نوروز في الأدب العربي

آراس بيراني_

حملت ثقافات، وأساطير الشعوب موضوع تجدّد الطبيعة بعد فصل مطير، واهتمت بعودة الحياة إلى الشجر، والزرع بعد الموات، وكانت أساطير الخلق، والانبعاث، عبر مدلولات وتفسيرات حاولت تتبع السر، وتلك التفسيرات، أو الأسباب حملت إلينا قصصاً، وحكاياتٍ جميلةً عن عظمة الشعوب وعمق تفكيرها، وفلسفتها في فهم الطبيعة والحياة، ونظرتها للموت، وتعلقها بالنور، ومن ثم قدسيتها للنار، كأحد أهم مصادر الضوء، وأقربها لتمثيل الشمس على الأرض، بما تمتلك من أهمية في استمرار الخصب والولادة، وكونها العنصر الحيوي في حياتها.

ويأتي عيد “النوروز” يوماً خالداً وحافلا برمزية النور، والنار، والتجدد، والخلق، والانبعاث، فالنوروز بشعلته المقدسة إعلان عن تجدد إرادة الشعب الكردي بالحياة، ويشكل الاحتفال به، واستقباله جانباً مهما في تحديد الهوية اللغوية والجغرافية للشعب الكردي، وتشكل بُعداً قومياً مرتبطاً بقضايا تحرره، وحبه للحياة، وللطبيعة، ونيران النوروز مازالت رمزاً للانتصار، والخلاص من الظلم التاريخي والجغرافي.

فهو يمثل رسالة الحياة، والفرح، والرفض لكل من يحاول طمس هوية، وحقيقة هذا الشعب الخالد خلود شعلة النوروز، وكان لعيد النوروز اهتمامه الكبير لدى الشعوب المجاورة للشعب الكردي، كالعرب، والفرس، ولاحقا السلجوقيين، والترك، وتأثروا به وبمعاني العيد، ونقل مؤرخوهم، وشعراؤهم بعض جوانب العيد، واليوم العظيم، النوروز، بما تحمله المفردة من أصالة المعنى، وبذلك شكل النوروز انقلابا ليس على الطبيعة، وإنما انقلابا ضد عقلية التحكم، والهيمنة، والسلطة، انقلابا ضد الظلم، والعتمة، وبذلك كان يوما للنور، وللحرية.

فالجدير بالذكر أن علماء، وأئمة، وفلاسفة كباراً، ومن المؤرخين الكرد، والعرب، والفرس، وغيرهم، ذكروا النوروز، وكتبوا عنه، ونذكر منهم ابن سينا، الذي كتب “الرسالة النوروزية” وكذلك البيروني، والثعالبي، والمسعودي، وأبو نواس، والصنوبري، والراوندي، وابن الرومي، وابن المعتز، والنويري، والقلقشندي، والجاحظ، والمقريزي، وجورجي زيدان، والعقاد، وغيرهم من الكتّاب والأدباء، الذين صوروا النوروز في إبداع تحف أدبية، وزينوا بها دواوينهم، وكتبهم بما للنوروز من فرح، وجمال وتجدد في الطبيعة، وفي الهمم والنفوس، ويأتي البدليسي في كتابه الملحمي “شرفنامه” بتناول وبكثيرٍ من الأهمية عيد النوروز موضحاً خصوصية الاحتفال به من الشعب الكردي، وعلاقته التاريخية بالكرد، كبداية تقويم كردي، كما أن الشاعر العباسي البحتري، مدح، ووصف النوروز في أجمل قصائده الخالدة إلى يومنا هذا: (وقد نبّه النوروز في غسق الدجى أوائل ورد كن بالأمس نوماً).

حيث يقارن ما بين الجمال والسرور من جهة، ومعاني النوروز والتجدد من جهة أخرى، كما أن حادثة تقبل الإمام علي بن أبي طالب هدية النوروز تتربع في أكثر من مصدر تاريخي، وللنوروز امتداده الديني في تعاليم الزردشتية حول تقديس النار والنور، وقد وصل الاحتفال بالنوروز إلى الأندلس، ولا زالت بعض المناطق بإسبانيا تحتفل به تحت مسميات أخرى، حيث أنشد ابن حزم، وزرياب أغاني لا زال إيقاعها يتكرر في صرخات وأغاني راقصي الفلامنكو الإسبانية، ولا زالت النار أبرز صفة استدلالية ليوم النوروز ومعانيه العميقة في المنحى الأسطوري، والديني، والتاريخي والقومي، وختاماً: استغرب كيف أن مناهج الدراسة أغفلت عن ذكر الأناشيد العربية، وهل أجمل من أن يردد التلاميذ مع بدر شاكر السياب:

“يا شعب كاوا سل الحداد كيف هوى… صرح على الساعد المفتول ينهار”.