سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أمن الملاحة في الخليج: فرص وإمكانيات الاستقرار

حميد المنصوري (كاتب ومحلل سياسي)_

عَلامَ تنطوي خطوة الانسحاب الإماراتي من القوة البحرية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة والتابعة إلى الأسطول الخامس والقيادة المركزية الأمريكيةCENTCOM””؟ ويمكن القول بأن الانسحاب مصحوبًا بالكثير من التراكمات في السياسة الأمريكية في أمن الخليج خاصةً سياسة إدارة الصراع مع إيران، إلى جانب تطوّر علاقات دول المنطقة مع روسيا والصين، وأهمية المساعي لاستقرار منطقة الخليج والحفاظ عليها بكونها مركزاً للتجارة والتنمية الدولية، وهذه المساعي كانت واضحة عبر التصريح الإماراتي الرسمي “بأن انسحابها جاء عبر الرغبة في الالتزام بالحوار السلمي والوسائل الدبلوماسية كطرق لتعزيز الأهداف المشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين”.
على الرغم من أن واشنطن مسؤولة دوليّاً على تأمين نفاذ النفط إلى الدول حول العالم، إلا أن فعالية الدور أصبحت متراخية إلى حدٍ كبير، فسلسلة الحوادث والاعتراض والعرقلة والاعتداء من قبل إيران على حركة النقل النفطي في مياه الخليج مازالت مُستمرة، وهي تأتي في إطار ومسار متكرر لمحاولة فك الخناق على الصادرات الإيرانية من النفط في ظل العقوبات الأمريكية المرتبطة بالملف النووي والمفروضة عام 2018 بشكلٍ صارم حين انسحبت واشنطن من الاتفاق الدولي بخصوص الملف النووي الإيران، ومن الدوافع لتلك الأفعال، تقوية موقف طهران في التفاوض في الملف النووي، وكذلك تعزيز استمرار نظام إيران الذي أصبح متصدعاً في علاقة مع هويات الشعب الإيراني، وتتنوع الأسباب لدى إيران لتبرير سلوك الاعتداءات على الملاحة البحرية والحركة التجارية من المعاملة بالمثل لوقف واعتراض سفنها وحمولاتها، والتصادم مع زوارق إيرانيّة، وأيضًا بدعاوي أخرى كالتهريب والتلوّث والتفتيش، على سبيل المثال، مؤخراً، تمكنت إيران من الاستيلاء وحجز ناقلتي نفط في 27 نيسان والثالث من أيار على التوالي، حيث الأولى كانت تحمل نفط من الكويت إلى هيوستن/ تكساس، لصالح شركة شيفرون، والثانية كانت ناقلة ترفع علم بنما تُبحِر حول ساحل الإمارات والتي اعترضها الحرس الثوري، وفي سلسلة الحوادث نجد احتجاز الحرس الثوري ناقلتي نفط يونانيتين في الخليج بعد أن حجزت أثينا حمولة نفط إيرانية على متن ناقلة روسيّة في 2022، وكان الحرس الثوري قد احتجز أيضًا ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز في 19 يوليو 2019 رداً على احتجاز قوات مشاة البحرية البريطانية ناقلة نفط إيرانية، وهذا ما حدث مع ناقلة نفط تابعة لكوريا الجنوبية في الرابع من كانون الثاني 2021، وهذه الاعتداءات تُعيدنا إلى فترة الاعتداءات على السفن في الثمانينات والتسعينات في الخليج، ومن الأهمية بمكان بأن هذه الأعمال تخدم روسيا في ظل حربها على أوكرانيا المدعومة من المنظومة الغربية الليبرالية، وثمة حقيقة وهي بأن واشنطن لا تفرض عقوبات صارمة على صادرات إيران بالنفط بسبب إبقاء أسعار الخام العالمية مقبولة، وجعل نظام الملالي قابل للاستمرار لأهداف منها جعل الخطر الإيراني مُحفزًا لتوسّع العلاقات الدبلوماسية والأمنية والتجارية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الاستراتيجية تأثرت بشكلٍ سلبي ومُعاكس في ظل نجاح الوساطة الصينية في إعادة العلاقات بين الرياض وطهران مؤخراً.
ولعل الانسحاب الإماراتي من القوة البحرية متعددة الجنسيات بقيادة واشنطن يعيد على الأذهان بعض التوترات والاختلافات في التوجهات السياسية الإقليمية والدولية بين أبو ظبي وواشنطن، على سبيل المثال، في يناير 2022 كان هناك هجوم من المتمردين الحوثيين المدعومين من ملالي إيران على مطار أبو ظبي، حيث لم ينل هذا الحادث الاهتمام الكبير من واشنطن، وحتى عندما أرسلت واشنطن تعزيزات عسكرية لاحقًا، طلبت من الإمارات دفع ثمن التعزيزات العسكرية الإضافية في أعقاب هذه الهجوم.
ومن الاختلافات السياسية، نرى بينما واشنطن تسعى لوضع قانون الكبتاجون الذي يحوّل الرئيس السوري إلى مطلوب دوليًا بسبب تجارة المخدرات بالإضافة إلى قانون قيصر الذي يمنع ويعاقب على العلاقات مع نظام بشار، فإن الإمارات تحركت بخطوات مدعومة عربياً من قبل السعودية ومصر في إعادة نظام بشار إلى الإطار العربي، وفي أثناء هذه التحركات تحسنت العلاقة بين طهران وأبو ظبي عبر تعيين سفير لها في إيران 2022، بعد خفض مستوى العلاقات بين البلدين عام 2016.
ويعكس الانسحاب الإماراتي أهمية كبيرة في ظل ما تقوم به واشنطن على تعزيز قوة بحرية تابعة للبحرية الأمريكية في الأسطول الخامس للضغط على إيران في ظل تعثّر المحادثات في الملف النووي الإيراني وإيجاد اتفاق، علاوةً على ذلك، تأتي هذه القوة لمعالجة مخاوف الحلفاء من تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وعلى الجانب الآخر، فهذا الانسحاب من أبوظبي يتقدم نحو تعزيز فرص المصالح المشتركة في تحقيق أمن الخليج عبر الوسائل الدبلوماسية، فليس هناك أي دعم إماراتي نحو إنشاء استراتيجية لمواجهة إيران عسكريًا في مياه الخليج، وهي بذلك مدفوعة بنجاح الدور الصيني في إعادة العلاقات بين طهران والرياض وتوقف التهديدات الحوثية على السعودية، ولعلنا سنشهد مزيدًا من التنسيق الأمني بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي برعاية صينية وحتى روسيّة.
ومن الأهمية ذكر بأن هناك خلاف بين واشنطن وأبو ظبي مرتبط بعدم فرض قيود صارمة على الحركة المالية والتجارية الروسية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الملاحظ بأن الدول العربية الفاعلة حافظت على مسافة مقبولة بين واشنطن وروسيا والصين في ظل الخلافات حول الحرب الأوكرانية الروسية والتهديدات الصينية ضد تايوان، والتي تحفظ الكثير من مبادئ العلاقات الدوليّة والمساعي الحميدة مع الاهتمام بالمصالح في منظور بعيد المدى.
حقيقةً، الإمارات تُدير العلاقات الإقليمية والدوليّة بحكمة تحتوي على علاقات تعاون ومصالح أمنية مشتركة رغم وجود حلقات من الصراعات، وهذه العلاقات الممزوجة بالتعاون والصراع تكون حاضرة دائماً في إطار الدول المتجاورة حدودياً والمشتركة في إقليمٍ ما.
ومع كل ما تم عرضهُ وتحليلهُ هنا في المقالة بخصوص انسحاب أبو ظبي من القوة البحرية بقيادة واشنطن، قطعاً، مازالت تعتبر أبو ظبي حليفًا مهمًا لواشنطن رغم اختلاف توجهاتها السياسية الإقليمية والدولية، وهذا الأمر انعكس على تصريح المتحدث باسم القوات البحرية المشتركة، الذي قال: بإن القوة العسكرية الإماراتية تظل شريكة على الرغم من تعليق مشاركتها.