رامان آزاد_
كان خروج قوى المجتمعِ للتظاهر في الشوارعِ في آذار 2011 سابقةً في تاريخ سوريا بعد عقود من غيابها، لكن هذه القوى سرعان ما غابت مجدداً مع عسكرةِ الحراكِ الشعبيّ والتدخّل الخارجيّ، ليكون الصراع بين توجهين سلطويين أحدهما قومويّ والآخر دينيّ مذهبيّ، الأمر الذي أدخل البلد في دوّامة العنف الطائفيّ والمناطقيّ المُسلّح، فيما انطلقت ثورة 19 تموز من أساسٍ مجتمعيّ أعاد الاعتبار لقوى المجتمع وسعى لتمكينها من الوصولِ إلى مفاصلِ الإدارة وتحمّلِ المسؤوليّة.
البُعد المجتمعيّ للأزمات
لا يمكن للدولةِ القوميّةِ أو الدينيّةِ تقديمُ أيّ نموذجٍ ديمقراطيّ مُتقدّم، لأنّ طابعها السلطويّ الشموليّ يتناقضُ مع أدنى معايير الديمقراطيّة، ففي ظلها يصبحُ انتماءٌ قوميّ أو دينيّ مذهبيّ محدداً معياراً أساسيّاً ليس للوصولِ للسلطة وحسب، بل حتى في التمتعِ بحقوقِ المواطنةِ الطبيعيّةِ، الأمر الذي سيفضي إلى إقصاءِ وتهميشِ من لا يتوفر فيهم ذلك المعيار، وخلقِ حالاتِ احتقانٍ يُحتمل تفجّرها بمجرد أن تتاحَ الفرصةُ.
يتطلبُ فهمُ أزماتِ المنطقة دراسةَ محدداتها ومضامينها وبنيتها الإشكاليّة، وبخاصةٍ بُعدها الاجتماعيّ الذي يتحكّم بصورةٍ إجماليّة بمعظم أبعاد ومحددات الأزمة الأخرى، ويرتبط العاملُ الحاسم في شكلِ الأزماتِ وتوقيتها وحجمها مباشرةً بأسلوبِ إدارةِ المجتمعِ ومفاصلها وأساسها الفكريّ وتطبيقها العمليّ، وتتناسبُ الأزمة طرداً مع حجمِ الاحتقانِ والاستبعادِ المجتمعيّ.
رغم أنّ عواملَ الثوراتِ ومحرضاتها مجتمعيّة، إلا أنّه لا ضمانةَ لنجاحِ الثورةِ وتحقيقِ أهدافها، فقد تُسرق الثورةُ بكلِّ أهدافها وشعاراتها وعواملها المحرّضةِ، عبر إعادةِ إنتاجِ النظام السلطويّ السابقِ بصورةٍ مقنّعةٍ، أي برفعِ شعاراتِ الثورةِ عينها، وليكونَ المجتمعُ مجردَ أداةٍ انقلابيّة لصالح فئةٍ معينةٍ، وتدخل الثورة مرحلة أكلِ أبنائها، ما يتطلب تصويبَ المسار بثورةٍ مضادةٍ، تعيدُ الاعتبارَ للمجتمعِ.
يكمنُ أحدُ أهم تجلياتِ القضيّةِ الاجتماعيّة في اعتداءِ السلطةِ المركزيّة والدولتيّة على ظاهرةِ الإدارةِ واغتصابها تحت شعاراتِ الوطنيّةِ ووحدةِ البلادِ. والنتيجةُ المباشرة للاعتداءِ على الإدارة سيكونُ حرفها عن غايتها الجوهريّة ومسارها الخدميّ وتحوّلها لأداةِ تسلطٍ وقهرٍ ووسيلة تنميطٍ للمجتمعِ، وفي الوقتِ نفسه قناةً أساسيّةً للوصايةِ على الإدارةِ ومصادرتها، وفي هذه البيئةِ يسودُ الفسادُ والبيروقراطيّة ومظاهر مختلفة لنهبِ المال العام، وضعفِ آلياتِ الرقابة والمحاسبة بسبب المحسوبيّة وتعقيد أقنيةِ الإدارةِ، بمقابل إجراءاتٍ صارمةٍ للتضييق على الحرياتِ وفق قوانين تُضفي مزيداً من التحصينِ على أجهزةِ الإدارة المركزيّة وتوسع صلاحياتِ الأجهزةِ الأمنيّة.
