سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الكنز الحقيقي

د. درر سمير الصوفي
د: محمد فتحي عبد العال_

في صباح اليوم الأول من افتتاح المدارس، قررت طبيبة المدرسة، استغلال فرصة حضور أولياء أمور الطلاب، لتجتمع بهم في مكتبة المدرسة، فرحّبت بهم، متمنيةً لهم عامًا سعيدًا، مليئاً بالنجاحات، وتحقيق الأمنيات.
وفيما بعد، قامت الطبيبة بطرح استطلاعٍ للرأي، يضمن أسئلةٌ، متعددة الخيارات، متعلقة بالعادات المنزلية الصحية للأطفال، وبعد ملء الاستبيان وتحليله، من خلال برنامج خاص للتحليل الإحصائي، قالت: من خلال نتائج الاستبيان، أستطيع أن أجزم أننا نفتقد كنزاً ثميناً بحياة أبنائنا.
أولياء الأمور، باندهاش: وما هذا الكنز أيتها الطبيبة؟
الطبيبة مجيبة: سيادة الثقافة الصحية بحياة أطفالنا.
أولياء الأمور، باستغراب: وهل لكي أن توضحي لنا السبيل؟!
الطبيبة: بكل تأكيد، مستكملةً، سأعطيكم مثالاً، فسؤالي، الذي طرحته عليكم في الاستبيان “هل يتعرض الأبناء لضوء الشمس بشكل كاف أثناء اليوم، وكيف؟، وقد جاءت أغلب الأجوبة بـ “نعم”، وخيار (الجلوس اليومي بجانب النافذة عند ارتفاع الشمس في أفق السماء)، وهذا ليس كافياً، حيث لا يمكننا الحصول على احتياجنا الكافي من فيتامين “د”، إلا بالتعرض المباشر لأشعة الشمس، وفي الأوقات الصحيحة.
أولياء الأمور: وما الأوقات الصحيحة؟!
الطبيبة: إن أفضل الأوقات للتعرض لأشعة الشمس في فصل الصيف، تبدأ من الساعة الثامنة والنصف، حتى العاشرة والنصف صباحاً، ومن الساعة الثانية ظهراً، لغاية الرابعة منه.
وأضافت: وأما في الشتاء، فإن أفضل الأوقات لذلك، تبدأ من الساعة العاشرة صباحاً، إلى الثانية ظهراً.
قام أحدهم سائلاً: وماذا نستفيد من فيتامين “د”؟
أجابت الطبيبة: إن لفيتامين “د”، أهمية كبيرة لصحة العظام والعضلات، بالإضافة لأهميته بحماية أجسادنا من التعب وآلام الجسد، وصولاً لحمايتنا من أمراض القلب والسرطانات.
وأضافت: فلا تستطيع أجسامنا امتصاص الكالسيوم (المكون الرئيسي للعظام)، إلا بوجود فيتامين د، فنقص هذا الفيتامين، يساهم في صعوبة التعليم (الانحدار المعرفي)، وليونة العظام عند كبار السن، وهشاشة العظام والكساح عند الأطفال.
وتابعت: فأشعة الشمس تنتج 90% من فيتامين “د”، فيما تعمل “اللحوم الحمراء، والكبد، وصفار البيض، وزيت السمك”، فقط على إنتاج عشرة بالمائة منه.
وعند البحث في نتائج الاستبيان، لاحظت الطبيبة، بأن عند السؤال الذي يقول: هل هناك أهمية لمادة “اليود” في الطعام؟، أغلب الخيارات كانت (لا أعلم).
فنظرت الطبيبة إليهم جميعاً، وقالت: إن قصور الغدة الدرقية من الأمراض الشائعة لدى الأطفال، وخاصةً، في الدول النامية، لذا، فوجود مادة “اليود” في الطعام، عامل أساسي لتأمين الوظيفة الطبيعية للغدة الدرقية.
فسألت إحدى الحاضرات من أولياء الأمور: وما وظيفة الغدة الدرقية؟
أجابتها الطبيبة: تقوم الغدة الدرقية، بإنتاج “الهرمون الدرقي”، الذي يتحكم بمعدل الاستقلاب في الجسم، بما فيها معدل ضربات القلب، وكيفية تنظيم درجة حرارة الجسم، إضافةً، لوظائف أخرى كثيرة.
وتابعت: كما وقد يتم إنتاج كمية كبيرة من الهرمون الدرقي، فتتسرع هذه الوظائف، وتظهر أعراض نشاط الغدة الدرقية، وخاصةً عند الأطفال، كـ “زيادة العصبية لديهم، وتشتت الذهن، وعدم القدرة على التركيز، وزيادة التعرق، وزيادة ضربات القلب، مضيفةً، وأما عند خمول الغدة الدرقية، فيبدأ انخفاض مستوى الهرمون الدرقي في الدم، وتظهر أعراض قصور الغدة الدرقية، مثل “قصر القامة، تأخر النمو البدني والعقلي، زيادة الوزن، عدم تحمل البرودة، وغيرها”.
استكملت سؤالها: ومن أين نحصل على “اليود” ؟!
الطبيبة: يتوافر اليود في “الأسماك والبيض والحليب السائل، والخضروات، والفاكهة كالبرقوق”، منوهةً، وينبغي التأكد من أن الملح الذي نستخدمه في المنزل مدعوماً باليود، فلقد استطاعت الدول المتقدمة، الحد من تفاقم حالات قصور الغدة الدرقية بهذه الإجراءات.
إحداهن: وهل أظهر الاستطلاع أموراً أخرى يا دكتورة ؟!
الطبيبة: أعلم أن الوقت داهمنا، لذلك، سأركز على النقاط الهامة والجوهرية، التي كشفها الاستطلاع، وخاصةً، للأمهات اللاتي يلحقن أطفالهن بالحضانات، فقد جاءت أكثر الاجابات مؤيدة للرضاعة الطبيعية فقط كمصدر غذائي وحيد للطفل في بداياته، حول السؤال المتعلق بأهمية الرضاعة الطبيعية، مضيفةً، وهذا الاعتقاد ليس بصحيحٍ، في المطلق فلابد من متابعة نمو الطفل بمشاركة طبيبٍ مختص، واستشارته، بداية الشهر الرابع، فيما يتعلق بالاحتياج لإضافة مكملات غذائية، تحتوي على الحديد، في شكل غذاءٍ، أو قطراتٍ، أو حليب صناعي معزز بالحديد، منوهةً، فالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصي، باختبار جميع الأطفال ما بين تسعة أشهر إلى عمر السنة،  للتأكد من عدم إصابتهم بأنيميا “نقص الحديد”.
إحدى الأمهات: وهل هذا الأمر جد خطير يا دكتورة؟!
الطبيبة: أجل، فالحديد من العناصر الهامة، حيث يساعد بنقل الأكسجين من الرئتين إلى باقي أنحاء الجسم، كما ويساعد العضلات أيضاً، بتخزين الأكسجين واستخدامه.
وقام أحدهم معلقاً: فعلاً، إنها مسألة في غاية الأهمية، سائلاً: وهل هناك نظام غذائي خاص لأطفال المدارس، لحمايتهم من نقص الحديد المسبب للأنيميا؟!
الطبيبة: بالطبع، “فاللحوم، والدجاج، والأسماك، والبقوليات، والسبانخ” من المصادر الهامة للحديد، وخاصةً، إذا دعمناها بأطعمة غنية بفيتامين “سي” مثل “الحمضيات، والفراولة، والطماطم، والفلفل الحلو، والشمام”.
 أولياء الأمور: وهل هناك سبب لإضافة مصادر فيتامين “سي” إلى مصادر الحديد؟
الطبيبة: نعم بالتأكيد، ففيتامين “سي” يساعد على امتصاص الحديد.
سأل أحد أولياء الأمور: وهل أظهر الاستطلاع أموراً أخرى غير ذلك؟!
الطبيبة: هناك نقاط كثيرة غيرها، ولكن كما قلت آنفاً، لقد داهمنا الوقت، لذلك، في النهاية وقبل أن أختم حديثي، أود أن أتطرق لأمرين شديدي الأهمية، وعلى جناحي السرعة، الأول، ضرورة حماية أطفالنا من أخطار الأجهزة الذكية، إذ تشير الدراسات إلى تأثيرها الضار، على نمو الدماغ ووظائفه، والمسبب للقصور في المهارات المعرفية والارتباك لدى الأطفال.
وأضافت: وأما بالنسبة للأمر الثاني، هو ضرورة تعويد أطفالنا على النوم في موعد محدد وثابت، ولمدة كافية، ويفضل أن يكون ما بين تسعة حتى اثنتي عشرة ساعة، لما لذلك من ضرورة محتمة لنموهم، حيث يصل هرمون النمو، الذي تفرزه الغدة النخامية بالمخ، لحدوده القصوى أثناء النوم العميق بنسبة 48% فأكثر، حيث يسهم هرمون النمو في بناء العضلات وأنسجة الجسم، كما وأن عوز هرمون النمو يزيد من قصر القامة عند الأطفال، فضلاً عن أن عملية نمو أعضاء الأطفال، والعظام خاصةً، تنشط أثناء النوم الليلي الهادئ والعميق.
فالخلاصة، إذاً، أخذ قسط كاف من النوم مع ممارسة الرياضة، يحقق لنا كافة الفوائد مع نظام صحي وسليم، وحينها فقط نجد الكنز الحقيقي في منازلنا.
وشكر كافة الحضور، الطبيبة، وانصرفوا سعداء، على وعد منها، بتكرار مثل هذه المحاضرات والإرشادات القيمة.