أطفال يهجرون مقاعد الدرس ويعملون في مسح السيارات بإدلب

أجبرت الظروف المعيشية القاسية الكثير من أطفال إدلب على ترك مقاعدهم الدراسية، والتوجه للعمالة، بغية مساعدة عائلاتهم لتأمين قوتهم اليومي.

أمام قلة الفرص المتاحة لديهم، وعدم امتلاكهم المؤهلات، والمهارات للعمل، خلق الكثير من الأطفال فرصا للعمل، فتوجه البعض لمسح سيارات المارة في الشوارع الرئيسية، والدوارات وسط المدن والبلدات، ليحصلوا بالمقابل على القليل من المال، دون رقابة ولا وعي بالخطر الذي يحدق بهم.

فيعدو الطفل “إبراهيم المندو“، أحد عشر عاماً، سريعاً من رصيف إلى آخر، فهاجسه الوحيد الوصول إلى عدد أكبر من السيارات، ليعمد إلى مسح زجاجها، والحصول على بعض النقود، وحول ذلك قال: “إنني مضطر للعمل طوال اليوم، كي أستطيع تأمين القوت اليومي لأخوتي، وأمي التي تنتظرني مساءً، لأعود عليهم ببعض ما يقتاتون به، بعد وفاة والدي، الذي قتل بالقصف، الذي طال مدينتنا إدلب، أواخر عام 2020”.

ويحمل إبراهيم المندو، معدات بسيطة للعمل، مؤلفة من مساحة صغيرة، وقارورة، تحوي لترين من الماء، وبعض المنظفات، ليستعين بها في غسل زجاج السيارات، ليوبخه البعض، ويعطيه آخرون، لافتاً، إلى أنه يحلم بالعودة إلى المدرسة مجدداً ذات يوم، والذي يعد من أبسط حقوقه، غير أن ظروف حياته التي وصفها بـ “البائسة”، تمنعه من تحقيقه”.

إبراهيم المندو ليس الوحيد، وإنما باتت أعداد الأطفال المقبلين على هذا العمل في ارتفاع يومي، وسط النزوح والفقر والغلاء وسوء الأوضاع المعيشية، التي باتت تعصف بالسواد الأعظم من المدنيين.

فالطفل “ضياء المحمد”، والذي لم يبلغ العاشرة من عمره بعد، أن اتخذ مسح السيارات في شوارع مدينة سرمدا في إدلب، مهنة له، تغنيه الحاجة والسؤال، رغم أن هذه المهنة، هي أقرب للتسول منها للمهنة، نظراً، لإبداء السائقين عدم رضاهم عن الأمر، الذي يفرضه عليهم هؤلاء الأطفال، دون أن يتركوا لهم فرصة للقبول أو الرفض.

فقال “ضياء محمد“: “إن معظم السائقين، ممن أمسح سياراتهم يرددون عبارة “لطخت السيارة بدلاً من أن تنظفها”، ولكنهم يتعاطفون معي، ويمنحونني بعض النقود، بينما البعض يرفضون إعطائي النقود، ويوبخونني أيضاً”.

وأضاف: “فأنا مجبر للاستمرار في عملي هذا، كي أستطيع مساعدة والدي العاطل عن العمل، للإنفاق على عائلتي المؤلفة من ستة أخوة وأم وأب، بينما يقيمون في مخيمات عشوائية تفتقد لأدنى مقومات الحياة، بعد نزوحهم عن مدينتهم سراقب، بسبب الحرب في أواخر عام 2019”.

وبدورها قالت، المرشدة النفسية والاجتماعية “كريمة حاج حميدي“: “إن الفقر المدقع يدفع الكثير من الأسر لإرسال أطفالهم من أجل إعالتهم، متجاهلين الأضرار الكبيرة، التي تخلفها عمالة الأطفال على حياة الطفل بجانبيها النفسية والجسدية، كحرمان الطفل من التمتع بطفولته، والحصول على قدر مناسب من التعليم وتعريضه لظروف عمل صعبة لا تناسب حالته الجسدية والعقلية”.

وأشارت إلى، أن عمل الطفل في مسح السيارات قد تفضي إلى إصابات وأخطار ودهس، عدا ظروف العمل التي تعرضه للضوضاء، والحرارة الشديدة، أو البرد القارس والمواد الكيماوية، والمخاطر الميكانيكية والأبخرة والأتربة، كل ذلك يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض عديدة.

وأوضحت، أن من ضمن ما قد تسببه هذه المهنة، ظهور بعض العادات، والظواهر السيئة، مثل التدخين، وتعاطي المخدرات وغيرها، وهو ما يقلب ميزان القيم عند الطفل، ويصبح المال لديه أغلى من بعض ما تعارف عليه المجتمع من قيم.

وفي ختام حديثها، وضعت المرشدة النفسية والاجتماعية “كريمة حاج حميدي”، اللوم على سلطات الأمر الواقع، ومنظمات المجتمع المدني، التي لم تعطِ هؤلاء الأطفال أي اهتمام، ولم تتبنَ قضيتهم، وقضية عوائلهم، ومحاولة العمل على دعمهم، وإعادتهم مجدداً إلى مدارسهم وحياتهم الطبيعية.

وكالة أنباء المرأة