سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تفكّك إسرائيل بين الخيال العربي والواقع السياسي العالمي

د. علي أبو الخير_

ما يحدث في الدولة الإسرائيلية من مظاهرات رافضة للإصلاحات القضائية، داعب خيال بعض الأحلام العربية، في تفكك الدولة العبرية سريعاً ونهاية الكيان الصهيوني، حيث رأى كثير من المحللين العرب، وشاركهم العوام على شبكات التواصل، أن خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين إلى الشوارع ضد حكومتهم على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، وتفعيل حالة من الاحتجاجات السلمية، للمطالبة بوقف الإصلاحات القضائية، بداية تفكك إسرائيل ووقوعها فريسة لحرب أهلية يهودية – يهودية، ينتج عنها هروب اليهود لشتات جديد أو البقاء منتشرين تحت حكم دولة فلسطينية.
ولم يذكر أحد من هما الفريقان اللذان سوف يشعلان حرباً أهلية داخل إسرائيل، هل بين الشرطة والشعب أم بين اليهود الشرقيين والغربيين أو كما يسمونهم أشكناز وسفارديم، ولو كان الأمر بهذه السهولة، لماذا لا يتدخّل الفلسطينيون أو العرب ويقومون بالتآمر على إسرائيل كما يتآمرون ضدنا.
بالإضافة إلى أن تلك المظاهرات الحاشدة ضد “بنيامين نتينياهو”، لم تمنع جيش الاحتلال من اقتحام الحرم القدسي، ولم تمنعهم من قتل الفلسطينيين الأبرياء، وكل ذلك يثبت أن الأحلام العربية ما هي إلا أحلام يقظة، لجأ إليها البعض، دون إدراك حقيقة الوضع السياسي في الإطار الصهيوني والعالمي، وهي أحلام يقظة كما قلنا، ليس لأن إسرائيل عصية على التفكك الجغرافي والسياسي، ولكن لضعف البنية العربية وهشاشة الموقف الإسلامي.
ولابد أن نذكر هنا بهذه المناسبة، ولا ننفك نذكرها أن العرب يتعاملون مع حقوق الشعوب بازدواجية، فهم مع حقوق الشعب الفلسطيني، ولكنهم ضد حقوق الشعب الكردي في الدول المختلفة، وهي ازدواجية، دائماً ما نكتب عنها، وهو استطراد لابد منه، عند التذكير بمظلومية الكرد ومظلومية الفلسطينيين.
نعود للآراء العربية الخيالية الحالمة بتفكك الدولة الإسرائيلية، فنجد مثلاً أن المظاهرات الهادفة للإصلاح القضائي يُعد مؤشراً جيداً على “حيوية المجتمع” الإسرائيلي وحرصه على الحفاظ على حقوقه المدنية، من تغوّل السلطة الحاكمة وتحوّل “إسرائيل” من دولة ديمقراطية إلى ديكتاتورية وهيمنة الأغلبية.
وهذه المشكلة برزت بكلّ وضوح خلال أزمة الإصلاح القضائي الذي تنوي حكومة بنيامين نتنياهو السادسة تنفيذها، وقبلها التوتر وخطاب الكراهية داخل المجتمع اليهودي في “إسرائيل”، الذي دأبت التقديرات الاستراتيجية الأمنية سنوياً على التحذير منه، وتوضيح أخطاره الإستراتيجية على أهم عامل في قوة “إسرائيل”، وهو الحصانة القومية المجتمعية.
الصراع الحقيقي في إسرائيل: لو بحثنا عن أسباب توقع البعض انهيار الدولة الإسرائيلية، نجدهم يفلسفون الأمور، بعضه حقيقي والآخر وهمي، الحقيقي في الموضوع أن الإصلاحات القضائية والاحتجاجات عليها كشفت أن هناك فريقين داخل المجتمع الصهيوني، كل فريق منهما مكون من مجموعة من الكتل:
الفريق الأول يقوده بنيامين نتنياهو، ويضمّ غالبية اليهود الشرقيين والحريديم والصهيونية الدينية واليمين المتطرف العلماني، ذو التوجهات الخطرة ضد المحكمة العليا، وهذا الفريق يمكن أن نسميه “الإسرائيليين الجدد” الذين لا ينتمون إلى الهوية الإسرائيلية ذات الأصول الأشكنازية العلمانية، التي أرادها الآباء المؤسسون لـ “إسرائيل”، بل يطالبون بتشكيل هوية إسرائيلية مغايرة، تحمل بصماتهم الأيديولوجية والسياسية والدينية، وهم يعتبرون أن المنظومة القضائية، وخصوصاً المحكمة العليا، تقف حائلاً بينهم وبين تحقيق ذلك.
الفريق الثاني هو تشكيلة واسعة من المتظاهرين والمعارضين، مكونة من أحزاب سياسية، وجمعيات أهلية وحقوقية، وقطاعات اقتصادية، وأكاديميين، وجنود وضباط احتياط داخل “الجيش” ووحداته العسكرية.
ومع التغيرات السياسية والاقتصادية التي مرت على “إسرائيل” في سنوات عمرها منذ عام 1948، بدأ هذا الفريق الثاني يكتسب مساحات، ويتقدم خطوات، وصارت قدرته على التأثير تتزايد، إلى أن أصبح منافساً بشكلٍ قوي على تسيّد المشهد السياسي في “إسرائيل”، وخصوصاً في العقدين الأخيرين.
موانع عدم السقوط: أما ما يمنع سقوط إسرائيل في فخ التفكك، وليس كما يتوهم الواهمون الحالمون بسقوط الكيان الإسرائيلي، أنها في النهاية دولة، رغم اغتصابها الأرض الفلسطينية، ولكنها دولة مُعترف بها من أكثر دول العالم، وعضو في منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها، ولها علاقات سياسية مع دول عربية وإسلامية، وتحميها القوى العالمية الإمبريالية، برؤية دينية توراتية، ورؤية سياسية رأسمالية براغماتية، وهو ما يمنع سقوطها، على الأقل في جيلنا والجيل الذي بعدنا.
والأحلام العربية لا تتحقق على أرض الواقع، إلا بصلابة الجبهات الداخلية للدول، وإعطاء الشعب الكردي حقوقه، وحق تقرير مصيره، بدلاً من الكيل بمكيالين، وهو حق غير قابل للازدواج أو التصرف، وهو أمر لو يعلمون عظيم…