No Result
View All Result
المشاهدات 1
قامشلو/ دعاء يوسف ـ
بقي لها كرسيها المتحرك المصنوع يدوياً، وبعض من الغبطة والفرح والمتعة، في جولاتها ضمن الأسواق الشعبية القريبة من منزلها الحالي بمدينة قامشلو، حتى تعلم أنها مازالت على قيد الحياة، وتساعدها في رحلتها هذه حفيدتها، التي تطلعها على العالم الخارجي بحثاً عن رائحة القِدم، والعراقة التي تعج بها هذه الأسواق.
بابتسامة لا تفارق محياها، وهي تتجول بين البسطات، والعربات المحملة بالخضروات، والقطع المعروضة للبيع، تتفاوض في الأسعار، تجلس أمام كل بسطة لبضع الوقت،
تتحدث مع صاحبها عن الحياة، وصعوبتها، وعن جمال الحياة الريفية سابقاَ، وكيف كانت تجري في الحقول تقطف من خيراتها، تتلفظ ببضع كلمات عن حياتها سابقاً، بلغتها العامية: “ماكنت هيك كنت شيل عشر كيلوات ع ظهري، بس هلق الكرسي هوي شايلني”.
الماضي والحاضر يجتمعان في الأسواق
فايزة حمزة تسكن مدينة قامشلو حالياً، وناهزت الستين عاماً، وقد جذبتنا أحاديثها عن الحياة الريفية، وجمال القصص، التي ترويها لأطفال الأسواق الشعبية، الذين تجمعوا حولها يستمعون لحكاياتها بكل شوق، تصاحبهم أسئلتهم الطفولية، وقد التقت صحيفتنا “روناهي” هذه المرأة، التي تعد كتلة من التفاؤل، والنشاط بالرغم من قدميها العاجزة عن الوقوف، وقد حدثتنا عن حبها للتسوق: “لقد كنت في عز شبابي، أجيء الضيعة البعيدة سيراً على الأقدام، للسوق للتبضع، وكان أجمل شيء يستهويني هذه الرحلة، التي أقوم بها مع فتيات القرية، وبعد أن كبرت، لم أتخلَّ عن هوايتي بمزاولة الأسواق الشعبية، فأنا أزور أسواق الاثنين والجمعة، والخميس، ليس لشراء الأشياء بل للتجوال بين الأهالي”.
وعن أصابتها حدثتنا: “لم أكن عاجزة عن السير، ولكن منذ خمس سنوات أصبت بحادث سير فقدت قدرتي على السير بسبب إصابة في النخاع الشوكي، وبعد ست سنوات من رحلة العلاج الباهظة، أيقنت أنني لست قادرة على المشي ثانيةً فصنعت مع أحفادي هذا الكرسي، الذي أصبح صديقي في رحلاتي خارج المنزل”.
تحدثت والابتسامة لا تفارق ثغرها، عن الحياة الريفية، التي كانت تعيشها في قرية ذبانة القريبة من قامشلو: “لقد كنا نقطف الخضار ونحرث الأرض، ونطعم الحيوانات التي نربيها في المنازل، وكنت أدير ورشة خاصة بي، نعمل في الحقول، في نشاط وبركة، ونتسامر طوال الليل في كبس أكياس القطن، أو صنع المونة المنزلية بعد رحلة عمل شاقة، وفي يوم عطلتنا الوحيد كنا نذهب إلى سوق قامشلو سيراً على الأقدام لنعود في مساء ذات اليوم، وقد حملنا على رؤوسنا ما اشتريناه، لقد كانت حياة مريحة رغم تعبها”.
تبحث عمّن يؤنس وحدتها
اليوم تخرج فايزة إلى الأسواق الشعبية برفقة حفيدتها فهي لا تطيق الجلوس في المنزل، وبينت أن هذه الزيارة تعيدها للحياة القديمة، التي مازالت تربطها بها علاقة متينة: “هذه الأسواق موجودة منذ القِدم، وقد كان أصحابها يأتون إلى قرانا محملين بالبضائع المختلفة في السابق ضمن رحلات أسبوعية، وقد غرمت بها منذ أن كانت طفلة، وبعد الحادثة دخلت في مرحلة اكتئاب وكره للحياة، وعندما عدت لزيارتها عدت للحياة، ففيها الرائحة التي اعتدت عليها في طفولتي وصباي”.
وتخطط فايزة لفتح بسطه صغيرة ليس بغرض الربح إنما حباً للأطفال، التي تأتي لزيارة السوق والعمل ضمنه فهم يجالسونها دائماً بحثاً عن قصة جديدة تحملها الجدة فايزة المعروفة بحكاياتها لدى كل من يزور هذه الأسواق، واختتمت الستينية فايزة حمزة: “إني أعلم الأطفال في المنزل النسج والغزل والحياكة، فأنا أحب حكاياتهم الطفولية، إلا أن القصص التي يجلبها لي أطفال الأسواق شيقة كالتي أرويها لهم، فهذه الأسواق تعيدني للحياة، وتخرجني من كآبة منزلي الخالي من أولادي، وأحفادي الذين يأتون كل سنة مرة في زيارات رفع عتب باستثناء حفيدتي التي تصاحبني في الأسواق”.
No Result
View All Result