سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

واشو كاني… عندما يكون لمقاومة المرأة عنوان

قامشلو/ دعاء يوسف –

جلست تُخاطب نباتات حديقتها، وكأنها جزء من روحها: “تلك البذور التي كسرت قسوة تراب المخيم لِتنبت، تشبهنا، هي أرواحنا التي تشبثت بالأرض، وستعود إليها”، بتلك الكلمات تزرع وردة ويس عبد القادر شتلاتها بالقرب من خيمتها، لتكون لها عوناً على مرارة خيم واشو كاني. 
بالرغم من المعاناة التي يعيشها المُهجّرون قسراً من سري كانيه في مخيم واشو كاني، وجدت المرأة منفساً لها لتعيل نفسها، وتخفف مصاريف يومها مع ارتفاع الأسعار، وعدم قدرتها على شراء الخضروات، فلجأت إلى زرع الخيم ببضع أنواع من النباتات والخضراوات، إلا أن قصة وردة كانت مميزة كون نباتاتها تحمل تراب ورائحة الوطن.
فبين خيوط خيام مُبعثرة، مرَّ عليها الزمن واندثر، تسير حاملة الماء من خزانات بعيدة بصعوبة، لتلاحقها عدسة صحيفتنا “روناهي” إلى أن وصلت إلى خيمة تُحيطها النباتات، والخضراوات، كأنها جنة صغيرة، تحمل من القصص آلاف الحكايات، ساقيةً بما تحمل من ماء هذه الشتلات الصغيرة، مكررة هذه العملية لمرات عديدة، بالابتسامة التي لا تُفارق مُحيّاها.
وبعد أن أعياها التعب تتوقف للحديث مع جارتها عن زيادة مساحة حديقتها التي تحيط بمدخل خيمتها، في محاولة منها لجعلها تشبه حديقة منزلها الذي تهجّرت منه على وقع احتلال مدينتها من قبل المحتل التركي قُبيل سنوات، إلا أن اكتظاظ المخيم بالخيام يحول دون ذلك.

قصة وطن في بذوره
قبل أربع سنوات، تهجّرت وردة ويس عبد القادر ذات الـ 27 عاماً مع أطفالها، من ريف مدينة سري كانيه، ولجأت العائلة إلى مخيم واشو كاني المُكتظ بالقرب من مدينة الحسكة، حيث يعيش نحو 2360 عائلة مُهجّرة، واختارت وردة أن تخصص لنفسها مساحة بالقرب من خيمتها، وتزرعها ببذور هُجّرت معها، وتقول: “إنني حاولت قدر المستطاع أن أجعلها أشبه بمنزلنا القديم، في محاولة مني لعدم نسيان رائحة الوطن”، بعد أربع سنوات من التهجير، رغم إدراكها أنّ “الخيمة لا تُغني أبداً عن المنزل، وإن كانت على مستوى من الجمال والترتيب، وإن حملت بقايا من الوطن”.
لا ترى وردة نباتاتها مجرد مصدر رزق لها، وبديل يغنيها عن خضار السوق فقط، فهي تجد فيها الصديقة، والمؤنسة من قسوة العيش في مخيم يفتقر إلى أبسط سُبل الحياة، فبين تلك النباتات، وشتلات الخضار تجد وردة رائحة الوطن، فكلما حاصرت روحها الحياة اتجهت إلى حديقتها، تزيح الأعشاب الضارّة عنها، وتداعب ورقات النعناع، بتلك الثواني تعود إلى حديقة منزلها المسلوب.
تابعت وردة: “هذه البذور تعرِف الحكاية، فمن اليوم الأول الذي عزمت فيه على زرعها كنت أُسقيها بقصصي عن وطني، وقريتي الجميلة بريف مدينة سري كانيه، فباتت تُذكرني بالأماكن كلما نسيتها”.
صعوبات وأحلام بالعودة
لا تتعب وردة من مجالسة شتلاتها حتى تكبر، فهي تعطيها الحب والرعاية، مُنتِجة ثمار تستطيع من خلالها تلبية حاجة أطفالها من الخضار، وتغنيها عن اللجوء إلى سوق المخيم لشراء هذه الخضراوات بأسعار مرتفعة، وزرعت وردة مؤخراً أنواع جديد من النباتات، والخضراوات، كما أخبرتنا عن عرائش ورق العنب.
كما تقوم وردة بإنتاج البذور من حديقتها، فتترك بعض النباتات حتى تكبر، وتكتظ بالبذور لتُخزّنها للعام القادم معاودةً زراعتها ثانيةً، وعن الصعوبات التي تواجه وردة في العناية بالنباتات تقول: “إن خزانات الماء بعيدة، بالإضافة إلى التربة القاسية التي نزرع فيها الخضراوات بحاجة إلى أسمدة، فقد كنت سعيدة جداً عندما شقّت أول نباتاتي طريقها من التربة القاسية، لِتزهر مع صديقاتها، فهي تشبه مقاومتنا داخل المخيم”.
واختتمت وردة حديثها قائلةً: “أتمنى العودة إلى منزلي، لأزرعها من جديد، ببذور سأحملها معي من المخيم، فهي أيضاً مثلنا تحلم بالعودة”.