هنّ مناضلات؛ رائدات ثورة روج آفا المعروفة بثورة المرأة؛ استهدفتهن دولة الاحتلال التركي بمسيراتها؛ فنمت باستشهادهن شجرة الحرية التي زرعنها بأناملهن..
تشن دولة الاحتلال التركي هجمات وحشية ضد كردستان، ومنطقة الثورة في روج آفا بلا هوادة، حيث تواصل الدولة التركية هذه الهجمات أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، والقوى الدولية، كي تتستر على هزيمة سلطتها، وهي تستهدف ثورة روج آفا التي تحققت بقوة وإرادة النساء وحررت البشرية جمعاء من وحشية مرتزقة داعش الإرهابي، بشكل دائم، ولكن وحدات المرأة الحرة لن تتوانى عن نضالها حيال هذه التهديدات والهجمات، ولن تتخلى عن تصميمها في توسيع وحماية الثورة.
مقاتلات أرهبن الاحتلال
ففي 30 أيار عام 2022 استهدفت طائرة مسيرة تابعة للدولة التركية المحتلة، عربة في مدينة قامشلو، وأدى الهجوم إلى استشهاد مقاتلة YPJ مزكين بوطان (رحيمة غزالي) من مواليد1999، والشخصية الوطنية “كسرى ملك”.
الشهيدة مزكين انضمت لصفوف وحدات حماية المرأة، ملبية النفير العام؛ وقد ترعرعت مزكين في مدينة سالماس بروجهلات “شرق” كردستان، ضمن أسرة وطنية مخلصة للقضية الكردية، ومع حبها للوطن كانت دائماً تبحث عن وطن حر وحياة حرة، شعرت بفخر كبير عندما انطلقت ثورة روج أفا، وتوجهت لتلك المناطق تلبية للنفير العام للدفاع عنها ضد الهجمات الرجعية، التي شنتها مرتزقة داعش الإرهابي، كانت رغبتها بأن تأخذ مكانها في جبهات الحرب الأمامية أينما تواجدت، وطورت من ذاتها خلال ثورة روج آفا بتصميم الحرية وتجربتها، التي استمدتها من الحرب في روج آفا، وبفكر المرأة الخلاقة، أصبحت مدافعة وقيادية لقضية تحرير المرأة.
كما شهد شهر تموز في العام ذاته، العديد من الاستهدافات التي طالت المرأة، ففي الثاني من تموز عام 2022، استهدفت سيارة في قرية تل سمن التابعة لمدينة الرقة؛ ما أسفر عن استشهاد القيادية في وحدات حماية المرأة مزكين كوباني (سهام مسلم).
والقياديّة من مواليد 1990، انضمَّت في وقتٍ مبكِّرٍ إلى ثورة روج آفا، وانحدرت الشهيدة من مدينة كوباني المقاوِمة، حيث ترعرعت ضمن عائلة وطنيّة، وخطَتْ خطواتها الأولى في الحياة الثورية، بروح المقاومة والحُرّيّة، وكَبُرَتْ عليها، وبفكرها، وإيمانها العميق، عملت لأجل الحياة الحُرّة المُقدَّسة، ولم تحنِ رأسها للمحتلّين قطّ، بل وضعت كُلَّ طاقاتها الذِّهنيّة والفكريّة لإعلاء شأن المرأة الحُرَّة، لتغدو رمزاً للمرأة المقاومة، والتي وضعت كُلَّ جهودها في سبيل تنظيمها.
بهذه الطّاقة الحيويّة؛ أَثرَت نضالها وكفاحها بدءاً من حلب وحتّى سري كانيه، وأبدت مواقف المرأة المُكافِحة ضدَّ مؤامرات ومخطَّطات المُحتلّين، التي تستهدف المرأة الثَّوريّة، بذهنها المنفَتِح على الحياة والثَّورة، وبفلسفة تحرير المرأة، وأدخلت الخوف والرُّعب في نفوس وقلوب المُحتلّين، لتكون ضحية لمخالب الاحتلال.
هزمن مرتزقة داعش
وبالدور الكبير، الذي لعبته المرأة في دحر مرتزقة داعش، والقضاء على آخر جذوره في المنطقة، أصبحت المدافعات عن الحرية، هدفاً لانتقام الاحتلال التركي ولمرتزقته، فبتاريخ 22 تموز عام 2022، استهدفت مسيّرة تابعة للاحتلال التركي سيارة على الطريق الواصل بين قامشلو وتربه سبيه، ما أسفر عن استشهاد قائدة وحدات مكافحة الإرهاب، جيان تولهلدان، وهي من إحدى مؤسسات وحدات حماية المرأة، عملت في بداية ثورة 19 تموز بدءاً من تنظيم الشعب، وتأسيس YXG وإلى تشكيل YPJ وكذلك YAT.
شاركت الشهيدة جيان في القتال ضد مرتزقة داعش الذي كان قد أصبح كابوساً للإنسانية في 2013 في سري كانيه، وحاربت ضد مرتزقة جبهة النصرة، والتي تسمى (هيئة تحرير الشام) في الشيخ مقصود، والشدادي، ومنبج، ودير الزور في حملة القضاء على داعش، حاربت وشاركت في جميع حملات التحرير مع قوات التحالف.
ولا يختلف التاريخ النضالي لقيادية وحدات حماية المرأة الشهيدة روج خابور، الاسم الحقيقي (جوانا حسو) ولدت عام 1992 في عائلة وطنية. لتصبح في وقت قصير صاحبة تجربة في ثورة 19 تموز، وتصبح امرأة ثورية بفلسفة حرية المرأة وصاحبة إرادة وقوة. وشاركت مع قوات التحالف في حملات التحرير، وقد شاركت مع القيادية جيان تولهلدان في العديد من الحملات ضد داعش وأبرزها حملة تحرير مدينة الرقة.
وقد كان برفقتهن الشهيدة بارين بوتان، الاسم الحقيقي (روها بشار) تولدت عام 2003 في الشهباء، وترعرعت في عائلة وطنية، بعمرها الشاب تأثرت بثورة روج آفا، وبطموحها للحرية التحقت بصفوف وحدات حماية المرأة، بعد تأثّرها باستشهاد المناضلة بارين كوباني؛ المقاتلة في وحدات حماية المرأة (YPJ) التي استشهدت في الأول من شهر شباط عام 2018 أثناء هجمات دولة الاحتلال التركي على منطقة عفرين، حيث ناضلت الشهيدة بارين ضد هجمات الاحتلال التركي بإرادة قوية.
دافعن عن حرية المرأة حتى الرمق الأخير
أمام هذه التضحيات تحاول دولة الاحتلال التركي المتربصة بالثورة، النيل منها، عبر اتباع شتى الوسائل والأساليب، وباستخدام أحدث وأفتك أنواع الأسلحة، من استهداف الرواد والنشطاء والوطنيين والمقاتلين، الذين يحاربون ويدافعون عن تراب أرضهم، فتتالت الهجمات عام 2022.
ففي 28 تموز عام 2022، استهدفت طائرة مسيّرة، سيارة تابعة لقوى الأمن الداخلي في عين عيسى؛ ما أسفر عن استشهاد أربعة من أعضاء قوى الأمن الداخلي، (بشار محمد علي بوزان، جيهان محمد مصطفى، سارة محمد الحسين، سلمى علي مصطفى).
وفي التاسع من آب عام 2022، استهدف الاحتلال التركي نقطة لقوات الدفاع الذاتي، كانت تتولى مهمة حماية المشافي في مدينة قامشلو، ما أسفر عن ارتقاء أربعة من المقاتلين شهداء، بينهم الشهيدة دلسوز من تربه سبيه. وشهد 27 أيلول عام 2022، استهداف طائرة مسيرة، للرئاسة المشتركة لمكتب العدل والإصلاح للإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة “زينب صاروخان، ويلماز شيرو”، والشهيدة زينب كانت من السباقين للانضمام إلى ثورة المرأة، حيث عملت في العلاقات الدبلوماسية والأنشطة التنظيمية في حزب الاتحاد الديمقراطي، ثم تولت مهام رئيسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية بإقليم الجزيرة، وشغلت منصب الرئاسة المشتركة لمكتب شؤون العدل والإصلاح في الإدارة الذاتية بإقليم الجزيرة.
زينب صاروخان
ترسيخ ثورة المرأة
لم يتوقف الاحتلال التركي عن سياسته الممنهجة بارتكاب أفظع الجرائم بحق المرأة ففي تاريخ 20 حزيران 2023، ارتكب المحتل التركي مجزرة أخرى بحق المرأة في قامشلو، وذلك باستهداف الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو “يسرى درويش”، ونائبتها “ليمان شويش”، ومعهم السائق “فرات دانيال”، والرئيس المشترك لمجلس المقاطعة “كابي شمعون”.
والشهيدة يسرى محمد درويش من مواليد 1971 مدينة عامودا في مقاطعة قامشلو، كانت لها مسيرة نضالية ومؤثرة في المجتمع.
بعدها انخرطت في صفوف الثورة، وعملت كمدرسة للغة الكردية، ومن ثم مديرة ثانوية “بتول” في عامودا، كانت من مؤسسات إدارة المدارس في عامودا، وانتخبت كرئيسة مشتركة للمجمع التربوي في عامودا. بعد مسيرة طويلة في السلك التربوي والتعليمي، انتخبت رئيسة مشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو بتاريخ 1/11/2022.
كرست الشهيدة يسرى درويش حياتها لإحداث تغيير مجتمعي شامل، وفي سبيل ذلك عملت على تنظيم فعاليات اجتماعية، وسياسية في مقاطعة قامشلو وتنظيم الكومينات في بداية ثورة 19 تموز.
كما ناضلت الشهيدة ليمان شويش في أجزاء كردستان؛ روج آفا، باكور وباشور كردستان، وكانت هذه دلالة على نضالها من أجل شعبها الكردي ككل دون تمييز، وأيضاً من أجل الشعوب الأخرى، وقد عملت عملاً طويلاً في منبج، فكانت رمزاً لوحدة الشعوب، إلى جانب نضالها من أجل شعبها، كان لها بصمة في حرية المرأة، حيث عملت سنين طويلة في صفوف مؤتمر ستار، وعملت أيضاً من أجل ترسيخ ثورة المرأة، وكان لها دور كبير طليعي في حركة المرأة.
تعد ليمان شويش من الرائدات الأوائل اللواتي، وضعن حجر الأساس للمشروع الديمقراطي في المناطق المحررة من مرتزقة داعش، وفي مقدمتها مدينة منبج، التي توجهت إليها عام ٢٠١٦ وناضلت فيها حتى عام ۲٠۱۹.
خلال مسيرتها النضالية الحافلة، تولت ليمان مهام عديدة، منها ممثلة مؤتمر ستار في باشور كردستان، ومؤخراً نائبة الرئاسة المشتركة لمجلس مقاطعة قامشلو.
ولربما أن هذا الاستهداف ليس الأخير من نوعه بل ستشهد المرأة المناضلة خلال مسيرتها في الدفاع عن حقوق المرأة العديد من الصعاب، ولن تسلم من براثن الاحتلال التركي، وطياراته المسيرة، إلا أنه مع كل استهداف يطال المرأة المناضلة تولد ألف مناضلة لتحمل صورة شهيدات الحرية، فقد ضحت هؤلاء النسوة بأرواحهن ليخلق جيل جديد يكتب تاريخ الحرية بدمائهن.
