معبر تل كوجر.. بوابة اقتصادية ومكانة تاريخيّة

دجوار أحمد آغا_

يُعتبر معبر تل كوجر والذي يقابله من جانب باشور كردستان معبر ربيعة، الثاني من حيث الأهمية بعد معبر التنف/ الوليد الرئيسي في بادية حمص إلى جانب معبر البوكمال الذي يقابله القائم من الجانب العراقي وهي المعابر الرئيسية الثلاثة التي تربط سوريا والعراق، بالإضافة إلى معبر سيمالكا/ فيش خابور الذي يقع في مناطق شمال وشرق سوريا بمنطقة ديرك ويربطها مع إقليم كردستان عبر جسر مائي فوق نهر دجلة أقامته حكومة الإقليم.

الجدير بالذكر أن معبر القائم كان مغلقاً لمدة ثماني سنوات منذ بداية الأزمة السوريّة ومن ثم العراقية حتى أُعيد فتحه في 30 أيلول 2019 ليُعد معبراً حيوياً وشرياناً للتبادل التجاري بين البلدين.

تل كوجر الأصل

“كوجر” اسم كردي يُطلق على الرُحّل من العشائر الكردية، الذين ينزلون من الجبال في الربيع حيث المراعي. كانت هذه المنطقة تُسمّى “كري كوجرا” أي تل الكرد الرُحل أو كما هو متداول بين أهل المنطقة تل كوجر، بسبب نزول الكرد الرُحّل من الجبال إليها. الغالب منهم كانوا إيزيدية كونها تقع بالقرب من جبل شنكال، المعقل الرئيسي والديني للكرد الإيزيدية.

هذا الكلام يعود إلى ما قبل 300 سنة تقريباً، وكان يأتي إليها أيضاً بعض العشائر العربية بسبب المراعي المتوفرة وقربها من الجبال ونهر دجلة، منهم عشائر شمر والعنزة وطي، لكن بعد بناء الدولة السعودية، توجه قسم من سكان نجد وجبل شمر إلى هذه المنطقة في القرن التاسع عشر واستقروا فيها.

تأسيس البلدة

خلال فترة الاحتلال العثماني للمنطقة، عمدت ألمانيا الحليف الأقوى للسلطنة إلى مشروع مد سكة حديد من برلين مروراً بإسطنبول وصولاً إلى بغداد (قطار الشرق السريع)، ليستمر إلى الأراضي المقدسة (مكة المكرمة، المدينة المنورة) في السعودية. كان هدفها من هذا المشروع الوصول السريع إلى الهند والصين، أي طريق التوابل والحرير.

بدأ المشروع سنة 1912 لكنه لم يستمر بسبب الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1935 تم إنشاء محطة للقطار على الحدود التي تم رسمها بين منطقتي انتداب فرنسا (سوريا) وإنكلترا (العراق) هذه المحطة هي الأساس لبلدة تل كوجر، حيث بنى العمال الذين يعملون في المحطة سكناً لهم هناك ومن ثم سكن فيها العديد من أفراد العشائر الرُّحل الكردية والعربية.

ومع مجيء حكم البعث الشوفيني إلى المنطقة، قام بتغيير اسم البلدة الكردي من (كري كوجرا) إلى “اليعربية” نسبة إلى يعرب بن قحطان، هكذا كانت تجري عمليات التغير الديمغرافي على قدم وساق، كما قامت بتغير أسماء أكثر من 100 قرية كردية في المنطقة.

الموقع

تقع البلدة في منطقة روج آفا بشمال وشرق سوريا، وهي تتبع لديرك، التي تتبع بدورها لمقاطعة قامشلو في إقليم الجزيرة، ضمن مناطق شمال وشرق سوريا. يقابلها على الطرف الآخر بلدة ربيعة العراقية، وتبعد عن مدينة قامشلو كبرى مدن الجزيرة 85 كم وعن دمشق 650 كم. يحدها من الشمال ديرك وريفها ومن الجنوب وادي الرد بينما تقع سلسلة جبال شنكال شرقها في حين يجري نهر دجلة غربها.

أهمية معبر تل كوجر

احتلت بلدة تل كوجر أهمية في تاريخ المنطقة، حيث سهولها الخصبة كانت مرتعاً لمواشي الكوجر الرّحل، وكذلك لعشائر شمر والعنزة وطي العربية، التي وفدت إلى المنطقة بتسهيل وتشجيع من السلطات الإنكليزية والفرنسية المنتدبة في البلدين الناشئين سوريا والعراق، وذلك لتحقيق توازنات ديمغرافية على طرفي الحدود التي رسموها بحسب مصالحهم.

انتعشت البلدة ومعبرها خاصةً مع وجود سكة الحديد ومحطة القطار الواصل ما بين قامشلو في سوريا إلى الموصل في العراق، أصبح المعبر بوابة اقتصادية هامة للمنطقة؛ ما دفع بمرتزقة وكتائب مسلحة إلى السيطرة عليها خاصةً بعد انسحاب قوات النظام السوري عام 2012، وفي شهر تشرين الأول 2013 وبناءً على طلب الأهالي والعشائر تحركت وحدات حماية الشعب وحررتها من المجموعات المرتزقة، وأصبحت بالتالي جزءاً من مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

الأهمية الاقتصادية للمعبر

نتيجة الحرب التي تعيشها سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن، ونتيجة الحصار والعقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد السوري، وتدمير جزء كبير من القطاعات الاقتصادية جراء الحرب، فقد الاقتصاد السوري أكثر من 60 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي.

فأكثر من 80 بالمئة من الشعب السوري يعيش اليوم تحت خط الفقر، ومستوى التضخم هو ألفان بالمئة، والليرة السوريّة فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها. القدرة الشرائية لدى الشريحة الأوسع من الشعب السوري هي في الحد الأدنى.

 إن مناطق شمال وشرق سوريا لن تكون بمنأى عن هذه الآثار والتداعيات الاقتصادية السلبية، لذا يُعتبر معبر تل كوجر منفذاً هاماً جداً في تنمية المنطقة وتقديم المساعدات إلى اللاجئين والنازحين الموجودين في عشرات المخيمات في مناطق شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى كونه سيساهم في التواصل مع العالم الخارجي عن طريق بغداد، التي سوف تستفيد هي الأخرى بتصريف منتجاتها في أسواق شمال وشرق سوريا التي يقطنها ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة.

المواقف الدوليّة

بعد وصول الأزمة السوريّة إلى مستويات قياسية من التدمير والتشريد والحاجة إلى مقومات الحياة، وافق مجلس الأمن الدولي في عام 2014 على إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق عبر أربعة معابر حدودية مع كل من تركيا، العراق، والأردن دون موافقة الحكومة. من بين هذه المعابر كان معبر تل كوجر، استمر العمل وفق هذه الآلية، حتى كانون الأول 2019 حيث استخدمت كلاً من روسيا الاتحادية والصين حق النقض (الفيتو) ضد تمديد العمل وفق هذه الآلية، وبالتالي تم إغلاق معبر تل كوجر الرسمي الوحيد الذي يربط مناطق شمال وشرق سوريا بباشور كردستان والعراق.

يأتي الموقف الروسي ومعه الصيني في رفض السماح بإعادة فتح معبر تل كوجر ضمن سياسة الضغط التي تمارسها روسيا على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بهدف الحصول على تنازلات في ملف العلاقات مع حكومة دمشق، فحكومة دمشق ومن ورائها روسيا تريد أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل بدء الأحداث في سوريا، مع إعطاء نوع من الإدارة المحلية للمنطقة، وهذا الأمر مرفوض تماماً لدى شعوب المنطقة قبل الإدارة الذاتية. هذه الشعوب التي استنشقت عبير الحرية وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى لن تسمح بعودة الأمور إلى الوراء إطلاقاً. وكذلك الإدارة الذاتية التي أصبحت واقعاً حقيقياً معاشاً على الأرض.

لذا يجب على العالم؛ أن ينظروا إلى الأمر من هذه الزاوية، الشعوب هنا بحاجة ماسة إلى افتتاح هذه المعبر مجدداً، ويمكن للمجتمع الدولي أن يقدم مساعدات عن طريقه دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي، لا بد من الإسراع في فتح هذا المعبر خاصة بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في السادس من شباط المنصرم من العام الجاري 2023.