بيريفان خليل_
تسعى العديد من الأنظمة، وبالوسائل إلى محو هوية الكرد ووجودهم، لذا فاستهدافهم بعيدهم القومي وحرمانهم من الاحتفال بهذا اليوم المقدس، أصبح حريمة اعتيادية، فمجزرة جندريسه التي وقعت في جندريسه بعفرين المحتلة، واعتقال الكرد في باكور كردستان، واستهداف قوات الكريلا في مناطق الدفاع المشروع أدلة فاضحة لمحاولات النظام التركي لقمع شعلة المقاومة في نوروز هذا العام.
جرح بعد آخر
في الوقت، الذي لم يضمّد أهالي عفرين جراحهم، منذ احتلال تركيا لأراضيهم منذ خمس سنوات من جهة، ومن جهة معاناتهم عقب الهزة الأرضية، التي ضربت سوريا في السادس من شباط المنصرم، حل النوروز عليهم هذه السنة، ودم أبنائهم تسيل بيد مرتزقة تركيا، ففي جندريسه المنكوبة، وقبيل عيد النوروز، أقدم ما يسمى “أحرار الشرقية” التابعين للمحتل التركي على قتل ثلاث أخوات، ونحر آخر بدم بارد لدى إيقادهم شعلة النوروز على سطح منزلهم مساء العيد.
مجزرة نوروز حدثت في شارع 16 بناحية جندريسه المحتلة بحق أربعة كرد من عائلة واحدة في مشهد تتضح صورة العداء للشعب الكردي من جهة، ومن جهة أخرى تكشف الذهنية، التي قتلتهم هي نفسها ذهنية دولة الاحتلال التركي، التي تعادي الكرد أينما حلوا، شهداء النوروز 2023 هم كل من فرحان عثمان 43 عاماً، إسماعيل عثمان 38 عاماً، محمد إسماعيل عثمان، ومحمد عثمان 42 عاماً.
لم يكن هذا الجرح هيناً على الشعب هناك؛ لذا كانت صرخاتهم، وصوتهم الحر أقوى من الجرح نفسه، حيث خرج الآلاف من أهالي المنطقة في انتفاضة تنادي بـ Azadi الحرية، ومحاسبة مرتزقة أحرار الشرقية، وخروج المحتل التركي ومرتزقته من المنطقة، مشبهين أنفسهم بأشجار الزيتون، التي لازالت قائمة باخضرارها في عفرين رغم كل الانتهاكات.
ولم تكن صرخات ذوي شهداء مجزرة النوروز مختلفة عن صرخات المنتفضين المتضامنين معهم، حيث أن الكرد لهم هوية، ووجود، والأنظمة، التي تعاديهم تسعى إلى إبادتهم، والتساؤل إلى متى يلازم الصمت المجتمع الدولي، والدول التي تدعي الإنسانية تجاه ما يحصل للكرد من مجازر.
في ظل الخروقات، التي تتجاوزها دولة الاحتلال التركي بدءاً من احتلال عفرين، وانتهاء بعفرين نفسها؛ واليوم في مجزرة جنديرسه وكعادته المجتمع الدولي يغض الطرف عن ذلك كله من مجازر تاركاً أهالي عفرين في مواجهة القتل، والاعتقال، والاختطاف.
الانتقام للشهداء رسالة واضحة للمحتل ومرتزقته
وساندت الإدارة الذاتية، وإدارة المقاطعة، وغيرهم من المؤسسات أهل عفرين في محنتهم هذه، وأكدوا في بياتهم على دعهم، وعاهدت بالانتقام لشهداء النوروز، وشددت إدارة مقاطعة عفرين، والشهباء في بيان رسمي، إلى أن فاعل هذه الجريمة يهدف إلى كسر إرادة الكرد، ومنعهم من إحياء احتفالات النوروز، رمز الحرية والمقاومة، إلا إنهم أكثر إصراراً من أي وقت مضى على إحياء عيد النوروز، الذي طالما ألهم الكرد النضال، والمقاومة في سبيل تحقيق الحرية.
فيما نددت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بالجريمة، وسلاسل الإبادة الممارسة ضد عفرين وأهلها، وضد المعاني الثقافية والوطنية، التي هي موجودة على مر التاريخ، ودعت الجهات الأممية والحقوقية، والمنظمات ذات الصلة بتوثيق تفصيلي لما حصل، والعمل على إجراء تحقيق واضح وشفاف، ومشاركة تفاصيله للرأي العام الكردي والسوري، ومحاسبة الفاعلين محاسبة عادلة، وكذلك إنهاء الاحتلال التركي، وإخراج مرتزقته من المنطقة.
وأكدت، أن الجريمة التي حصلت لن تمر دون حساب، ولن يتم السكون عنها إطلاقاً، المجتمع الدولي وكل الجهات المعنية بضمان الاستقرار والأمان معنية، ومسؤولة عما حصل، ولا بد من أن يقوم الجميع بأداء واجبهم الأخلاقي، والإنساني والمهني.
واتفقت لجنة مهجري سري كانيه بمطالبها مع الإدارة الذاتية، وإدارة مقاطعة عفرين والشهباء، ومن وجهة نظرها فإن الجرائم نفسها تحصل في جميع المناطق، التي احتلتها دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، وأوضحت ببيانها، أنه تتوالى الجرائم البشعة، والانتهاكات الجسمية ضمن سياق السياسة المتبعة في المناطق المحتلة من عفرين، وسري كانيه، وكري سبي بالقتل العمد، والاعتقال، والإيذاء المقصود، ومصادرة الأملاك الخاصة، والإخفاء القسري، وفرض الإتاوات، وتجنيد القاصرين.
ردود وطنية
كما وتضامن الوطنيون الكرد مع ذوي ضحايا المجزرة، مؤكدين على المقاومة في وجه الاحتلال، وضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بواجباته تجاه ما يحصل.
نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد، شارك رأيه على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الجريمة البشعة التي حصلت ليست إلا جزءاً من سياسة الإبادة الممهنجة، التي تتم ممارستها بحق الشعب الكردي في عفرين، وبأن لا حل لإيقافها إلا من خلال إنهاء الاحتلال التركي، وإخراج جميع المرتزقة من عفرين، وملاحقة هؤلاء المجرمين وتقديمهم للعدالة، وشدد على أن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات حاسمة.
وتعليقاً على بعض المطالب بقصاص القتلة علق العفريني صلاح أيبو، أن القوى الكردية والكردستانية مطالبة بتبني قضية عفرين في المحافل الدولية، والمطالبة بإخراج الاحتلال التركي ومرتزقته، لا المطالبة بالقصاص للقتالة، فمن وجهة نظره، فإن الذين ارتكبوا هذه الجريمة هم أداة لسياسة عامة مرسومة بدقة، وتنفذ على مراحل لطمس الهوية الكردية، وإبادة الكرد في روج آفا، وباكور كردستان، وفي شمال وشرق سوريا، فالقضية واحدة، والمطلب واحد.
أما روج موسى، هو أيضاً من أهالي عفرين فقد دل منشوره على أن المقاومة تزداد أكثر، ولن تُطْفَأ شعلة النوروز، وذلك إثر إيقاد شعلة النوروز في جندريسه بعد المجزرة، التي حصلت “مهما فعلتم لن تستطيعوا إطفاء نار نوروزنا”، وكشف، أن ما يحدث في جندريسه بعد المجزرة هو ثورة بحد ذاتها في إشارة إلى الانتفاضة الشعبية هناك.
بباكور المشهد يتكرر
في باكور كردستان فضحية النظام التركي، وعداؤه للكرد ظهر مرة أخرى، وكالعادة بمنعهم من الاحتفال بعيدهم القومي هذا العام، حيث سعى الشعب الكردي في معظم باكور كردستان إلى الاحتفال بهذا العيد مستذكرين ضحايا الزلزال، إلا أن الأداة القمعية للنظام التركي كانت في المرصاد، فلجأ إلى الاعتقالات، التي لم تتوقف بحق الكرد هناك، وعلى خلفية ذلك اعتقل النظام التركي أكثر من 350 شخصاً بينهم خمسون طفلاً بعد احتفالية نوروز في آمد، حسب المعلومات الواردة من المحامين، وعُرف من بين المعتقلين المحامي محمد أونر. ولم يتوقف قمع النظام التركي تجاه الكردي عند حد الاعتقال فقد، فقد عذبت شرطة النظام التركي طفلاً يبلغ من العمر 14 عاماً في أمد بباكور كردستان، لإجباره على قول “أنا تركي”؛ ورموه بعد ذلك بجانب نهر. الطفل كان عائداً إلى المنزل مع صديقه، ثم خطفته وقامت بتعذيبه.
وكما كشفته وكالة ميزوبوتاميا للأنباء، فقد اقتادته الشرطة أولاً إلى حقلٍ بجانب الطريق، ثمّ أجبرته على قول “أنا تركي” وأمرته بشتم الكرد، وترديد النشيد الوطني التركي؛ لتنهال عليه بالضرب بعدها.
ثم قامت بتكميم فم الطفل وتعذيبه، وكبّلت يديه وقدميه، ووضعته في حفرة بجانب نهر، ليكتشف وجوده أحد القرويين خلال ساعات الليل، وينقله إلى المشفى، واتّضح أن إحدى عينيه قد تضررت.
وقال (ي.د) إنّه تعرّض للتعذيب على يد أربعة عناصر من الشرطة، “اقتادوني إلى مكانٍ معزول، وأمروني بقول (أنا تركي)، وضربوني بطرف السلاح، ثم كبّلوا يدي، وقدمي، ورموني في حفرة”.
بعد رفض الطفل الامتثال لأوامرهم، بترديد النشيد الوطني التركي، هددوه بالقتل، ثمّ رموه في حفرة بجانب النهر الذي يمرّ بالناحية، وهو مكمم الفم ومكبّل اليدين والقدمين.
ليجده بعد ذلك قرويّ يرعى ماشيته، ويسعفه إلى المشفى في لجه، ثم نُقل إلى مشفى كلية الطب في جامعة دجلة، ويتلقّى الطفل الآن العلاج في المشفى وهو معرّض لفقدان عينه اليمنى، إذا استمرّت بالنزف نتيجة الضرب المبرّح.
ما فعله النظام التركي بهذا الطفل وفي عيد النوروز بالتحديد من إجبار على تجريده من هويته، هو صورة واضحة لما يحاول فعله بطمس الهوية الكردية، ومحو وجود الكرد.
ولم يكن القمع مختلفاً في إسطنبول، حيث تم اعتقال 224 شخصاً خلال احتفالات عيد النوروز، التي أقيمت هناك.
وكشف البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري، سيزجين تانريكولو، إن ما لا يقل عن تسعة أشخاص استشهدوا على أيدي قوات الأمن في تركيا خلال احتفالات عيد النوروز على مدار حكم حزب العدالة والتنمية.
