بيريفان خليل_
خطة ومؤامرة لبنانية واسعة النطاق، وفعل غير قانوني، سعت إليه الحكومة اللبنانية بترحيل اللاجئين السوريين قسرا إلى الأراضي السورية، وقد وصفت هذه الخطوة بتسميات مختلفة، من متابعي الأحداث منها، تواطؤ لبناني مع حكومة دمشق، فيما قابلت الإدارة الذاتية هذه الخطوة بجانب إنساني في استقبال اللاجئين السوريين بأراضيها.
كانت لبنان أولى الوجهات من بين الدول العربية، التي لجأ إليها السوريون بعد وقوع الأزمة عام 2011، فكانت أعلى نسبة لجوء سوري عالمياً، مقارنة بمساحة لبنان، وعدد سكانه (ستة ملايين نسمة)، حيث قدر الأمن العام اللبناني مؤخراً عدد السوريين هناك بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملك أوراقاً نظامية، إضافة إلى وجود ما يقارب 3100 مخيم عشوائي، معظمها بالبقاع والشمال.
الحكومة تحمي ذاتها بالقانون
في صيف 2022 أعلنت الحكومة اللبنانية عن خطة لإعادة السوريين إلى بلادهم، وتسليمهم للأمن العام، وقد نفذت هذه الخطة بشكل نسبي على شكل رحلات قوافل، إلا إنها فشلت لمعارضة السوريين لهذا القرار. وبعد قرابة عام من وجود هذه الخطة، بدأت الحكومة قبل أيام بترحيل السوريين، كما سميت بالتهجير القسري إلى سوريا. وتحمي الحكومة نفسها من مثل هذا الإجراء بعدم توقيعها على اتفاقية اللجوء الدولية سنة 1951، لذا يمنح لبنان السوريين صفة النازحين وليس اللاجئين؛ ما يحرمهم من حقوقهم كالحماية من الترحيل.
وادعى المسؤولون في الحكومة، ومن الأحزاب السياسية، بأن الأزمة الاقتصادية، هي أحد الأسباب بالقيام بهذا الإجراء، إلا أن الاجراءات المختلفة التي قام بها لبنان بشأن المهاجرين، كشفت بأن الحكومة تسعى لإعادة السوريين إلى النظام الإجرامي، الذي هجرهم في إشارة إلى حكومة دمشق.
ووسط الرفض القاطع من السوريين، بعدم العودة إلى بلدهم، تصر الجهات الرسمية اللبنانية على ترحيل السوريين “العودة غير الطوعية”.
ومن أجل إيقاف التظاهرات، التي قام بها السوريون، وساندهم في ذلك الشعب اللبناني، أصدر وزير الداخلية بسام المولوي كتاباً منع بموجبه مظاهرتين، إحداها كانت لدعم اللاجئين السوريين.
دعم شعبي للاجئين السوريين
وبعناوين مختلفة، ولكنها مشتركة في المبدأ تناولت الوسائل الإعلامية خبر تهجير السوريين القسري “اللاجئون السوريون في لبنان: معاناة في مواجهة الترحيل القسري” ووصفت هذه الخطة بالجريمة تارة، وتارة أخرى بغير القانونية، التهجير يعني الإعدام.
وبمبدأ الدعم والمساندة أطلق ناشطون سوريون وغير سوريين حملة عبر التواصل الاجتماعي بوسم، “أنقذوا السوريين في لبنان” داعيين من خلالها إلى وقف عمليات التهجير.
ودعا الناشطون إلى تنظيم وقفات احتجاجية في مناطق عدة من الشمال السوري تنديداً بترحيل اللاجئين السوريين من لبنان، الذين فروا من سياسة حكومة دمشق.
ومن الردود والتعليقات، التي شاركها الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هو تعليق الباحث التاريخي حسين السبعاوي الذي ضمن في تغريدته بأن كل ما يتعرض له الشعب السوري من مضايقات، هو من أجل أن يقبلوا بالحكومة الحالية، ويعودوا نادمين عن ثورتهم التي ثاروا بها ضد الحكومة، التي وصفها بالإجرامية، وجزم الخطوة بالقول “هذا تخطيط دولي لفرض بشار، ومن ثم أولاده وأحفاده على سوريا”.
ومن المغردين عبد المعين البعداني الذي رأى بأن السوريين ضحية لما تفعله الحكومات، وبأن ما تعمله السلطات اللبنانية باللاجئين السوريين “أمر غير أخلاقي، وليس من شيم العرب أن تسلم من استجار بك، إلى طاغـية قتل الأطفال بالكيماوي، وقصف المدن بالبراميل، وهجر نصف الشعب”، مشدداً “أنت بهذا العمل تعطي الضحية لجلادها، وتقول له أقطع عنقه”.
كما وغرد الناشط Riad Mustafa Kamal AlKhatib عبر التوتير معلقاً على هذا الموضوع بـ “جريمة كبيرة بحق السوريين في #لبنان ويجب التحرك بسرعة”.
وعبر تعليق آخر كشف، أن شاباً سوريا “أنس علي المصيطف” المنحدر من منبج، ينهي حياته منتحرا في لبنان، قبل أن يتم تسليمه وترحيله لحكومة دمشق، ناشرا وسم “لا # للترحيل القسري.
كما ونشر الناشط عمر مدينة وسم آخر “#انقذوا_السوريين_في_لبنان”، معداً رحيل اللاجئين إعدام، وبأن حفرة التضامن بانتظارهم.
بعد المناشدات حملات حكومية
على الرغم من مناشدات الشعب السوري واللبناني الداعم لوجهة نظره، ودعوة منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين السوريين خشية أن يتعرضوا “لتعذيب واضطهاد” حكومة دمشق، إلا أن السلطات اللبنانية تستمر بترحيل اللاجئين السوريين ضمن حملة واسعة النطاق وترحيل حكومي، مدافعين عن أنفسهم، بأن تواجد السوريين يخلق أزمة كيانية، ويساهم في تغيير النسيج الديمغرافي، مطالبين المجتمع الدولي بالتوقف عن الضغط على لبنان.
وسلمت السلطات اللبنانية، خلال شهر نيسان قرابة 50 لاجئاً سورياً لحكومة دمشق، وأفاد ناشطون بأنه تم ترحيل تسعة لاجئين سوريين ينحدرون من مدينة الزبداني، بريف دمشق إلى سلطات حكومة دمشق؛ وإلى الفرقة الرابعة يوم الأحد عن طريق معبر المصنع الحدودي بين سوريا ولبنان.
وأفاد ناشطون بأنه تم تحويل اللاجئين إلى المحكمة العسكرية في مدينة المزة، دون معرفة مصيرهم، والتهم الموجهة إليهم.
مبادرة إنسانية من الإدارة الذاتية
ضمن هذه الأزمة، التي خُلقت بترحيل اللاجئين السوريين وتسليمهم لحكومة دمشق، أعلنت الإدارة الذاتية عن موقفها الإنساني، وكشفت عن استعدادها لاستقبالهم.
وصرح الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد، لموقع الإدارة الذاتية، بأن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جاهزة لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان”.
وأبدى جيا كرد، استعداد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ضمن المبادرة، التي أطلقتها في 18 نيسان الجاري، “وكان هناك بند أساسي يضمن وضع اللاجئين واستقبال أهلنا من الخارج”، مضيفاً بأن “أبواب مناطق الإدارة الذاتية، مفتوحة لكل السوريين دون تمييز كواجب إنساني، وأخلاقي ووطني، انطلاقاً من حرصنا وإصرارنا على توفير مناخات أفضل”.
ودعا جيا كرد الأمم المتحدة إلى القيام بواجباتها وفتح ممر إنساني لتسهيل عودة هؤلاء اللاجئين من لبنان إلى مناطق الإدارة الذاتية.
وأشار جيا كرد: “جاهزون للاستقبال وتقديم الخدمات والعون ضمن إمكاناتنا”، معتبراً بأن “هذه المعضلة قضية إنسانية، ولابد من التعاون معًا لحلها، لأن بقاء هؤلاء اللاجئين في لبنان أو ترحيلهم قسراً لسوريا غير قانوني، ولا يتناسب مع قيم، ومعايير وقوانين حماية اللاجئين، ولابد من معالجة هذا الوضع بالسرعة القصوى، في ظل استعداداتنا وجهوزيتنا التامة لذلك”.
