No Result
View All Result
المشاهدات 1
في ظل الأزمة السورية القائمة منذ 12 عاماً، يواجه الشعب السوري اليوم تحدياً كبيراً ومؤلماً، فيدق صوت المجاعة أبوابهم؛ لانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، الذي وصل لأعلى مستوياته وسجل رقماً قياسياً أكثر من 13 ألف ليرة سورية مقابل دولار أمريكي واحد.
حسام الدخيل
انخفاض الليرة السورية بشكل متسارع أمام الدولار الأمريكي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، وبالتالي تراجع القدرة الشرائية للمواطنين السوريين، هذا التحول الدراماتيكي في الوضع الاقتصادي بات يهدد أمن وسلامة العديد من الأسر ويزيد من مستوى الفقر والحاجة في البلاد التي هي أساساً كانت تقدر بأكثر من 80 بالمائة من عدد السكان قبل هذا الارتفاع بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
نزيف العملة
ينام السوريون يومياً على سعر للدولار، ويواجهون الصباح على سعر أعلى، حالة من الصدمة تصيب الجميع وسقوط متهاوِ لليرة دفع بسعر الدولار لتجاوز 13000 ليرة لأول مرة في تاريخ البلاد.
انهارت الليرة السورية بشكل مدوٍ دون وجود سياسات إنقاذية من حكومة دمشق تحول دون استمرار الانهيار، حيث أتخذ مصرف سوريا المركزي موقف المزهرية من الانهيار التاريخي لليرة دون اتخاذ أي إجراء من شأنه وقف نزيف العملة، والتي خسرت من قيمتها أكثر من 35 بالمائة منذ اجتماع جامعة الدول العربية في جدة قبل عدة أشهر، والتي احتفى بها الإعلام الرسمي التابع لحكومة دمشق، معتبراً إن عودة حكومة دمشق إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات، هو بوابة الفرج الجديدة التي كانت تتوخاها حكومة دمشق، ولكن على ما يبدو جرت الرياح بما اشتهت.

أبرز أسباب سقوط الليرة السورية
لا يوجد سبب وحيد لسقوط العملة السورية إلى الهاوية، إنما كان هذا السقوط المدوي؛ نتيجة تراكمات عدة أثرت عليها بشكل كبير والتي يعد أبرزها:
ـ تدهور الوضع الأمني والسياسي:
تعد الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا منذ عدة سنوات أحد أهم الأسباب، التي أدت إلى الانهيار الاقتصادي. التدمير الواسع النطاق للبنية التحتية، وتعطيل الصناعات والمصانع، ونزوح الكثير من السكان أدى إلى تراجع الإنتاجية الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، حيث أثر غياب الحل السياسي للأزمة السورية وتعنت كل أطراف الصراع ورفضهم لأي حل قد ينهي هذه المعضلة، مما تسبب بانهيار كافة مفاصل الاقتصاد السوري والإلقاء به إلى الهاوية.
ـ العقوبات الدولية:
تواجه سوريا عقوبات اقتصادية صارمة من قبل دول غربية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تستهدف شخصيات رئاسية وحكومية وأمنية وعسكرية مقربة من حكومة دمشق، كما تستهدف قطاعات حساسة مثل المصارف والنفط والتجارة والنقل.
هذه العقوبات تهدف إلى معاقبة حكومة دمشق على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وإلى دفعه للمشاركة في حل سياسي شامل وعادل وتؤثر هذه العقوبات على قدرة الحكومة على الحصول على النقد الأجنبي وتمويل احتياجاته، كما تحد من فرص التجارة والاستثمار.
كما ساهم قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على حكومة دمشق في كانون الأول 2019، حيث أصدر الكونغرس الأمريكي قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، وهو قانون يهدف إلى فرض عقوبات اقتصادية شاملة على كل من يساند حكومة دمشق أو يشارك في إعادة إعمار سوريا دون التزام بإجراء انتقال سياسي. هذه العقوبات شملت حظر التعامل بالدولار مع المؤسسات والأفراد المرتبطين بالحكومة، وتجميد أصولهم في الخارج، ومنع تصدير أو استيراد أي سلع أو خدمات إلى أو من سوريا، وتقييد حركة النفط والغاز والكهرباء والمواد الأساسية إلى سوريا. هذه العقوبات دخلت حيز التنفيذ في حزيران 2020، وأثرت سلباً على الاقتصاد السوري بشكل كبير، فقلصت مصادر تمويل الحكومة، وزادت تهالك الموارد، ورفعت تكاليف الإنتاج والاستهلاك، وأذكت التضخم والسوق السوداء، وأثارت الذعر والقلق بين المستثمرين والمواطنين على حدٍ سواء.
ـ أزمة لبنان:
لبنان هو جار سوريا الغربي، وهو شريك تجاري مهم لها، فهو يعدُّ مخرجاً بحرياً لسوريا إلى العالم، ومصدراً للعديد من السلع والخدمات التي تحتاجها سوريا، كما يضم ملايين اللاجئين السوريين الذين يرسلون تحويلات مالية إلى ذويهم في سوريا. لكن لبنان يعاني هو الآخر من أزمة اقتصادية خانقة تفجرت في تشرين الأول 2019، وتفاقمت بسبب جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت في آب 2020. هذه الأزمة تضمنت انهيار قيمة الليرة اللبنانية، وشح في المودعات الدولارية في المصارف، وانقطاع في التيار الكهربائي والإنترنت، وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والطبية. هذه الأزمة انعكست سلباً على الاقتصاد السوري بشكل مباشر، فقلصت حجم التجارة بين البلدين، وأثرت على قدرة المستوردين السوريين على دفع ثمن بضائعهم بالدولار، وأثرت على قدرة المغتربين السوريين على إرسال تحويلاتهم إلى سوريا، والذي زادها مؤخراً عملية الترحيل القسري للاجئين السوريين المقيمين في لبنان، الأمر الذي زاد من تداعيات الأزمة.
ـ فشل إدارة المالية العامة:
إلى جانب التحديات الخارجية التي تواجهها سوريا، فإن هناك أخطاء داخلية كبيرة في إدارة المالية العامة من حكومة دمشق. هذه الأخطاء تشمل زيادة إصدار العملة دون تغطية احتياطية أو اقتصادية؛ ما يؤدي إلى خفض قوتها الشرائية وزيادة التضخم. كما تشمل زيادة الإنفاق على المشروعات غير المجدية التي أدت إلى فقدان محزون الدولة من العملة الصعبة والذهب وإفلاس مصرف سوريا المركزي، بالإضافة إلى ذلك يعد الفساد المالي والإداري للمسؤولين في حكومة دمشق وعدم إيجاد حلول اقتصادية مناسبة من شأنها التخفيف من أثر العقوبات الغربية، أحد أبرز الأسباب التي أدت لسقوط العملة السورية.
ـ سيطرة روسيا وإيران على قطاعات حيوية:
منذ بدء الأزمة السورية في عام 2011، قدمت روسيا وإيران دعمًا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا لحكومة دمشق برئاسة بشار الأسد؛ ما ساهم في بقائه في السلطة وتحقيق التقدم على حساب المعارضة.
بعد تحقيق حكومة دمشق مكاسب على الأرض، بدأت روسيا وإيران تطالبان بحصة من الثروات والموارد السورية كتعويض عن تكاليف دعمهما. وفي هذا الإطار، تنافست الشركات الروسية والإيرانية على استثمارات في مجالات الطاقة والبناء والزراعة والصناعة والتجارة.
روسيا حصلت على عقود استثمارية مربحة في قطاعات استراتيجية مثل النفط والغاز والفوسفات، مستغلة نفوذها العسكري والدبلوماسي في سوريا. كما استفادت من تردي العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات اقتصادية شديدة على طهران.
أما إيران فقد حصلت على بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاعات مثل الزراعة والصحة والخدمات، لكنها لم تستطع تحقيق مكاسب كبيرة في سوريا بسبب ضغوط المجتمع الدولي والأزمة المالية التي تواجهها. كما اشتكت من عدم التزام حكومة دمشق بوعودها لها بشأن تسديد ديونه أو منحها حقوق استثمارية حصرية.
الحل اللازم لإحياء الاقتصاد السوري
لإعادة إحياء الاقتصاد السوري، يحتاج إلى معجزة تكون في شكل حل سياسي شامل يضع حدًّا للحرب ويضمن التوافق بين جميع الأطراف المعنية، وإلى دعم دولي كبير يشمل رفع العقوبات وتقديم المساعدات والإغاثة والإعمار، وإلى إصلاح اقتصادي جريء يشمل تحديث القطاعات المختلفة وتشجيع المشاركة الخاصة وزيادة التنافسية والشفافية.
وهذا أقل ما يمكن القول عنه أنه يحتاج إلى معجزة إلهية في الفترة الحالية بسبب غياب النية في الوصول إلى حل مستدام يضمن إنهاء الأزمة السورية.
No Result
View All Result