مدى أهمية الغاز الروسي لأوروبا

دجوار أحمد آغا

تأتي الموارد الاقتصادية والثروات الباطنية وخاصة في مجال الطاقة والوقود، في مقدمة المواد التي تُعدّ من أهم مقومات تقدم وتطور الدول والشعوب من جهة، ووسائل ضغط في غاية الأهمية بيد الدول المتحكّمة بها على من يحتاج إلى هذه المواد والحصول على تنازلات غالباً ما تكون مؤلمة من جهة أخرى.

النفط، الغاز، الفحم الحجري، والمياه، هذه المواد الأساسية في توليد الطاقة وتنشيط الاقتصاد سواء من الناحية الصناعية أو حتى الزراعية لأية دولة تريد أن تنمي اقتصادها، وتتطور نحو الأفضل، أصبحت هذه المواد الأولية وسائل ضغط بامتياز في العلاقات الدولية.

الحدث الأبرز على الساحة العالمية عموماً والأوروبية على وجه الخصوص، هي الحرب التي ما تزال تجري على الأراضي الأوكرانية بين روسيا الاتحادية من جهة، وأوكرانيا ومن ورائها الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

أهم تداعيات هذه الحرب على أوروبا بشكل خاص، مسألة الغاز الروسي الذي تمتد خطوطه عبر شبكة أنابيب ضخمة تتجه من مكامن الغاز في الأراضي الروسية الى معظم أرجاء أوروبا الغربية وبالأخص ألمانيا التي تحتل الصدارة في الاعتماد على الغاز الروسي.

كما هو معلوم الأجواء في أوروبا تختلف عن أجواء آسيا وأفريقيا وأمريكا، فهي أجواء باردة، يحتاج المواطنون إلى وقود للتدفئة والإنارة في معظم أيام السنة. كما أن موسم الشتاء هناك طويل نسبياً. هذه الحاجة يوفرها الغاز الطبيعي الروسي، الذي تعتمد عليه أوروبا بنسبة 41% وفق بيانات أوروبية نفسها.

تكمن أهمية الغاز الروسي في كونها تخرج من حقول الغاز الروسية وتصل مباشرة إلى البيوت في أوروبا دون المرور بأي مراكز أخرى. يتميز الغاز الروسي بأنه من النوع المسال، أي أنه لا يحتاج الى أية عمليات أخرى. فهو يمر عبر أنابيب ضخمة من عدة خطوط إلى البيوت الأوروبية مباشرة.

الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا الاتحادية هي التي دفعتها إلى وقف إمداد أوروبا بالغاز، الأمر الذي أدى إلى حدوث أزمة وقود جدّية دفعت بالكثير من الدول الأوروبية إلى العودة لاستخدام الفحم الحجري.

بعد إعلان روسيا وقف ضخ الغاز ارتفع سعره في الأسواق العالمية بنسبة 30%؛ ما أدى على سبيل المثال إلى إنفاق الحكومات الأوروبية 70 مليار دولار لتخزين الغاز المسال مقارنة بـ 11 مليار دولار للكمية نفسها خلال العام الماضي وهو ما يُشكل عبأ كبيراً على الاقتصاد الأوروبي. بطبيعة الحال؛ فإن ألمانيا تعدُّ من أكثر المتضررين من هذا القرار كونها تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي وخط نورد ستريم واحد، الذي هو عبارة عن خط أنابيب ضخمة على طول 1200 كم تحت بحر البلطيق من الساحل الروسي قرب مدينة سانت بطرسبورغ (لينينغراد)، وصولاً الى مناطق هامبورغ بشمال ألمانيا. تم إيقاف هذا الخط من جانب روسيا. هذا الخط الذي تم افتتاحه عام 2012 وينقل ما يقرب من 170 مليون متر مكعب من الغاز السائل يومياً، يُذكر أن شركة غازبروم هي التي تمتلك وتدير هذا الخط.

تسعى أوروبا عموماً وألمانيا على وجه الخصوص، إلى إيجاد بديل للغاز الروسي وهو ما تلاقي صعوبة كبيرة فيه، حيث مسألة استيراد الغاز الطبيعي المسال من دول مثل الجزائر، ومصر، وقبرص، يكلف مبالغ كبيرة وبالتالي يرهق الاقتصاد المتأزم أصلاً من جراء الحرب في أوكرانيا.

حتى نتعرف جيداً على أهمية الغاز الروسي بالنسبة لأوروبا يكفي أن نعلم أن ألمانيا، قد بدأت بإصلاح مناجم الفحم ومحطات الطاقة، التي أغلقت قبل عشر سنوات، ومن المتوقع أن تحرق ألمانيا ما يزيد على 100 ألف طن من الفحم شهريا، في استدارة كبيرة عن التزامها بالتخلص نهائيا من الاعتماد على الفحم بحلول 2038، كما بدأت دول أوروبية أخرى مثل النمسا، وبولندا، وهولندا، واليونان، في إعادة تشغيل محطات الفحم حسب ما ذكرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.

يُعدُّ هذا العام الأقسى الذي سيمر على أوروبا منذ أيام الحرب العالمية الثانية أي ما يُقارب 78 عاماً. سيعاني المواطن الأوروبي من نقص في الوقود وساعات التدفئة وطريقة استخدام الغاز بالإضافة الى الارتفاع الكبير الذي طرأ في الأشهر القادمة خاصة مع تحول روسيا باتجاه الشرق وبيع غازها الى الصين ودول منظمة شنغهاي.