، وصولاً إلى عكيد جفيان 11 أيلول 2020.
القائمة تطول. لكننا؛ نكتفي بهذه الأسماء للتذكير فقط وسوف نتحدث اليوم عن العم موسى عنتر شيخ الصحفيين الكرد بامتياز في ذكرى اغتياله، التي مضى عليها 31 عاماً، ولم تعتقل السلطات التركية مرتكبي جريمة الاغتيال، رغم معرفتهم بهم بكل تأكيد.
الولادة والنشأة
داخل كهف من كهوف كردستان، في قرية زفنكي الواقعة على سفوح جبال طوروس، حدثت ولادته. هذه الولادة جاءت مع نهاية الحرب العالمية الأولى. المولود كان ذكراً أبيض جميلاً، فرحت به العائلة، وأطلقوا عليه اسم “شيخ موسى” تيمّناً باسم جده لوالده “عنتر” الذي يعود بأصوله إلى عائلة “محو تزة” التي تنتشر وتتوزع في أجزاء كردستان. مثل الكثير من أطفال الكرد، عاش العم موسى طفولته في كنف والدته “فصلة عنتر” بسبب وفاة والده، وهو ما يزال صغيراً. هذه الأم التي كانت ذات شخصية قوية، ومن أوائل النساء الكرديات، اللواتي استطعن إدارة أمور قريتهن وأصبحت “مختارة” القرية، وبشكل رسمي.
الدراسة والصحافة
درس العم موسى الصفوف الأولى في الريف، ومن ثم انتقل إلى مدينة “نصيبين وماردين” ليكمل دراسته ومن ثم انتقل إلى مدينة أضنة، التي أنهى فيها الإعدادية. توجه بعدها لدراسة الحقوق في جامعة إسطنبول. خلال دراسته تعرف على “هالة خان” ابنه الشَّاعر الكُردي الكبير عبد الرحيم رحيمي هكاري، حيث نشأت بينهم قصة حب انتهت بالزواج، وأثمرت عن ابنين، وابنة (عنتر وجلة، رهشان). أنهى الدراسة الجامعية وحصل على الشهادة، لكنه لم يعمل بها بل توجه إلى عشقه الأول والأخير، وهو الكتابة.
إسطنبول أثّرت كثيراً فيه وساعدت على بلورة وعيه القومي بشكل سريع. فقد قارن بين مدن كردستان في الشرق ومدى التخلف والتهميش الذي تعيش فيه، وبين إسطنبول المدينة الحديثة والحضارية. الأمر الذي ترك أكبر الأثر في حياته، وجعله يكتب بأسلوب ساخر من الاحتلال التركي.
الأعمال والأنشطة
تأثر العم موسى بالتيار اليساري الثوري وحركات التحرر العالمية في إسطنبول؛ ما دفعه إلى تأسيس جمعية ثقافية كردية باسم “هيفي” أي الأمل مع مجموعة من الطلبة الكرد في جامعة إسطنبول. ثم أصدر جريدة باسم الجمعية بمساهمة من أعضائها، تحت اسم “هيفي”. وبعدها قام بإصدار جريدة “دجلة” على حسابه الخاص والتي تطرق فيها إلى أوضاع مدن ومجتمع كردستان؛ فدفع بالسلطات إلى إغلاق الجريدة ومن ثم اعتقاله.
بعد خروجه من السجن، لم يتوقف عن الكتابة بل استمر في فضح وتعرية النظام القمعي القائم في البلاد، وبخاصة ضد الكرد، هذا النظام الذي كان يجبرهم على التحدث باللغة التركية ومنعهم من الكردية، وحظر الزي الكردي عنهم، فتم اعتقال العم موسى بسبب الصفير، فقد قيل له: أنك كنت تصفر بالكردي، والتصفير بالكردي ممنوع، ويعاقب عليه القانون!
الاعتقالات المتكررة
من كثرة الاعتقالات المتكررة التي كانت تجري بحقه ولأتفه الأسباب، ذكر ذات مرة بأن السجن أصبح منزله الثاني. وقد حُكم عليه عام 1959 بالإعدام شنقاً وفق القضية رقم 49، هذه القضية التي اتفق بموجبها الفاشيون الأتراك على إبادة الكرد من خلال قتل 1000 مثقف، ومفكر، وأديب كردي، ولكن على دفعات كل دفعة 50 شخصاً.
فكان العم موسى من ضمن الدفعة الأولى، وكانوا 50 شخصاً، ولكن أحد رفاقهم مات جراء التعذيب فبقي 49 معتقلاً؛ لذا عُرفت بقضية 49.
اعتقل مرة أخرى في عام 1963 تحت مسمى القضية 23. كما تم اعتقاله أيضا خلال انقلاب المذكرة عام 1974، وفي عام 1982 تم اعتقاله مجدداً.
قضى سنوات كثيرة من حياته داخل السجون والأقبية التركية المنتشرة سواء في تركيا، أو باكور كردستان. منها سجون ماماك، سلطان أحمد، بالمومجو في إسطنبول، وسجن آمد، وكذلك أضنة، ونصيبين في باكور كردستان.
العودة مجدداً وبقوة
لدى تصاعد وتيرة النضال التحرري الثوري خاصة مع بداية السبعينات، التقى العم موسى بالقائد أوجلان ومجموعة من رفاقه، حيث قال لهم، “الأتراك ملتهون ببعضهم، دعونا نعمل من أجلنا”. وبالفعل هذا الذي حصل. عاد العم موسى عنتر بعد خروجه من السجن إلى ممارسة مهنته الأساسية الكتابة، وبدأ ينشر مقالاته في صحف مختلفة مثل (ولات، نحو عام 2000، أولكه، أوزغور كوندم، وغيرها).
كانت معظم كتاباته ساخرة يصب فيها جام غضبه على سلطات الاحتلال التركي، وكانت تحظى باهتمام كبير من القراء، وتنتشر بينهم على نطاق واسع. خاصة تلك التي كان يسخر من خلالها من سياسيّ، ومسؤولي السلطات التركية المحتلة.
بتاريخ 18 نيسان 1992 أسست مجموعة من المثقفين الكرد المعهد الكردي في إسطنبول. وضمت اللجنة التأسيسية له في ذلك الوقت المثقفين موسى عنتر، فقي حسين ساغنج، إسماعيل بيشكجي، عبد الرحمن دره، إبراهيم كوربوز، جمشيد بندر، ياشار كايا، وسليمان إمام إوغلو، وتم انتخاب العم موسى عنتر رئيساً للمعهد.
الأعمال والكتابات
ترك لنا العم موسى العديد من المؤلفات القيمة منها:
-
مسرحية الجرح الأسود، صدرت سنة 1959.
-
قاموس كردي / تركي صدر عام 1967.
-
كتاب مذكراتي الجزء الأول، صدر سنة 1991.
-
كتاب مذكراتي الجزء الثاني، صدر سنة 1992.