سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ثورة المرأة… ـ1ـ

ريحان لوقو_

بدءاً من روزا لوكسمبورغ، وساكينة جانسيز إلى آرين ميركان، وجينا أميني، حتى ناكيهان أكارسل…سوف نصعِّد وتيرة نضالنا في سبيل بناء حياة حرة ترفرف في سمائها راية حرية المرأة التي سمَت عالياً بكفاحهن ونضالهن.
وأشدد على أهمية هذا العمل في وقتٍ تعاظمت فيه القضايا والأزمات الاجتماعية في الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم أجمع بشكل عام، وفي فترة تكاثفت فيه بالمقابل طموحات وعمليات البحث عن الحلول الجذرية، لذلك أثمن الجهود التي تبذل الآن من أجل إيجاد الحل لهذه القضايا.
لا يمكن التعريف بالشكل الصحيح لأية مشكلة، ما لم يتم الغوص في مصدرها ومنبعها الأساسي. ولا يمكن البحث عن الحرية إلا في المكان الذي تم فقدانها فيه. لذلك، إن نظرية “الثورة والثورة المضادة” التي طرحها قائد الشعب الكردي ومناضل الحقيقة القائد عبد الله أوجلان، قد أنارت درب نضال حرية المرأة بشكل كبير. ومن خلال تشخيصه الذي يقول: “إن قضية حرية المرأة تشكل منبع كل التناقضات الناجمة عن القضايا الاجتماعية العالقة”؛ فقد أشار القائد عبد الله أوجلان إلى ضرورة البحث عن الحل ضمن إطار الصراع الجنسي.
تحقيق ثورة المرأة
ولهذا السبب، فإن تعريف واقع المرأة المسحوق والمضطهَد تاريخياً على أنها أولى وأقدم المستعمَرات، إنما يعبّر عن فحوى حقيقتها. ذلك أن المنبع العين لأنواع الاستغلال المطبقة على المرأة، الاقتصادية منها، والاجتماعية، والسياسية وغيرها، يتمثل في الأيديولوجيا والذهنية الذكورية السلطوية المعمرة منذ خمسة آلاف عام إلى يومنا الحالي. بالتالي، فإن مناهَضة المرأة هو أمر أيديولوجي وممنهج. وهناك الكثير من النظريات والبحوث التاريخية في هذا الشأن، والتي تؤيد هذا التشخيص. وعليه، فإن التعريف النظري والعلمي والعملي السليم للقضية سوف يؤدي أيضاً إلى حرية المرأة. هذا وإن كل كيان مجتمعي برز في التاريخ بالتمحور حول المرأة والتطلع إلى الحرية، قد مَكَّن من تحقيق ثورة المرأة أيضاً. وعلى سبيل المثال، فإننا ما نزال نشهد حتى في حاضرنا آثار الثورة النيوليتية المتمحورة حول المرأة الإله.
إن منطقة الشرق الأوسط التي شهدت ثورة المرأة، هي نفسها الجغرافيا، التي شهدت أيضاً أول ثورة مضادة لمكانة وعقل المرأة. ومن باب التيسير أسلوباً، يمكننا دراسة واقع هذه الثورة المضادة المتحققة لصالح الرجل على مرحلتَين:
1-إن الذهنية البطرياركية التي تصاعدت مع حلول أعوام ٥٠٠٠ ق.م، قد بدأت بحملتها الأولى المناهضة للمرأة، مع تكريس بنية نظامها السلطوي، والهرمي، والدولتي على النقيض من القيم المجتمعية المنتظمة بالتمحور حول المرأة. وبالتوازي مع هذه الحملة، نرى أن المُلكية الخاصة والتمايز الطبقي والاستغلال قد تكرس طردياً على المرأة، وقُلِبَت الحقيقة المجتمعية بشأنها رأساً على عقب.
إن هذا السياق الذي تطور كتدخل خارجي في الطبيعة المجتمعية، يشكل في الوقت نفسه منبع الحروب واحتكار رأس المال المرتكز إلى الاستغلال. كما إن هذا السياق المنتظِم بشكل ممنهج حول جهاز الدولة، قد تحول إلى ساحة يجري فيها قطع أواصر المجتمع مع قيمه الأخلاقية والسياسية من جهة، ووضعه تحت التصرف اللامحدود من الجهة الأخرى. وهكذا، وبالتزامن مع تاريخ المدنية، فقد ساد نفوذ الذهنية الذكورية، التي تنهب القيم الاجتماعية المتطورة بالتمحور حول المرأة، وتستملكها، وتبسط سيادتها وسلطتها اعتماداً على عبودية المرأة.
 وهناك الكثير من السرود الميثولوجية والفلسفية في مصادر الشرق الأوسط التي تشير إلى هذه الحقيقة (أسطورة إينانا وأنكي”كلكامش”، أسطورة تيامات، وماردوخ).
٢-السياق الثاني، الذي هو بمثابة استمرار للسياق الأول، والذي بإمكاننا تعريفه بأنه قمة نظام الحاكمية الذكورية؛ هو سياق الحداثة الرأسمالية، التي تعدُّ نظاماً مضاداً لحرية المرأة، حيث وصلت المرأة حد الاغتراب عن الذات، وتشوَّه فيه وعي الحرية إلى درجة كبيرة.
ومقولة القائد التالية تكشف النقاب عن الكثير مما يمكن قوله: “إن مقولة هيرودوت “كل الحروب بين الشرق والغرب كانت بسبب امرأة” تعكس حقيقة معينة بكل سطوع. ألا وهي أن المرأة اكتسبت قيمتها بصفتها مستعمَرة، ولذلك تنشب بسببها الحروب الهامة. وكما أن تاريخ المدنية كان بهذا المنوال، فإن عهد الحداثة الرأسمالية يمثل استعمار المرأة، التي اكتسبت فيه أبعاداً أشد وطأة، وأكثر تنوعاً بآلاف الأضعاف. حيث يكون الاستعمار قد نُقِش في هويتها. وتطول لائحة استعمارها بدءاً من كونها أمّاً لكل أنواع الكدح، وصاحبة الكدح المجاني، والعاملة بأبخس الأجور، والأكثر عطالة، ومصدر الشهوة والعنف اللامحدودَين للرجل، وآلة الإنجاب المُثلى للنظام، والمربّية المثالية، وأداة الدعاية، ووسيلة الإباحية والجنس، وما شابه…”.
على الرغم من الدور الفعال، والريادي للمرأة في الكفاحات الثورية كافة، إلا أنه لم يتم تناول قضية المرأة كقضية أولية، ومصيرية تقتضي الحل الشامل والعاجل. ولذلك افتقرت المرأة إلى الحل الجذري لقضاياها وإلى الرؤية الثورية الواسعة لكفاح حريتها. فإما اقتصرت المقاربة منها على الإصلاحات النسبية، أو تم تأجيلها إلى ما بعد الثورة. إلا إن كل التجارب قد بيَّنت بشكل جازم أن أية ثورة لا ترتكز إلى حرية المرأة، لم تكن في جوهرها ثورة حقيقية. وعليه، فإن الكفاحات التي خاضتها المرأة بجهود عظيمة كلَّفَتها الغالي والنفيس، لم تُمَكِّن تكريس التحول المجتمعي للحريات المأمولة. ولهذا السبب، فإننا على قناعة بأن الإشكالية الأساسية تكمن في عدم صياغة تعريف صحيح لقضية المرأة، (التي هي قضية الرجل أيضاً حسب رأينا) ضمن إطار حقيقتها هي. فلو أنها صيغَت على نحو سليم، لكان سيتم الوصول إلى النتيجة التي تدل على أن أول ثورة مضادة في تاريخ المدنية قد طالت المرأة واستهدفتها، وبالتالي، كانت ستتحقق أعظم انطلاقة ثورية في هذا الشأن. حيث لا يمكننا صياغة تعريف سليم للمجتمع، من دون فهم المرأة التي تشكلت ملامحها بين فكَّي كماشة القمع، والاستغلال ضمن المجتمع الدولتي والهرمي بأقدم صورِها وأشدها كثافة. وبعبارة أخرى، فإن الفهم الصحيح للعبودية الإثنية، والقومية، والطبقية، يمر من التعريف السليم للمرأة وقضاياها.
دور المرأة في تحقيق التحول ضمن صفوف المجتمع
لقد تحول وجود المرأة إلى ذات فاعلة، من خلال تنظيماتها النسائية الخاصة وشبه المستقلة، رداً على مقاربات النظام السائد الذي حط من شأنها، وحوّلها إلى موضوع سيء، وجرّدها من إرادتها. وهكذا تمكنت المرأة من إدارة نفسها بنفسها، والبت في شؤونها الخاصة بها، بل والتحول إلى قوة ريادية في عملية البناء المجتمعي أيضاً. وهكذا استطاعت المرأة أن تتعرف على ذاتها، وتثمِّن وجودها، وتغدو ذات دور فاعل ومؤثر في تحقيق التحول والتغير ضمن صفوف المجتمع، وتمكين دمقرطته.
 وقد بدأت المرأة نشاطها في شمال وشرق سوريا ضمن إطار اتحاد نسوي، للتحول بعدها إلى مؤتمر، وهكذا باتت المرأة تنظم ذاتها ضمن اثنتي عشرة لجنة، ومجالاً أساسياً، لتتحول إلى قوة مؤثرة داخل المجتمع، وتغدو إرادة محورية للمجتمع، كنظام يضم المؤسسات الخاصة بالمرأة كافة، وتجمعها تحت مظلة واحدة.
هذا ويسعى التنظيم النسائي لاحتواء التنظيمات النسائية من القوميات الأخرى أيضاً بهدف توحيد النضال التحرري لقضية المرأة بين كافة الشعوب، لأن الحركة الكردية كانت تتعرض لحملات التصفية في أجزاء كردستان كافة من القوى المحلية والرأسمالية العالمية وقتذاك، فأتى تأسيس التنظيم النسائي رداً على الحملات التصفوية من جانب، والوصول إلى حل القضية الكردية وقضية المرأة داخل الحدود السورية وفقاً لبراديغما الحضارة الديمقراطية، التي تهدف لبناء المجتمع الديمقراطي التحرري الجنسوي والأيكولوجي من جانب آخر، هذا النضال الذي بدأته المرأة الكردية لعب دوراً فعالاً في توعية المجتمع ذهنيا وكسر القوالب الاجتماعية، التي تحد حرية المرأة، كما أنه وهب المرأة جرأة الانضمام للميدان السياسي بهدف ممارسة السياسة الديمقراطية في سوريا، إلا أن حكومة دمشق لم تتقبل هذه الخطوات التاريخية، التي خطتها المرأة الكردية في روج آفا، وقامت بحملات اعتقالات تعسفية جداً بحق المواطنين، والمواطنات الكرد، حيث تشكلت إثرها ولأول مرة ملفات النساء السياسيات الكرد في سوريا، إلى جانب تعرضهن لشتى أساليب التعذيب النفسي والجسدي من قبل السلطات الأمنية حيث مازال مصير المناضلة المعتقلة “نازلي كجل” التي اعتقلت عام2005 مجهولاً، بالإضافة لاستشهاد النساء في انتفاضة قامشلو على يد القوات العسكرية السورية المهاجمة على الشعب الأعزل بعشوائية همجية.