No Result
View All Result
المشاهدات 0
لم يعد المخطط الزماني والمكاني للأزمة السورية بخطوطها العريضة خافياً على أحد، فمع بدء الأزمة السورية بصفتها السلمية والمطالبة بالحرية والكرامة كان رد النظام صارماً وواضحاً منذ البداية، وذلك بالرد القاسي والقمعي لأي تحرك أو تجمع سلمي مطالب بنوع من الحريات والحقوق الوطنية من مواطنة، وتحسين في ظروف المعيشية لتتناسب مع الصبغة الإنسانية وكرامة الإنسان. ومع مرور الوقت وعدم تفهم أو استيعاب النظام للتحرك السلمي، الذي كان من أهم الأسباب، التي أودت بالمتظاهرين والمعارضة إلى الرد بالمثل من قوة، فكانت الخسائر مضاعفة في المقابل، خسائر بشرية ومادية وهدم للبنية التحتية الوطنية وخلق حالة من الفوضى الخلاقة المبشرة بها من قبل الدول العظمى التي تتحكم في الكثير من ملفات ومصائر الدول، خاصةً النامية والشرق أوسطية إذا ما خصصنا الموضوع أكثر.
لشروع في الحل السياسي والتدخلات الخارجية
مع مرور الوقت وإطالة الأزمة في سوريا بدأت الدول الإقليمية والعالمية بالتدخل بشكل ولو غير مباشر لإيجاد مخرج أو حل لها، خاصةً بعد عسكرة أطراف من المعارضة وبدء الأعمال القتالية بين طرفي الصراع وسقوط المدنيين كضحايا بالدرجة الأولى، أولى بوادر الحل كانت في جنيف /واحد/ بمقر مكتب الأمم المتحدة، والتي دعا إليه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان وقتها، وعقد في 30 حزيران 2012م، وكان من أهم مخرجاته تقديم المبعوث الخاص بالملف السوري ست نقاط تعدُّ الركيزة الأساسية لأفق الحل السياسي في سوريا وكانت:
ـ الالتزام بالعمل مع المبعوث الأممي لأجل عملية سياسية شاملة.
ـ الالتزام بوقف جميع أعمال العنف المسلح، بما في ذلك وقف استخدام الأسلحة الثقيلة، وسحب القوات، ووقف تحركات قوات الجيش باتجاه المناطق المأهولة بالسكان.
ـ تطبيق هدنة يومية لمدة ساعتين للسماح بإدخال المساعدات إلى جميع المناطق المتضررة من القتال.
ـ الإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم تعسفياً، بمن فيهم المعتقلون لقيامهم بنشاطات سياسية سلمية.
ـ الاتفاق على ضمان حرية الحركة للصحافيين في جميع أنحاء البلاد وتبني سياسة لا تقوم على التمييز بشأن منحهم تأشيرات لدخول البلاد.
ـ الاتفاق على حرية تكوين المؤسسات وحق التظاهر السلمي على أنها حقوق مضمونة قانونياً.
بسبب عموميات النقاط الست، وعدم شرح التفاصيل فإنه لم يكن محل رضى النظام والمعارضة على حد سواء، بالرغم من المباركة الأممية في الشكل العام للاتفاق في بدايته، وتفسير وتأويل كل طرف إلى ما يناسب هواه فيما بعد وخاصةً وبالتحديد بعد القرار الأممي 2254 الصادر في 18 كانون الأول من عام 2015م، واستناده من خلال بنوده الستة عشر إلى مخرجات الاجتماع الأول لجنيف.
تأزم الوضع العسكري وظهور المجموعات المتطرفة على الساحة
مع بقاء الوضع على ما هو عليه بعد جنيف أصبحت الساحة السورية، وفي خضم حالة الفوضى مهيأة لدخول التيارات المتشددة والإرهابية على خط العسكرة، وبدأت مجموعات ما بات يُعرَف بالجيش الحر بالانشقاق من جيش النظام وتشكيل تحالفات مع الدول الإقليمية وارتباط كل طرف مع المحور الداعم له مادياً وإعلامياً، وظهور تنظيم القاعدة تحت مُسمّى جبهة النصرة، ومن ثم دخول داعش في العراق، ودمج هذه بتلك تحت مّسمّى تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام، وحدوث تصدع إيديولوجي فيما بينهم وانشقاقهم وظهور الوجه الدموي لداعش وممارساته اللا أخلاقية واللا إنسانية بحق المواطنين الأبرياء، ما دعا المجتمع الدولي إلى إنشاء تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، ودعم وحدات حماية الشعب في مدينة كوباني، والتي كانت رأس الحربة في مكافحة الإرهاب، فكان 22 أيلول 2014م التاريخ الفاصل للانخراط العسكري الدولي في الأزمة السورية تلاها فيما بعد تحديداً 30 أيلول 2015م التدخل الروسي المباشر لمساندة النظام السوري، فكان بمثابة الحُجة للاحتلال التركي للقيام بعملية ما بات يعرف بدرع الفرات، واجتياح الأراضي السورية واحتلالها في 24 آب من عام 2016م. كل هذا التأزم والفوضى العسكرية على الأراضي السورية وفشل المسارات السياسية في خلق حالة تواصل وإيجاد حل، كان من الأسباب، التي دعت روسيا إلى خلق مسار آخر يكون موازيًا ومرادفًا ولكن تحت أنظارها وبإرادتها لخلق حالة من السيطرة على الأوضاع الميدانية على أرض الواقع الملموس.
آستانا استثمار روسي للأزمة السورية
بعد انعقاد جنيف الثاني في شباط من عام 2014م، وجنيف الثالث في شباط 2016م، وعدم توصلها إلى أية نتائج ملموسة على أرض الواقع وخسارة المعارضة السورية العسكرية لمزيد من الأراضي لصالح حكومة دمشق، ومن خلفه القوة الروسية، تبنّت روسيا فكرة اجتماعات آستانا، والتي بدأت بالأساس على شكل مسار عسكري، وتسويات عسكرية للمجموعات المقاتلة في كل من ريف دمشق، وحمص، وسحبهم، وجمعهم في الشمال الغربي لسوريا، ولتتوالى اجتماعات آستانا بشكل دوري وشبه منتظم إلى أن تم تحقيق جميع الأهداف المرجوة من قبل الدول الراعية لها من قبل ما بات يعرف بالدول الضامنة لتطبيق ما يتفق عليه، وبتعدّد انعقاد جلسات متلاحقة في آستانا بدأ الانحراف عن المسار يتوضح شيئًا فشيئا؛ حيث أصبحت الجلسات تركز على مسألة التطبيع ما بين النظامين التركي والسوري بدلًا من التركيز على الحلول الجوهرية للأزمة السورية، ويبدو هذا جلياً من خلال متابعة الجلسة الأولى، والجلسة الأخيرة، ومدى الفرق الواضح في النبرة في البيان الختامي في كل جلسة، والتي لا تتعدى الكلام الإنشائي والعمومي، الذي يبتعد كل البعد عن طموحات، وتطلّعات وآمال الشعب السوري وثورته ومطالبه.
إهمال الكرد من الاجتماعات الدولية.. هل هو منهجي؟
بطبيعة الحال في كل اجتماع يكون فيه الطرف التركي حاضراً فإنه يجب ألّا يكون الكردي، أو الخصوصية الكردية حاضرة، وإذا ما كانت حاضرة فيجب أن تكون منتقاة بدقة وحرفية، ويجب أن تكون من تيار (الكرد الجيدين)، حسب المنظور والمقاييس التركية، في آستانا كان الوضع مختلفاً تماماً، وكأنها كانت تخص فقط حكومة دمشق وشمال غرب سوريا مع إهمال تامّ لشمال وشرق سوريا المناطق التي تمثل نسبة 25% من جغرافية سوريا، والتي تديرها الإدارة الذاتية الديمقراطية المكونة أصلاً من جميع فئات ومكوّنات المجتمع، ولكن تركيا والتي تخلق حالة من الحرب الدونكيشوتية ضد كل ما هو ليس على هواها، وترى في هذا المشروع الوطني تهديداً على أمنها القومي، ولا توفّر جلسة أو اجتماعا إلّا وتحارب فيها كل ما هو كردي أو يحمل صبغة كردية، كل ذلك للتغطية على فشلها في إدارة الأزمات الداخلية، التي تعصف بها، وأيضاً للتغطية على فشلها في خلق صفر مشاكل مع الجوار إلى ما لا نهاية مشاكل مع كل قضية تتدخل فيها.
هل سيكون آستانا 20 الحلقة الأخيرة؟
كما يبدو للمتابع والقارئ للسياسة أنّ سلسلة آستانا تنعقد فقط من أجل إحياء واستمرارية الحوار ما بين المشتركين والقائمين عليه دون هدف أو خطة استراتيجية واضحة المعالم، ويبدو أن الدولة الكازاخستانية نفسها فهمت هذا الموضوع، ويتبيّن ذلك جلياً من خلال تصريحات القيادة فيها على أنها ربما لن تكون مستعدة لاستقبال المزيد من الجلسات واللقاءات الدورية، والتي تعدُّ الأطول في سلسلة الحوارات السورية بالمقارنة مع باقي المسارات كما في تسع جلسات من جنيف السويسرية، وتسع أخرى مثيلة لها من جولات اللجنة الدستورية في سوتشي الروسية، كما يتراءى ذلك أيضاً من خلال تصريحات أدلى بها رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة حيث قال: “يبدو أنّ الكازاخستانيين غير مرتاحين ويريدون التخلص من هذا الأمر”.
ولذلك؛ فإنّ بعض المراقبين والمهتمّين بهذا الشأن يعتقدون أن باقي الحوارات ربما ستعقد في موسكو أو طهران، أو حتى ربما في أنقرة أو دمشق، وذلك لتجاوز الخلافات بوتيرة أسرع، وللتسريع في عقد لقاءات مباشرة ورفيعة المستوى ما بين الجارين التركي والسوري، والتي ستكون بطبيعة الحال التركيز فيها على كيفية حل المشاكل العالقة في شمال وشرق سوريا، وما يخص الكرد على وجه الخصوص. أيضاً يتجلى ذلك من خلال مخرجات اللقاء الأخير، والتي ركز على عشرين بند من الكلام الإنشائي، وفي معظمه كان التركيز على شمال وشرق سوريا وكيفية إفشال تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في قيادة المجتمع نفسه بنفسه، والذي يكون في معظم أوقاته وبنوده إرضاءً طرديا للدولة التركية على الخدمات المجانية في القضاء على المعارضة والمجموعات المرتزقة في شمال غرب سوريا والتضحية بهم في سبيل مصالحها لا غير، وكما يتبين أنّ من أهم النتائج كما في كل مرة هو التصعيد العسكري على الأراضي السورية ومن جميع الأطراف وكأنه اتفاق مبطّن على تغاضي النظر من قبل كل طرف على الطرف الآخر، والذي يكون فيها الضحية الرئيسية كما كل مرة الشعب والمواطن لا غير
مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية
No Result
View All Result