سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ثورة التاسع عشر من تموز من مرحلة التحرير إلى مرحلة البناء

رفيق إبراهيم_

بعد أسابيع عديدة من المظاهرات المؤيدة للتغيير والمطالبة بالحرية والديمقراطية في كوباني، والتي كانت تقمع من حكومة دمشق، أراد الشعب في كوباني تغيير هذا الواقع، ونزل إلى الشوارع، في التاسع عشر من تموز عام 2012، احتفالاً بخروج عناصر حكومة دمشق واستخباراتها من مدينتهم، ليرفعوا فوق مبانيهم أعلام الثورة إيذاناً بنجاحها.
وعندما عمت ثورة 19 تموز ونجاحها في كوباني، انطلقت الثورة لتعم جميع مدن روج آفا، فواجهوا قوات حكومة دمشق، واستطاعوا السيطرة على مقراتهم، بعد اشتباكات في العديد من المناطق أدت إلى استشهاد عدد من الشباب، وعندما أدركت القوات السورية، أنها لن تستطيع الوقوف أمام ثورة الشعب، تركت أماكنها وهربت، ليتم الإعلان عن تحرير روج آفا بالكامل من سلطة النظام البعثي الحاكم.
التهميش والإنكار أديا إلى الثورة
في هذه الأثناء اشتد الصراع وامتد على كامل الجغرافيا السورية، وأدركت شعوب المنطقة أن الدخول في الصراع السوري إلى جانب أي طرف سواء كان النظام أو ما سمي بالمعارضة، كان سيزيد الأمور تعقيداً وسيحول الصراع إلى مناطقنا الآمنة، فقرروا عدم خوض الصراع إلى جانب أي طرف، وانتهجوا الخط الثالث للحفاظ على المكتسبات التي تحققت، وتجنيب المنطقة الدمار والقتل والتهجير، وحافظوا على الأمن والأمان والاستقرار فيها، ومن ثم تم بناء المؤسسات المدنية والعسكرية والسياسية، نظموا من خلالها أنفسهم لخدمة شعوبهم والدفاع عنهم.
الثورة جاءت كرد على سياسات الإنكار والتهميش والإقصاء، التي كانت ينتهجها النظام المركزي في دمشق، بحق الشعب السوري بشكل عام والكرد بخاصة، حيث مارس النظام السوري سياسات منع التحدث باللغة الأم، وحرم مئات الآلاف من الجنسية، وعدهم أجانب، والذين حصلوا على الهوية السورية من الكرد عدوهم عرباً، ومورست شتى أنواع الصهر القومي بحق الشعب الكردي.
تكاتف الشعوب سبب نجاح الثورة
من أجل كل ذلك جاءت ثورة 19 تموز، لتكون الرد المناسب على كل ما كان يحدث بحق الكرد وشعوب المنطقة كافة، لتبدأ مرحلة جديدة هدفها تغيير تلك النمطية، التي عاشتها شعوب المنطقة في ظل نظام البعث الحاكم في سوريا، ومنذ انطلاقة الثورة شارك فيها الجميع من عرب، وكرد، وسريان، وآشور وغيرهم، لأن الجميع أرادوا التغيير والحرية والديمقراطية، والتخلص من النظام الديكتاتوري الجاثم على صدور السوريين من عقود طويلة من الزمن.
ثورة التاسع عشر من تموز في روج آفا حققت مكاسب كبيرة تحسب لها، وغيرت كل الحسابات التي كانت تخطط لها من قبل الإخوان المسلمين، وبدعم من دولة الاحتلال التركي، حيث أنتجت الثورة إقامة المؤسسات واستتباب الأمن والاستقرار، عكس بقية المدن والمناطق السورية التي دمرت معظمها، بفعل تدخل بعض الدول لتحقيق مصالحها على حساب دماء السوريين، ومن ثم لتتحول الأزمة السورية إلى صراع إقليمي ودولي لتصفية الحسابات، ما أثر على وضع أي حل في سوريا.
إرادة ومقاومة الشعوب لن يهزما
ولأن الثورة نجحت في تحقيق أهدافها، تربصت بها العديد من الدول الإقليمية، وخططت تلك الدول لإفشال ثورة روج آفا، وأرادوا عبر وكلائها على الأرض تحويل الحرب والصراع إلى مناطقنا الآمنة والمستقرة، حيث دعمت دولة الاحتلال التركي، وقطر، وبعض الدول الخليجية الأخرى، ما سمي آنذاك بالجيش الحر، الذي ضم العديد من المجموعات المرتزقة، وجبهة النصرة الإرهابية، واستهدفوا الثورة عبر الهجوم على مناطقها. لتشن هذه المجموعات المرتزقة الهجمات على العديد من النواحي والقرى الجنوبية في الجزيرة، ومناطق من عفرين وكوباني، وشهدت سري كانيه أعنف تلك الهجمات في عام 2013، نظراً للأعداد الكبيرة من المرتزقة التي شاركت في هذا الهجوم، والأسلحة الحديثة التي استخدمت فيها، وكل ذلك تم بدعم تركي واضح وصريح وأمام أنظار العالم أجمع، وتصدت للهجوم وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، واستطاعت تلقين المرتزقة والإرهابيين درساً في فنون القتال لا يمكنهم نسيانها وبتلك العزيمة تم إفشال الهجوم وانتصرت إرادة الشعوب، ومع ذلك لم تتوقف الهجمات يوماً.
نقطة التحول إعلان الإدارة الذاتية
نقطة التحول التاريخية في ثورة التاسع عشر من تموز، كان في كانون الأول من عام 2014، عندما تم الإعلان عن الإدارات الذاتية، في مقاطعات روج آفا الثلاثة آنذاك، الجزيرة، وكوباني، وعفرين، بسلطات ثلاث تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، ومن ثم أحدثت العديد من المؤسسات في جميع المجالات، من أجل خدمة شعوب المنطقة، وحققت تلك الإدارات تقدماً كبيراً من كل الجوانب.
ولأن كوباني كانت مهد الثورة وشرارة انطلاقتها، أرادت القوى المعادية الهجوم عليها، لوأد الثورة، وفي أيلول عام 2014، وبدعم تركي لا محدود لمرتزقة داعش، شنوا هجوماً خطط له في أقبية المخابرات التركية، على كوباني ومن ثلاث جهات، والجهة الرابعة كانت تركيا التي فتحت الحدود لتقديم كل ما أمكن من دعم كي تتم السيطرة عليها، حيث كانت داعش في أوج قوتها بأعداد المرتزقة والأسلحة المتطورة التي بحوزتها، وكان دافعها كبيرا بالسيطرة على كوباني، لكن المدافعين عن كوباني من وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، بعزيمتهم وإيمانهم بتحقيق النصر وبعد معارك ضارية استمرت لمدة 134 يوماً أسقطوا القناع عن داعش وربيبتها تركيا، لتدخل الثورة إلى مرحلة التحرير بعدما كانت في مرحلة الدفاع.
تغيير موازين القوى في المنطقة
بعدما تمكنت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وبمؤازرة من التحالف الدولي، من تحقيق النصر في كوباني، تابعت مسيرة الانتصارات التي تتالت في العديد من المدن والبلدات في شمال وشرق سوريا، وتمكنت من تحرير كري سبي، ومنبج، والرقة، التي سميت بعاصمة الخلافة، ومن ثم ريف دير الزور الشمالي، وغيرها العشرات من البلدات والنواحي.
وفي الحادي عشر من تشرين الأول من عام 2015 تم الإعلان عن قوات سوريا الديمقراطية، لتتولى مهمة دحر داعش والقضاء عليها في مناطق شمال وشرق سوريا، ونجحت في تنفيذ المهمة بنجاح منقطع النظير، لتفشل تلك المراهنات التي دعمت داعش وعملت من أجل إفشال الثورة، ولكن في النهاية قالت شعوب شمال وشرق سوريا وبجميع أطيافها ولغاتها وأديانها كلمتها، وتم الانتصار على الإرهاب وداعميهم، لتتغير موازين القوى في المنطقة، ولتثبت شعوب المنطقة بأن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن قهرها، وأن مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وشعوبها باتت بيضة القبان في بناء مستقبل سوريا وحلولها.
الهدف سوريا لا مركزية ديمقراطية
ثورة التاسع عشر من تموز، اعتمدت على التشاركية المجتمعية، وبمختلف الأطياف واللغات والأديان، لتتمكن شعوب شمال وشرق سوريا، من قيادة المرحلة بكل اقتدار، وهذه الشعوب تكاتفت وتعاضدت في إدارة مناطقها وحمايتها من أهوال الحرب الدائرة في سوريا، واعتمدت على أبنائها وبناتها، في حماية المنطقة من جميع التهديدات التي واجهتها، حيث أن قوات سوريا الديمقراطية، وقوى الأمن الداخلي، هي من صانت الحقوق وحافظت على المكتسبات، وتم كسر نمطية الإدارة المركزية، التي لم تأتِ إلا بالويلات والخراب والدمار للشعب السوري، حيث تفتقر الدولة المركزية لأدنى أساسيات الديمقراطية وحكم الشعب نفسه بنفسه.
الآن وبعد مرور أحد عشر عاماً من ثورة التاسع عشر من تموز، ومن أجل الحفاظ على كل ما تحقق من إنجازات ومكتسبات، علينا كشعوب المنطقة وبمختلف لغاتهم وأديانهم، العمل على وضع كل الإمكانات المتاحة في خدمة الثورة المستمرة، ومن الواجب الوطني الوقوف خلف الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، وقوى الأمن الداخلي بمختلف تسمياتهم، وتقديم كل ما أمكن لتحقيق أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والمساواة، والحفاظ على مناطقنا آمنة مستقرة، والتصدي لجميع الأخطار التي تهدد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وتحقيق الهدف الأساسي للثورة، وهو العمل على الحل في سوريا على أساس سوريا لا مركزية ديمقراطية ولجميع السوريين.
وثورة التاسع عشر من تموز، ومن خلال نموذج الإدارة الذاتية المطبق في شمال وشرق سوريا، وبحسب الكثير من المحللين والوفود التي تزور مناطقنا، أكدوا أنه المشروع والنموذج الأمثل في إدارة المنطقة، ويمكن تعميمه على بقية الأراضي السورية، لأنه طبق الديمقراطية على أرض الواقع، من خلال مشاركة جميع الشعوب والفئات في الإدارة، ويحافظ على الحريات العامة ويحقق العدالة والمساواة وحرية المعتقد والدين، ويصون الكرامة ويعمل من أجل شعوب المنطقة كافة، ومن دون تمييز.