رونجا منتو
ترجمة: دجوار أحمد آغا_
بينما أنتجت الحرب الأهلية السورية مجموعة من التأثيرات المعقدة في أنحاء البلاد كافة، إلا أنها أعطت أيضًا هياكل سياسية جديدة، مثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES).
هذه الإدارة المستقلة مبنية على مبادئ تقدمية بما في ذلك التنوع العرقي والديني، وحقوق المرأة، والحكم المحلي، ولأنني أقوم بالتحقيق في ظهور وتطور نموذج الحوكمة المبتكرة هذا في شمال وشرق سوريا، يجدر بي أن أحتاج إلى فهم أعمق للتغييرات المجتمعية والسياسية، التي تحدث داخله.
إن توازن القوى في هذه المنطقة، وهياكلها الاجتماعية والاقتصادية، والتأثير المحتمل على المستقبل السياسي الأوسع لسوريا سيؤخذ في الاعتبار أيضًا في استكشافاتي.
النموذج الرائد للإدارة الذاتية.. أمل جديد في الشرق الأوسط
لقد واجه الشرق الأوسط العديد من التحديات في فترات مختلفة من تاريخه. كان آخر هذه التحديات الحرب الأهلية المدمرة في سوريا. ومع ذلك، في هذه الاضطرابات، ظهر نموذج نجح في هيكلته السياسية والتنظيمية بالرغم من تموضع الظروف المعاكسة له: الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES) هي نموذج إداري قائم على الديمقراطية الفيدرالية، وقد نجحت في رعاية الأمل في مكان يسود فيه اليأس.
أظهرت الإدارة طريقة العيش معًا، ونجاح إنشاء مجتمع دون انفصالات وصراعات. في هذه العملية، ربما كان أهم إنجازات الإدارة هو احتضانها للوحدة والتسامح في بيئة سوريا المضطربة.
من خلال الإصلاحات الجريئة والتقدمية، وخاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، مكنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا النساء من القيام بأدوار مهمة في المجتمع، وهذا أمر نادر الحدوث في الشرق الأوسط. الدور الفعال للمرأة في الإدارة مكنها من المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية وهذا يدل على أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تُحرز تقدمًا في المساواة بين الجنسين، ليس فقط بالكلمات، ولكن أيضًا في الجوهر.
باعتماد فهم الديمقراطية المباشرة، ضمنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا المشاركة الفعّالة للأهالي في عمليات صنع القرار. وهذا يدل على أن الإدارة تستمع إلى صوت الشعب، وتأخذ في الاعتبار مطالب الأهالي. وبهذه الطريقة، لم تكتسب الإدارة ثقة شعوب المنطقة فحسب، بل مكنتها من أن تصبح أكثر فاعلية في خدمة المواطنين.
تُعّد التعددية الثقافية وحماية البيئة، مسألتين في غاية الأهمية، فيما يتعلق بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فهي تجمع بين مختلف الجماعات العرقية والدينية، كما أنها تولي أهمية كبيرة لحماية البيئة، وإن اتخاذ خطوات مهمة في كفاءة الطاقة، والممارسات الزراعية الصديقة للبيئة، يدفع الإدارة الذاتية الى التأكيد على أن الحياة المستدامة ممكنة.
نموذج يحتضن التنوع في الشرق الأوسط
الشرق الأوسط منطقة يتعايش فيها التنوع العرقي والديني مع طيف واسع. ومع ذلك، هناك العديد من الصعوبات في إدارة هذا التنوع وتحقيق التعايش، فقد فاقمت الحرب الأهلية السورية هذه الصعوبات، وخلقت انقسامات عميقة بين مختلف المجتمعات. في هذه البيئة المعقدة والمضطربة، ظهرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES) نموذجاً إدارياً يغطي مختلف القطاعات.
على الرغم من الفراغ، الذي أحدثته الحرب بالإضافة إلى الصعوبات غير العادية، التي أحدثتها، تمكنت هذه الإدارة الناشئة من تشكيل مجتمع يمكن أن تعيش فيه مجموعات عرقية، ودينية مختلفة معًا، ففي ظل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، يمكن للكرد، والعرب، والآشوريين، والسريان، والتركمان، وغيرهم من الجماعات أن يعيشوا معاً، ويمكن للأشخاص من مختلف شرائح المجتمع أن يأخذوا دوراً نشطاً ومهماً في الإدارة.
يقدم هذا النموذج متعدد الثقافات، رؤية واعدة للمنطقة. إذا كان من الممكن إدارة مثل هذا التنوع للتعايش، فهناك أمل في أن يكون هذا النموذج قابل للتطبيق على مناطق أكبر، التي تواجه مواقف مماثلة.
يوضح نجاح الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أن التنوع والتسامح يمكن أن يكونا جسراً للتعايش. قد يكون هذا درساً حيوياً للشرق الأوسط، حيث غالباً ما تشتد الصراعات بين المذاهب العرقية والدينية. يوفر نموذج الحوكمة للمجتمعات المتنوعة أن تتعايش وتقبل بعضها سبيلاً قيماً لكيفية إدارة التنوع في المنطقة الواسعة.
يبين نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا طرقاً جديدة للتغلب على صراعات التنوع، وإدارة التنوع العرقي والديني الواسع في الشرق الأوسط؛ ما يوفر مثالاً واعداً يمكن تطبيقه على عموم سوريا وربما الشرق الأوسط.
حقبة جديدة للمساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط
شهد الشرق الأوسط مزيجًا مضطربًا من مختلف الديناميكيات الاجتماعية، والسياسية عبر التاريخ. كانت إحدى هذه الديناميكيات إغفال المساواة بين الجنسين في المجتمع، ومع ذلك، اتخذت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (AANES) خطوات مهمة لتغيير هذا الوضع من خلال اعتماد المساواة بين الجنسين كأحد أبرز مبادئها الأساسية.
لقد كانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا نموذجًا رائداً للمساواة بين الجنسين. لم يتم الاعتراف بالإدارة فحسب، بل شجعت النساء بشكل فعال على لعب أدوار مهمة في الحياة السياسية والاجتماعية؛ وهذا ما مكن النساء من المشاركة الفعالة في آليات صنع القرار من خلال نظام الرئاسة المشتركة، والتي تشترط أن يكون في إدارة أي هيئة أو مؤسسة أو مديرية ومجلس ضمن الإدارة الذاتية رئاسة مشتركة مكونة من امرأة ورجل.
بتشجيع النساء على تولي المناصب القيادية، أوجدت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مكانة فريدة في الشرق الأوسط مع تطوراتها في هذا المجال. هذه الخطوات، التي ترفع مكانة المرأة في المجتمع وتجعل أصواتها مسموعة، تشكل مثالاً فريداً لمساواة المرأة وتمكينها.
هذا تطور واعد للنساء في المنطقة. يضع هذا النموذج من الإدارة الذاتية مثالاً ملهماً لبلدان ومجتمعات الشرق الأوسط الأخرى على المساواة بين الجنسين. لعب هذا النموذج دوراً مهماً في التغلب على الصعوبات، التي تواجه المساواة بين الجنسين وتعزيز مكانة المرأة في الحياة الاجتماعية.
