حسام الدخيل_
لجأت بعض الأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط إلى استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد شعوبها، سواء للمحافظة على السلطة بعد نشوب الثورات، أو لطابع عنصري وطائفي، حيث شهد العصر الحديث تجاوزات عدة على الرغم من توقيع اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيماوية عام 1993.
معاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية
السلاح الكيمياوي هو لفظٌ يُشير للذخائر، التي تَستخدم المواد الكيميائية بهدفِ إلحاق الموت، أو الضررِ البالغِ على البشر، وحسبِ منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، فإنّ مصطلح الأسلحة الكيمياوية يُمكن أيضًا أن يُطلَقَ على أي من المواد الكيمياوية السامة، أو المركبات الطليعيّة، التي يمكن أن تُسبّب الوفاة، أو الإصابة، أو العجز المؤقت، ومَا شابه ذلك.
تُصنّف الأسلحة الكيمياوية على أنها أسلحة دمارٍ شاملٍ، وتختلفُ أشكال الأسلحة الكيمياوية، فعادة ما تكونُ غازية، لكنها قد تتخذ شكلًا مغايرًا؛ كأن تكونَ سائلة أو صلبة مثلاً، ويحظرُ القانون الدولي استخدامَ الأسلحة الكيمياوية منذ عام 1899 بموجبِ اتفاقية لاهاي، التي تنصّ على منعِ استخدامِ الأسلحة المسمومة، وبشكلٍ عام تنصّ المادة 23 من هذا القانون، علَى امتناع استخدام هذا النوع من الأسلحة بعد دراية معظم القوى العالمية بخطورة استخدامها بمطلع القرن العشرين.
وقد ظهرت فكرة معاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية بحلول عام 1993 وهي إحدى أهم المُعاهدات فِي القانون الدولي، اسمها الكامل، هو اتفاقية حظر استحداث، وإنتاج، وتكديس، واستخدام الأسلحة الكيمياوية، وتنص بشكلٍ واضح ومفروغ منه على حظر إنتاج، وتخزين، واستخدام الأسلحة الكيمياوية، وتعملُ منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية – وهي منظمة مستقلة مقرها لاهاي – على التأكد من ذلك، وسنة 1907 تم رسمياً تحريم استخدام هذا النوع من الأسلحة خلال الحروب.
وابتداءً من نيسان 2016، وافقت 192 دولة على الالتزام بمعاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية، ووقّعت إسرائيل على المعاهدة، لكنّها لم تصادق على الاتفاق، في حين امتنعت ثلاث دولٍ أعضاء في الأمم المتحدة (وهي مصر، وكوريا الشمالية، وجنوب السودان) عن التوقيع على المعاهدة، أو حتى الموافقة عليها، وقدّمت أنغولا طلب الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيمياوية مؤخرًا في 16 أيلول/ سبتمبر 2015، وفي أيلول/ سبتمبر 2013، انضمت سوريا إلى المعاهدة كجزء من الاتفاق، الذي أبرمته لتدمير مخزون الأسلحة الكيمياوية في سوريا.
ولكن على الرغم من حظر ومنع استخدام الأسلحة الكيمياوية من المجتمع الدولي ضمن الاتفاقية، التي ذكرناها آنفاً، إلا أن هناك بعض الأنظمة الحاكمة في الدول لا تزال تستخدم هذا النوع الفتاك من الأسلحة في حروبها بهدف خلق أكبر قدر ممكن من الضرر، وهو ما يدعو للتساؤل، أين القانون والاتفاقية من هذه الجرائم؟ أماتت الإنسانية أم انطوت صفحة الحقوق والعدل؟ هل الدول المشاركة في الاتفاقية تملك حصانة في أن تكون خارج سور القانون؟
حلبجة “الشهيدة” ضحية الخروقات الدولية
ونال الكرد النصيب الأكبر من ضحايا استخدام السلاح الكيماوي من عدة أنظمة معادية للكرد من جهة، وخائفة على سلطتها من الثورة الحقيقية والديمقراطية التي يقودها الكرد في أجزاء كردستان الأربعة من جهة ثانية، لذا كان الكرد هدفاً أساسياً للعديد من الأنظمة باستخدام هذا النوع من السلاح، ساعية إلى إبادتهم، ومحو هويتهم وقمع انتفاضاتهم.
وتعدّ مجزرة حلبجة، التي ارتكبها نظام البعث بقيادة صدام حسين الراحل في أواخر الحرب الإيرانية العراقية 16 آذار 1988، أكبر المجازر، التي صنفها القانون الدولي كإبادة جماعية بحق الكرد في المنطقة، واستشهد خلالها ما يقارب من خمسة آلاف شخص من الشعب الكردي، وبخاصة الشيوخ والنساء والأطفال منهم، كما أصيب ما يقرب من عشرة آلاف شخص آخر، ناهيك عن أن الآلاف من أهالي حلبجة ممن أنقذوا من المجزرة، وعقب القصف فارقوا الحياة نتيجة المضاعفات الصحية والأمراض، والعيوب الخلقية التي خلفها القصف بالسلاح الكيماوي.
وأعتبر هذا الهجوم أنه الأكبر، الذي يستهدف عرقاً واحداً، والذي يندرج تحت بند الإبادة الجماعية في القانون الدولي، وقضت محكمة هولندية بتجريم صدام حسين بارتكاب إبادة جماعية بحق الكرد، وكانت هذه المرة الأولى، التي تصف محكمة دولية مجزرة حلبجة بالإبادة الجماعية.
الدولة التركية تاريخ دامٍ وتجاوزات مستمرة
وسبقت تركيا بغداد بإجرامها ضد الكرد باستخدام السلاح الكيماوي بغية قمع انتفاضة الكرد وشعلة المقاومة، التي اندلعت ضد النظام السلطوي العنصري هناك.
وعلى الرغم من توقيع تركيا اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، إلا أنها تستخدم ذلك علناً، ومنذ 1925 وحتى 1940 ولقمع الانتفاضات الكردية في باكور كردستان، استعملت الدولة التركية الأسلحة المحرمة دولياً كما في منطقة كلي زيلان بباكور كردستان، وكذلك في انتفاضة ديرسم، التي راح ضحيتها ما يقارب من 80 ألف كردي بين الأطفال، والشيوخ، والنساء، حيث استشهد في تلك المجازر الآلاف من الكرد ناهيك عن تهجير الملايين منهم من موطنهم الأصلي، وإجراء تغييرات ديمغرافية في المناطق الكردية.
ومع انطلاق الثورة الكردية في باكور كردستان بقيادة القائد عبد الله أوجلان، الذي شكل مع العديد من رفاقه الثورين حزباً باسم حزب العمال الكردستاني، لم تتوقف دولة الاحتلال التركي عن همجيتها ودمويتها لأنها رأت في هذا الحزب ما يعارض نفوذها وسلطتها، وسياستها السلطوية، حيث كانت تعتقد بأنه بعد قمعها للثورات الكردية سواء باستخدام الكيماوي، أو غيرها من الأساليب أنها دفنت الثورات الكردية، ولن تجرؤ على القيام بمزيد منها.
ومنذ عام 1985 استخدمت الدولة التركية كافة أنواع الأسلحة بالإضافة إلى الطائرات الحربية والمروحية، لوأد الثورة الكردية، وفي بداية التسعينات بالتزامن مع انهيار القوة التركية حصل الجيش التركي على إيعاز باستخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً في الحرب ضد الكرد ومقاتلي، ومقاتلات حزب العمال الكردستاني، وارتكبت جرائم حرب، وتطهير عرقي بحق الكرد حيث تم حرق، وتدمير أكثر من 4000 قرية كردية، وقام بتهجير واستعمال الأسلحة الكيمياوية بحق ملايين الكرد وخصوصاً في إقليم بوطان على الحدود بين باشور، وباكور كردستان.
ونشرت جمعية حقوق الإنسان (ÎHD) تقريرًا في 26 من آب/ أغسطس 2011 بعنوان “مزاعم استخدام الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية في تركيا أثناء الحرب”، مشيرة إلى أنه بين عامي 1994 و2011 استشهد 437 مقاتلاً ومقاتلة من حزب العمال الكردستاني في الحرب خلال 46 هجوماً كيماوياً تعرضوا له.
ومنذ عام 2003 حتى عام 2021 نفذت دولة الاحتلال التركي سبعة عشر هجوماً بالأسلحة الكيمياوية على مختلف مناطق جبال كردستان أسفرت عن استشهاد قرابة الـ 100 مقاتل من الكريلا.
كما نشر المركز الإعلامي لقوات الدفاع الشعبي في شهر تشرين الثاني الفائت حصيلة استخدام القوات التركية للأسلحة الكيمياوية خلال سبعة أشهر من حملة صقور زاغروس الثورية، وحملة الشهيد سافاش مرعش لمعركة خابور الثورية، في الفترة ما بين 14 نيسان و14 تشرين الثاني قصف خلالها جيش الاحتلال التركي 2837 مرة بالقنابل المحظورة، والأسلحة الكيماوية أنفاقاً وخنادق في مناطق الدفاع المشروع، ويرتكب جرائم حرب؛ فقصف خلال تلك المعارك 3694 مرّة بالطائرات الحربيّة، 4886 مرّةً بالمروحيات الهجوميّة، فيما قُصفت تحصينات وخنادق مقاتلي ومقاتلات الكريلا 2837 مرّةً بالقنابل المحظورة دوليّاً (كقنابل الفوسفور، القنابل الحراريّة، القنابل النووية التكتيكية) والأسلحة الكيماويّة.
الهجوم بالكيماوي على سوريا
لم يسلم أهالي روج آفا من غطرسة المحتل التركي الذي وجه سلاحه الكيماوي على الكرد في المنطقة، لاحتلال العديد من الأراضي في عفرين 2018 وكري سبي/ تل أبيض، وسري كانيه 2019، وكان حالة الطفل محمد الذي أصيب بالفوسفوري التركي إحدى الدلائل على أن تركيا استخدمت السلاح الكيماوي ضد أهالي المنطقة.
الملالي والعثمانيون وجهان لعملة واحدة
وليس بعيداً عن حفيد العثمانية، ينفذ النظام الملالي اليوم هجمات بالأسلحة الكيماوية على المنتفضين بعد إعلان انتفاضتهم إثر استشهاد الفتاة الكردية جينا أميني على يد سلطات الملالي، ولأن المرأة كانت القيادية في تلك الانتفاضة، وقد اُستُخدمت أساليب عدة لقمعها سواء باعتقالها أو إصدار قرارات تعسفية بحقها، لتتعدى أسلوبها القمعي استخدام الغاز الكيماوي ضد الطالبات في المدارس، وخاصة في منطقة سنه، وطالت الهجمات الإيرانية بالغازات السامة أكثر من مائة مدينة وأسفرت عن إصابة قرابة الـ 8000 طالبة على الأقل.
الصمت يلازم من وقع على الاتفاقية
وبمرور قرابة قرن وربع قرن من اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيماوية، وعلى الرغم من الأدلة الكثيرة والموثقة بالصور والفيديوهات، لا يزال المجتمع الدولي يتخذ وضعية “المزهرية” حيال استخدام هذا النوع من السلاح، ولعل جرائم الاحتلال التركي وتورطه باستخدام أسلحة محرمة دولياً في كل من سوريا ومناطق الدفاع المشروع بجبال كردستان خير دليل على ذلك، ولم يكتف المجتمع الدولي حتى بالإدانة لحفظ ماء وجهه بل أكتفى بالصمت حتى اليوم، في دليل يثبت تواطؤ المجتمع الدولي مع ما تقوم به دولة الاحتلال التركي، وشرعنة ما تقوم به تركيا من جرائم إبادة جماعية، وتغيير ديموغرافي، وهذا الصمت دفع بأنظمة أخرى مثل النظام الملالي إلى السير على نهج تركيا الدموي ضد الثوريين والثوريات.
