No Result
View All Result
المشاهدات 3
أوضح القائد عبد الله أوجلان بأن حياة الإنسان لا تثمن إلا عندما تكون حرة، فأينما كان العيش المجرد من الحرية، فإن ذاك المكان يشكل سجناً معتماً في جميع الأوقات، وأكد أن السجون ليست بيوتاً لإعادة تأهيل الشخصية. بل هي أماكن يتعلم فيها المرء كيفية أداء الواجبات الأخلاقية والإرادية تجاه المجتمع بكفاءة.
كتب القائد تفاصيل عدة عن معتقله إيمرالي، عن الظروف، وكيفية تعايش معها، وبأي أدوات استطاع تجاوز الصعوبات فيها، وما وجهة نظره تجاه السجين والطليق، واستخلص فكره بعبارة “الحياة فيما تتعلق بي غير ممكنة إلا عندما تعاش حرة”، وقد أوضح القائد ما دار في ذهنه وكيفية تفاعل معها في إيمرالي بالجمل التالية:
“ذهني وإرادتي سيعيِّنان مدى صمودي وثباتي“
دارت المساعي لتطبيق أهم قسم من مؤامرة الغلاديو الكبرى في جزيرة إيمرالي، إن مدبري المؤامرات يعتبرون ذلك فناً سلطوياً مرتباً بحذاقة، أي أن المؤامرة منزلة الروح في فن السلطة أو هي أهم وسيلة فيه وكان من الضروري تسيير هذا الفن بالنسبة إلى الكرد على خلفية المؤامرة دون بد.
لكي أستطيع تحليل سياق إيمرالي، كان يتعين أن أتمتع بوعي يمكنني من الانتباه إلى صراع المصالح اليومية المرتكزة إلى خلفية تاريخية طويلة المدى، الخاصية المهمة الأخرى، التي ينبغي توخي الحساسية الفائقة إزاءها بشأن الحسابات التآمرية للنظام المهيمن هي عدم التحول إلى أداة بيد سياسته “فرق تسد” المرتبة بمهارة، والمسلطة على المنطقة ببراعة خلال القرنين الأخيرين، وعدم السماح بالدخول في منفعة تلك القوى الرامية إلى تجذير الصراع التركي ـ الكردي.
لم أتطرق كثيرا لحياتي الشخصية في جميع مرافعاتي المدونة، وحواراتي الشفهية حتى الآن. وفيما عدا مشاكلي الصحية العرضية والعلاقة مع إدارة السجن، لم أشرح كيفية تحملي للوحدة ومدة مقاومتي للعزلة التي أعدها النظام بشكل خاص، وطبقها علي فقط.
أعتقد أن أكثر المواضيع التي يحفها الفضول هو تجاربي في الحياة حيال هذه اللوحة والثبات المطلقين. لازلت أذكر أحد مسني القرية، والذي كان يعدُّ حكيماً فقيها، كان قد قال أثناء رصده لحركاتي وتصرفاتي عندما كنت طفلاً، والذي يعني في العربية “اجلس في مكانك أفيك زئبق؟ وكما هو معلوم فالزئبق سائل لزج دفاق. وأنا كنت كثير الحركة، وعليه فلو أن الآلهة الميثولوجية فكرت بمعاقبتي لما خطر ببالها عقاباً شديداً بقدر ما هو عليه تكبيلي إلى صخور إيمرالي.
إيمرالي ذائعة الصيت تاريخياً بكونها جزيرة تطبق فيها الأحكام الصادرة بحق مسؤولي الدولة رفيعي المستوى. مناخها رطب وقاس للغاية، وأقرب إلى تحطيم بنية الإنسان جسدياً. بإضافة العزلة داخل حجرة انفرادية مغلقة يزداد تأثيرها المهلك على البنية. علاوة على أني نقلت إلى الجزيرة وأنا على عتبة الكبر في السن. لقد أُبقي علي تحت مراقبة، “قيادة القوات الخاصة لمدة طويلة، وأعتقد أن رقابة “وزارة العدل” هي السارية خلال العامين الأخيرين. لم تكن لدي أية وسيلة تواصل، عدا بضعة من الكتب والجرائد والمجلات وإذاعة بمحطة بث واحدة؟ وبطبيعة الحال، كان عالم الاتصال لدي يتشكل من زيارة الأقراب لنصف ساعة كل عدة شهور، ومن لقاء المحامين الأسبوعي، الذي كثيراً ما تم حظره بذريعة “سوء الأحوال الجوية”. لا شكل أني لا أستصغر تأثير ذلك في التواصل، ولكن لا يمكن أن يشكل علاقة كافية للتحمل. وعليه كان ذهني وإرادتي هما اللذان سيعيّنان مدى صمودي وثباتي.
كيف لكم أن تضعوا ملايين الناس في غرفة ضيقة
إن المؤامرة المدبرة ضدي في سياق إيمرالي كانت من النوع، الذي لا يبقى حتى على وميض من الأمل. إذ كان الحكم علي بالإعدام وإبقاء الحرب النفسية في الأجندة مدة طويلة يصبان في هذا الهدف. فحتى أنا، لم أكن أتصور في الأيام الأولى كيف سأتحمل البقاء هنا. دعك من مرور الأعوام، بل كنت لا أتصور قضاء عام واحد فقط هنا. فتشكلت لدي فكرة مفاداها: “كيف لكم أن تضعوا ملايين الناس في غرفة ضيقة!”. وبصفتي قيادة كردية وطنية، فبالفعل كنت قد جعلت نفسي أو فرض علي جعل نفسي تركيبة جديدة تحتوي الملايين في ظل ظروف دخولي السجن. وهكذا كان الشعب أيضاَ يراني.
لم يكونوا يعطونني حتى رسائل أبناء الشعب المدونة في بضعة سطور. وفيما عدا بعض رسائل الرفاق المعتقلين النادرة والخاضعة للرقابة المشددة، والتي لا يعطى القسم الأكبر منها.
لم أستلم أية رسالة ممن هو خارج السجن، إلا في بعض الحلات الاستثنائية. كما لم أستطع إرسال أية رسالة إلى خارج السجن. كل هذه الأمور قد تشرح نسبياً الوضع الناجم عن التجريد والعزلة.

التحصن بالحجج لتحمل العزلة
في الحقيقة حتى لو كانت الظروف الخارجية وظروف الدولة وإدارة السجن، بل وحتى تجهيزات السجن خاصة بالسرايا، فإن كل ذلك لا يكفي لإيضاح كيفية تحمل العزلة المفروضة علي بنحو خاص. إذ ينبغي عدم البحث عن العوامل الأساسية في الظروف المحيطة أو في مقاربات الدولة. بل المعين هنا هو إقناعي لنفسي بظروف العزلة. إذ كان علي أن أتحصن بحجج عظيمة تمكنني من تحمل العزلة، ومن إثبات قدرتي على عيش حياة عظيمة حتى ضمن ظروف العزلة ولدي التفكير وفق ذلك.
قناعة الفرد الكردي بأنه حر خارج السجن، هي محض خداع. فالحياة في ظل الرياء والضلال هي حياة خاسرة ومشحونة بالخيانة. النتيجة التي استخلصتها هي أن العيش خارج السجن ممكن بشرط واحد فقد، وهو أن يخوض الكرد (والأتراك الكادحون القابعون تحت نير الرأسمالي) كفاحاً دؤوباً وعلى مدار الساعة لأجل الوجود ونيل الحرية. بقول آخر، فالحياة بالنسبة إلى الكردي الأخلاقي، والأبي غير ممكنة إلا بتحوله إلى مناضل حثيث لأجل الوجود والحرية، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم.
الحياة بلا نضال محض زيف
وعند قياس حياتي خارج السجن إلى هذا المبدأ، كنت أقتنع بأني عشت بنحو أخلاقي. أما أن يكون الموت أو السجن ثمن ذلك، فهو من دواعي الصراع والحرب. نظراً لأن الحياة بلا نضال أو صراع هي محض زيف وخنوع، فإن الترحيب بالموت أو تحمل الاعتقال يغدو أمراً كائناً في طبيعة الأمر أو الممارسة.
بالمقابل، فإن عدم تحمل شروط السجن يخالف طبيعة حججي في الحياة. فكيفما يستحيل الهروب من النضال أو الصراع في سبيل الوجود والحرية، فمن المحال أيضاً الفرار من السجن؛ لأنه هو أيضاً من دواعي الحياة الحرة التي نكافح في سبيلها. وعندما يكون الكرد موضوع الحديث، وإذا كنت غير متأثر بالرأسمالية أو الليبرالية أو بالتصوف الديني المنحرف، فما من معالم يمكنك العيش فيه وما من شيء بمقدورك فعله خارج السجن، فيما عدا الصراع لأجل حياة أخلاقية مشرفة. وعند إمعاني في حياة الرفاق المعتقلين على ضوء هذا المصطلح، رأيت أنهم يعانون من خداع جاد. فقد اقتنعوا أو أقنعوا بإمكانية العيش بحرية خارج السجن. وبتحليل الموضوع سوسيولوجياً، فسندرك أن الديجور الأساسي للمعتقلات هو خلق حنين زائف إلى الحرية داخل الفرد.
شُيدت السجون بعناية في ظل الحداثة
فقد شيدت السجون بعناية في ظل الحداثة لهذا الغرض. بالتالي، فإما أن الناس ارتضوا لأنفسهم العيش بزيف ورياء بعد إطلاق سراحهم، فيغدو التعويل على سلوكهم حياة ثورية مشرفة أو أخلاقية مجرد وهم لا طائل منه، أو أنهم سينجحون في تلبية مطالب النضال الاجتماعي بنضوج بارز أفرزته فترة الاعتقال.
السجون ليست بيوتاً لإعادة تأهيل الشخصية. بل هي أماكن يتعلم فيها المرء كيفية أداء الواجبات الأخلاقية والإرادية تجاه المجتمع بكفاءة. تسري هذه الخصائص أيضاً على مقاتلي الحرية الذين قصدوا الجبال فإن تكون كريلا الحرية تعني أن تؤدي واجباتك الأخلاقية والسياسية المعنية بالمجتمعية على أرفع المستويات، وأن تتحصن بهذا الوعي وتدرك الواجبات الأخلاقية، وأن تلبي متطلبات الحرية فيما يخص الدفاع الذاتي. فكينونة كريلا الحرية ليس لأجل النفوذ الشخصية أو الوصول إلى السلطة. فهي في هذه الحالة تغدو صراعاً لأجل السلطة وليس الحرية. وصعود أمثال هؤلاء إلى الجبال، أو نزلوهم منها ليس أخلاقياً أو اجتماعياً. وبالأصل فأمثال هؤلاء يلوذون إلى الخيانة بكل سهولة، عندما لا يجدون ما طمعوا فيه.
كل الأماكن تتميز بنفس المزايا بالنسبة لأولئك الذين يقبع وجودهم المجتمعي تحن نير عبودية مطلقة أو يعانون التشتت. كما أن التمييز الذي لا جدوى منه، من قبيل: “داخل السجن سيء وخارجه حسن” أو “المسلح سيء والأعزل حسن”، لا يغير شيئاً من فحوى الجهود الأصلية المبذولة من أجل الوجود والحرية. وبما أن حياة الإنسان لا تثمن إلا عندما تكون حرة، فأينما كان العيش المجرد من الحرية، فإن ذاك المكان يشكل سجناً معتماً في جميع الأوقات.
العلاج بتنمية وعي الحقيقة
العلاج الوحيد للقدرة على التحمل داخل السجن هو تنمية وعي الحقيقة، فعيش وعي الحقيقة يعني الوصول إلى معنى الحياة. فإذا استوعب الناس دوافع حياتهم بصورة صحيحة، فأينما كان مكان عيشهم فليكن، فلن يشكل ذلك مشكلة جادة بالنسبة لهم. في حين تفقد الحياة معناها عندما تكون مثقلة بالأخطاء والرياء. وهنا تظهر الظاهرة المسماة بـ تردي الحياة. وما تعكر المزاج وضيق الخناق والتشاجر والشتم سوى محصلة طبيعية للحياة الرعناء.
بينما تعد حياة الإنسان معجزة حقاً بالنسبة لأولئك المتسلحين بوعي راق من الحقيقة فالحياة منبع للحماس العنفواني، إذ يختفي معنى الكون بين طواياها. وكلما كشف هذا اللغز فلن تبقى هناك مشكلة التحمل، حتى لو كان المرء في زنزانة. بالأصل، فإذا كان دخول الزنزانة هدفاً للحرية عندها تكن قادراً حتى على تحويل أشد الآلام إلى منبع للسعادة.
لقد تحول سجن إيمرالي بالنسبة لي إلى ميدان لحرب الحقيقة بكل ما للكلمة من معنى، سواء على صعيد فهم الظاهرة الكردية وقضيتها، أما من ناحية تصور فرص الحل. فبينما طغى لدي القول والعمل عندما كنت طليقاً، فإن المعنى هو الذي ساد داخل السجن. كما كان من الصعب جداً أن أتمكن خارج السجن من صياغة الأفكار المعنية بفلسفة السياسة.
في ظروف العزلة أدركت بنحو أفضل ماهية مصطلحات الحداثة، وأن عمليات بناء الأمة قد تكون متنوعة في نماذجها، وأن البنى الاجتماعية هي بصورة عامة بنى تصورية مشادة بيد الإنسان وأنها تتميز بطبيعة مرنة.
ما من جانب يستعصي علي تحمله داخل إيمرالي، فيما خلا الأسباب الفيزيائية التي تسبب مشاكل صحية. فقوة المعنويات والوعي والإرادة لدي لم تتراجع بتاتاً عما كانت عليه في السابق بل وباتت أكثر صفاءً، واقتاتت من الجماليات واغتنت بجوانب التقدم البهي. ومع الارتقاء بمستوى شرح الحقائق الاجتماعية بواسطة العلم والفلسفة والجمالية، تزداد إمكانيات الحياة الأكثر صواباً وفضيلة وجمالاً. إني أفضل العيش لوحدي في حجرتي الانفرادية حتى آخر نفس على أن أعيش مع الناس الذين ضللتهم الحداثة الرأسمالية عن درب الحقيقة.
الحياة بالنسبة لي غير ممكنة إلا عندما تعاش حرة
لا يمكن عيش الحياة البشرية إلا بنحو مجتمعي حر وديمقراطي ومفعم بالمساواة ضمن الاختلاف سواء كان المرء طليقاً أم سجيناً وسواء تواجد في رحم امه أم في أية لحظة أو مكان داخل الفضاء المترامي.
في حال خروجي من السجن، فأينما كان مكاني أو اللحظة التي أحياها، فإني حكماً سأواظب حتى آخر رمق على خوض الكفاح المتواصل بشتى أنماط القول والعمل من أجل المجتمعية التي جهدت لتحقيق الانتماء إليها ومن أجل الكرد الذي يحيون حقيقتها الأكثر مأسوية وتحولهم الوطني الديمقراطي الذي هو سبيلهم إلى الحل والتحرر، ومن أجل اتحاد الأمم الديمقراطية الذي هو سبيل الحل والخاص بالنسبة لشعوب الجوار أولاً ولكافة شعوب الشرق الأوسط التي يعد الكرد جزءاً منها وكذلك من أجل اتحاد الأمم الديمقراطية العالمية الذي هو سبيل الحل والخلاص بالنسبة إلى جميع شعوب العالم، التي تعد شعوب الشرق الأوسط جزءاً لا يتجزأ منها.
No Result
View All Result