رامان آزاد_
مئات الأشخاص من جنسياتٍ مختلفة بينهم سوريين تكدسوا في تابوت عائم يفتقر لأدنى شروط السلامة، فابتلعهم البحر دفعةً واحدةً، في حادثٍ يعدُّ الأكثر كارثيّة على مدى سنوات، ولم يقصد الضحايا الانتحار، رغم معرفتهم أنّ الرحلة محفوفة بالمخاطر، ولكنهم وجدوا أنّ الحلمَ الذي تراءى لهم على الضفةِ الأخرى بعدما ضاق بهم البر، يستحقُّ المغامرةَ، والمفارقة أنّ الحكومات والدول التي تنعى الضحايا هي نفسها سبب الفواجع.
نحو 600 ضحية في حادث واحد


تعرّض مركبٌ يقلُّ 750 من المهاجرين قبالة سواحل جنوب غرب اليونان للغرق، وفي إحصاء أوليّ أعلن عن وفاة 78 شخصاً، وأعلن خفر السواحل أنَّ مركبَ الصيد الذي كان يحمل الضحايا انقلب في المياه الدوليّة قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانيّة، وأدّت عملية الإنقاذ الضخمة التي بدأت صباح الأربعاء إلى إنقاذ 104 أشخاص نُقِلُّ أربعة منهم إلى مستشفى في بلدة كالاماتا في جنوب بيلوبونيز. فيما اعتُبِر باقي الركاب في عِداد المفقودين.
وقالت وكالة فرانس برس نقلاً عن إفادات ناشطين وأهالي: إنّ 120 سوريّ على الأقل كانوا على متن قارب المهاجرين الذي غرق الأربعاء قبالة السواحلِ اليونانيّة. ولا يزالُ الجزء الأكبر منهم في عداد المفقودين.
ووفق بعض المصادر؛ فإنّ 12 مهاجراً على الأقل من مدينة كوباني كانوا على متن المركب، ولا تتوفر حتى اللحظة إحصائية دقيقة لعدد الضحايا والمفقودين السوريين أو الناجين. ووفق مركز توثيق الانتهاكات تمَّ التأكد من أربعة ناجين من أهالي كوباني، وهم: رغيان عادل أحمد، آزاد فاروق جموجي ــ قرموغ، علي فوزي شيخي، خالد مصطفى عمر ــ مدينة كوباني. واعتبر ستة مواطنين من مدينة كوباني في عِداد المفقودين: محمد عبد الفريد أحمد، أحمد بوزان شكري، محمد فوزي شيخو، وليد قاسم، ديار محمد محمد، كانيور أحمد.
وقالت الناطقة باسم خفر السواحل إنَّ الناجين “كلّهم رجال”، مشيرةً إلى احتمال أن تكونَ نساء وأطفال ضمن المفقودين. وأشارت السلطات إلى أنَّ الناجين هم 47 سوريّاً و43 مصريّاً و12 باكستانياً وفلسطينيان، وقال نيكولاوس أليكسيو، أحد أفراد خفر السواحل، للتلفزيون العام إنَّ القاربَ غرق في جزءٍ من أعمق أجزاء البحر المتوسط، ولم يكشف عن جنسيات الضحايا بعد.


وقال رئيس قسم أمراض القلب مانوليس مكاريس إنَّ الناجين “قالوا إنَّ أطفالاً كانوا في مُقدمة القارب، أطفال ونساء”. وقال أيضاً إنّ المرضى زودوه بأرقام تقديريّة. وأضاف: “أحدهم أخبرني عن 100 طفل وآخر عن خمسين طفلاً، لذا لا أعلم الحقيقة – لكن (العدد) كبير”. وقال مكاريس إنّه يعتقد إن ما يصل إلى 600 شخص لقوا مصرعهم في هذه الكارثة. وأكد أن “العدد الدقيق لجميع من كانوا على متن القارب كان 750 شخص. هذا هو العدد الدقيق الذي أخبرني عنه الجميع”.
وأكّد المتحدث باسم الحكومة إيلياس سياكانتاري الأربعاء أن شهوداً قالوا إنَّ عدد الركاب لا يقلّ عن 750 شخصاً، وقال لقناة “إي أر تي” العامة “لا نعلم ما هو عدد الذين كانوا بداخل المركب، لكن نعلم أنّه من المعتاد أن يغلقَ عليهم المهربون المنافذ بغية إبقاء الأمور على متن المركب تحت السيطرة”.
وعرضت قنوات تلفزيونية يونانيّة صور ناجين يضعون بطانيات رماديّة على أكتافهم وأقنعة صحيّة على وجوههم وهم ينزلون من يخت أنقذهم يحمل اسم “جورج تاون”، فيما تمَّ حمل آخرين على نقّالات. وزارت رئيسة الجمهورية كاترينا ساكيلاروبولو المكان. وأعلنت اليونان الحداد ثلاثة أيام حتى السبت بعد المأساة التي وقعت قبيل الانتخابات التشريعية المقررة في 25/6/2023، وعلّق السياسيون حملتهم الانتخابية وهي الثانية في شهر.

وقالت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في اليونان ستيلا نانو، إن عمليات البحث عن ناجين متواصلة، مع العلم أنه كلما طال الوقت تضاءلت فرص العثور على أي منهم. وبحسب حصيلة رسمية، انتشل خفر السواحل اليونانيّ 78 جثة الأربعاء، وأكّد خفر السواحل اليونانيّ لشبكة CNN، عدد الضحايا نفسه الذين تأكدت وفاتهم.
وصدر بيانٌ مشتركٌ عن المنظمة الدوليّة للهجرة IOM التابعة للأمم المتحدة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. جاء فيه: “هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لمنع المزيد من الوفيات في البحر، لا سيما بعد كارثة قارب مهاجرين قبالة اليونان”. وقال فيدريكو صودا، مدير الطوارئ في المنظمةِ الدوليّة للهجرة إنَّ “التقارير تفيد بأنَّ محنةَ القارب بدأت صباح الثلاثاء”. وأضاف: “من الواجب إنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر في البحر دون تأخير، وهي قاعدة أساسيّة في القانون البحريّ الدولي”، حسب البيان نفسه.
وأعلنت سلطات الموانئ اليونانيّة أنّ القاربَ شوهد بعد ظهر الثلاثاء من طائرة تابعة لوكالة مراقبة الحدود الأوروبيّة (فرونتكس)، لكنّ المهاجرين الذين كانوا على متنه “رفضوا أيّ مساعدة”. وأظهرت صورة غير واضحة نشرها خفر السواحل مركب صيد قديم أزرق محملاً بالناس من مقّدمته حتى مؤخرته وعلى السطح أيضاً. ولفتت السلطات إلى أنّ القارب أبحر من ليبيا باتّجاه إيطاليا. وأوضح خفر السواحل، أنَّ المأساة وقعت ليل الثلاثاء الأربعاء على بعد 47 ميلاً بحرياً من بيلوس في البحر الأيونيّ، ولم يكن أيّ من الركاب يرتدي سترةَ نجاةٍ.
وذكرت تقارير يونانيّة، إنّ القارب انطلق فارغاً من مصر وتوقف عند ميناء طبرق في ليبيا، حيث حمل المهاجرين متوجهاً إلى إيطاليا، ولا تزال فرق الإنقاذ تبحث عن ناجين في المنطقة التي غرق فيها القارب. وأعلنت القناة الرسمية اليونانيّة الشرطة اليونانيّة قامت بتوقيف تسعة أشخاص بينهم مصريين، بشبهة الإتجار بالبشر، وكان هؤلاء الرجال من بين الناجين، واقتيدوا للمثول أمام المدعي العام في كالاماتا الجمعة، على أن يمثلوا أمام قاضي التحقيق الاثنين. وما زال 27 شخصاً في المستشفى، بينهم أحد الموقوفين، وفقاً لخفر السواحل.
وتعرّض خفر السواحل اليونانيّ لانتقادات بسبب عدم التدخّل في وقتٍ مبكر، لكن السلطات قالت إن طلبات المساعدة التي قدمها أفراد خفر السواحل رُفِضت.
ويفيد الجدول الزمنيّ الذي قدّمه خفر السواحل بأنّ أول اتصال بمركب الصيد جرى الساعة 14:00، بحسب التوقيت المحليّ، ولم يقدّم أيّ طلب للمساعدة. وأجرت وزارة الشحن اليونانيّة اتصالاتٍ متكررة بالقارب، وقيل لها مراراً إنَّ السفينة تريد الإبحار إلى إيطاليا، وأضافوا أنَّ سفينةً ترفع علم مالطا قدّمت الطعام والماء في حوالي الساعة 18:00، وقدّم قارب آخر المياه، بعد ذلك بثلاث ساعات.
وحوالي الساعة 01:40 صباح الأربعاء، قيل إنَّ شخصاً على متن القارب أبلغ خفر السواحل اليوناني بتعطلِ محرك السفينة، لينقلبَ المركب بعد ذلك بوقت قصير، ويغرق خلال 10 ــ 15 دقيقة، وتبدأ عملية البحث والإنقاذ في ظروفٍ معقّدةٍ بسببِ الرياحِ العاتية، وفي أعمق موقع في المتوسط يتجاوز5200 م، ما يعرقل أيّ جهدٍ لتحديد موقع السفينة الغارقة.
وبحال تأكيد هذه الأرقام، فالحادث سيكون ثاني أخطر تحطم لسفينة في البحر المتوسط، بعد حادث 18/4/2015، عندما جنحت سفينة انطلقت من ليبيا وعلى متنها 800 شخص، لدى وصول سفينة شحن برتغالية غيّرت مسارها لتقديم المساعدة بطلبٍ من خفر السواحل الإيطاليين الذين لم يعثروا إلا على 28 من الناجين و24 جثة.
وفي 3/6/2016 قضى فيها 320 مهاجر على الأقل في حادثِ غرق مركبٍ على متنه 700 شخص على الأقل، على بُعد 75 ميلاً جنوب جزيرة كريت في اليونان، وأنقذت خمسة سفنٌ تجاريّةٌ، شارك بعملياتِ البحث 340 شخصاً، وانتشلوا تسع جثث.
هجرنَ البر ورجعنَ جثامين


وصلت إلى عفرين المحتلة، الجمعة 16/6/2023 جثامين ثلاث فتيات فقدنَ حياتهنّ بغرق مركب في بحر إيجه، بتاريخ 25/5/2023، وذلك بعد عراقيل تسببت بها السلطات اليونانيّة والتركيّة، ورفضتا تسليم ومرور الجثامين بحجّة عدم وجود وثيقة إثبات شخصيّة أو هوية صادرة عن حكومة دمشق حصراً، رغم وجود بطاقات شخصيّة صادرة عن المجلس المحليّ التابع لسلطات الاحتلال التركيّ.
والفقيدات هن: شيرين علي كالو قرية كرزيله/ قرزيحل، جوليانا نديم نجار (18 سنة) قرية كيمار، زينب صبري فارس (16 سنة) قرية معملا/ معمل أوشاغي ــ راجو. وبلغ عدد ضحايا غرق المركب تسعة بينهم سبع نساء، وعدد السوريين ستة.
وأبحر القارب الجمعة 26/5/2023، من تركيا باتجاه اليونان في محاولة للهجرة إلى الدول الأوروبيّة، وارتطم قبالة سواحل بصخرةٍ قبالة جزيرة ميكونوس ما أدى لانقلابه وغرقه الساعة السادسة صباحاً تقريباً. وبحسب إفادة الناجين اللذين سبِحا إلى شاطئ ميكونوس وهما سوريّ وفلسطينيّ، كان القارب يحمل على متنه 17 مهاجراً بينهم طفلة عمرها سبع سنوات، ولم يكنِ الركاب يرتدون سترات النجاة.
ولاحقاً ارتفع عدد الضحايا إلى تسعة بينهم سبع نساء ومن الضحايا السوريين ممن تم التعرف على جثامينهم: لينا المحمد بنت علي (23 سنة) ــ الرقة، عبير محمد عثمان (40 سنة) ــ حلب، علي علي مصطفى (51 سنة).

فاجعة عائلة من عفرين
في 5/6/2023، أدى تعرّض مركب لحادث قبالة سواحل الجزائر إلى وفاة 26 شخصاً بينهم نساء وأطفال كانوا على متنه بينهم 18 سوريّاً بينهم نساء وأطفال، وثمانية مواطنين جزائريين”. ووقع الحادث بعد ساعة من انطلاقهم من مدينة الارهاط بولاية تيبازة الجزائريّة باتجاه إسبانيا وأُبلغ عن غرقه بعد ساعات”. وأُبلغ عن وفاة سوريين اثنين أحدهما يدعى (محمود محمد رشو) وآخر جزائري بعد ساعة من انطلاق القارب.
من بين الضحايا الشاب شيار محمد خليل (٣٦ سنة) من أهالي قرية نازا بناحية شرّان وزوجته جميلة محمد علي وطفلاهما آياز (ستة أشهر) وآزاد (خمس سنوات) وآخرون معظمهم من كوباني.
شيار سبق أن فقد زوجته سوزان علي والدة ابنه آزاد قبل نحو سنتين في مدينة قامشلو برصاصة طائشة، فتوجه إلى هولير ومعه ابنه، حيث تزوج للمرة الثانية من زوجته جميلة من أهالي سري كانيه، وقرر الزوجان الهجرة إلى أوروبا عن طريق شمال أفريقيا، وعبر ليبيا وصلا الجزائر وخلال إقامته فيها لنحو سنة أنجبت زوجته طفلها آياز، وفي سياق محاولات الهجرة تعرّض شيار لعملية احتيال وكان قد دفع مبلغ ١٢ ألف دولار بغاية السفر.
يُذكر أنّ شيار غادر عفرين بعد احتلالها إلى قامشلو، وفي 7/7/2021 توفيت زوجته الأولى سوزان أحمد علي (29 سنة) بسبب إصابتها برصاصة طائشة في الرقبة أثناء وجودها في حديقة عامة مع طفلها آزاد، في ليلة صدور نتائج الثانوية العامة، وكانت سوزان تترقب مولوداً حينها.
في 3/3/2023 فقد 25 مهاجراً سوريّاً، حياتهم؛ نتيجة بحادث غرق مركب في البحر المتوسط قبالة مدينة طبرق الليبيّة؛ خلال توجهه إلى إيطاليا. ومن بين الضحايا: حجي ويسو أحمد (29 سنة) وشقيقه محمود ويسو أحمد (30 سنة) وزوجته بريفان محمد فتحي (27 سنة) وأولادهم: ألند (7 سنوات) ولفند (5 سنوات) وفؤاد (4 سنوات) من قرية بير مامي جنوب شرقي مدينة كوباني، وبكر محمود (30 سنة) من قرية قجك شرقي إضافة لثلاثة أشخاص من كوباني أيضاً ومن بين المفقودين المواطنة عايدة حميد آغا وابنتيها آية محمد، ديانا محمد من قرية ميدان اكبس ــ عفرين، كانوا يقيمون في حلب الشيخ مقصود، وانتقلوا إلى لبنان، حيث بقي الأب بقي في لبنان.
ركِبوا الموج فعادوا إلى مسقط رأسهم في نعوشٍ
فاجعتان في أقلِ من 24 ساعةٍ وقعتا في المياه الإقليميّة الجزائريّة قُبالة مدينة وهران بغرقِ مركبين الأول ليلة الثلاثاء 4/10/2022، والثاني فجراً بفاصل ساعات، وقضى بنتيجته عدد من السوريين كانوا في الطريق إلى أوروبا معظمهم من أبناء كوباني، وعدد الضحايا المُعلن 12، إضافة إلى ستة آخرين اُعتبِروا في عدادِ المفقودين، فيما نجا أربعة أشخاص فقط. وتعرّف أهالي الضحايا على جثامين خمسة من أبنائهم، وأشار طبيب سوريّ وعضو اللجنة المكلفة بمتابعة الحادثة إلى وجود اثنين من الضحايا السوريين أيضاً من اللاذقية وحلب.
وعقب الكشف عن الحادثة والتعرّف على الضحايا شكّلت “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا لجنة لمتابعة تفاصيل الحادثة، وبدأت إجراءات استعادة الجثامين، لإيصالها إلى ذويهم في كوباني. وعلى مدى أكثر من شهر تمكنتِ اللجنةُ من إتمامِ الإجراءاتِ القانونيّةِ المتعلقة باستعادة جثامين الضحايا، بالتنسيق مع السلطاتِ الجزائريّة واللبنانيّة ونقلها جواً من الجزائر إلى الدوحة ومنها إلى بيروت التي وصلت إليها النعوش واستلمها الصليبُ الأحمر اللبنانيّ، والذي بدوره سلّمها إلى الهلال الأحمر السوريّ في معبر العريضة لتصل في 9/11/2022 وتوارى الثرى في قراهم.
حوادث البحر لن تنتهي، ما لم تُحلّ القضايا الأساسيّة المتعلقة بالمعيشة على البر، فركابُ الموجِ ليسوا انتحاريين يقصدون الموتَ، بل هم طلاب الحياة، تراءى لهم أنّ فرصةَ الحياة أفضل على الضفة الأخرى من البحر، ولكن الموج خذلهم، فلم يسعه أن يحمل حقائب الأحلام.