محمد العبدالله: نحن بحاجة إلى ثقافة تُكرس إخوة الشعوب في المنطقة

حاوره/ مصطفى السعيد –

كاد يختفي من مدينة الطبقة الأدب والثقافة خلال الفترة الماضية بسبب  ثقافة الجهل التي سيطرت من غرباء دخلوا المدينة وكسروا الأقلام وعاقبوا الأدباء ليمنعوا كشف الحقيقة التي ترتكبها مرتزقتهم في هذا الوطن وقد طغت مأساة حقيقية حلت بالأهالي فانتشر الجهل في المنطقة بخيال وأوهام مريضي الذاكرة، رغم أن منطقة الطبقة كانت معروفة قبل عام 2010م بتعدد الثقافات والأديان وبعد تحريرها من هذا الظلام الذي ساد وقتها والذي جفف الأقلام ومزق الأوراق عاد الشعراء والأدباء من جديد بإظهار منتوجاتهم الثقافية دون أن يكون هناك تأثير لغياب وسرقة الثقافة لأن طمس الثقافة لا يكون بحرق الكتب أو بمنع المعارض بل تقاس بالإنسان المُحب للقراءة والتفكير والمعرفة والتقدم.

وفي إطار الحديث عن الثقافة والمثقف في المنطقة ودور الأدب والثقافة في المجتمعات الفكرية كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والقاص وعضو اللجنة التحضيرية لاتحاد المثقفين في منطقة الطبقة محمد العبدالله.

ـ ما هو أهمية الدور الذي يقوم به المثقف وما هي خياراته في ظل الواقع الحالي؟

دور المثقف في المجتمع مهم لأنه يمثل الوعي والريادة، ويلعب الدور الإيجابي في تاريخ المنطقة المعاصر من حيث الشكل والمضمون، ومن خلال معرفته للحقيقة الاجتماعية والفكرية والمادية ولمكونات الثقافة، والمثقف يعيش في ضمير الأمة الديمقراطية ويساهم في بناء المجتمع على هذا الأساس.

أما الخيارات والأداء فتكون في الفن، والفن هو الجمال والمنطق، لكن الحرب تقتل الجمال وتدمر الحجر وإيقاع الحرب يختلف تماماً عن إيقاع السلم.

والفن هنا لمسة خير في زمن الرعب، وأن أجمل الأناشيد هي أناشيد الأسى، لأن أغاني الفرح ابتعدت قليلاً عنا، أما الأغاني الحزينة فتمثل واقع الإنسان المعاصر ولكن بالرغم من هذا الخوف والجوع والتشرد؛ لم يتراجع الأمل ومن حقنا أن نسمع أهازيج النصر، وأن تطرق أبواب أقلامنا بشائر الأفراح التي ننتظرها دوماً.

ـ ما هو الرابط الثقافي الذي يربط ثقافات المنطقة؟

الرابط الثقافي الذي يربط الجميع في المنطقة هو وحدة الشعور الإنساني، من الألم والحب والفرح والحنين إلى الأرض والوطن، والثقافات المشتركة بين شعوب المنطقة التي تلتقي في الكثير من الأحيان، وإن حافظت على خصوصيتها في نواحٍ كثيرة، وهي ليست روابط آنية أو جديدة بل تمتد لمئات السنين.

ـ أين تأخر المثقف في جمع أبجديته؟

تأخر المثقف؛ نعم حيث غابت خلال الفترة الماضية الحكمة والرشد والوعي، ودخلت عوضاً عنها الإرهاب والعنف وبعضاً من الثقافات الدخيلة التي لا تمت إلينا بصلة، وأقول لكم بصراحة لعنة الرصاص والقوة الغاشمة ولغة الإلغاء هي من كادت أن تُبيد ثقافة شعوب المنطقة في الفترة السابقة، ولذلك أثر المثقف في فترة الحرب الانطواء على ذاته وانتظار انتصار قوة الحق، وكان له ذلك.

ـ ساد غياب للأفق الثقافي؛ والاندماج والتكامل الثقافي هو البديل ما صحة هذا القول؟

إن غياب الأفق الثقافي كان بسبب عدم الاستقرار، وعندما علا غبار الحرب أصبحنا نسير مع الأزمة، ونحن بحاجة إلى حل الأزمة.

أما البديل؛ فلا يمكن حصر السلوك الإنساني في لون أو أسلوب واحد، أو تماثله تجاه أمور متنوعة أو قضايا مختلفة، أو مفاهيم متعددة فالاختلاف ليس في الشكل والصفات والقوام واللون والسحنة وغيرها، بل للأسف ظهر حتى في الجانب الأخلاقي والنفسي والثقافي في بعض الأحيان، الخلاف يزداد بين الشعوب كلما اتسع مسرح المقارنة؛ فالسلوك الإنساني يمتلك طيفاً واسعاً من تلاوين الحياة والسلوك والعادات، وبموجبها تظهر الثقافة كأداء سلوكي بمضمون أخلاقي وللتربية والتعليم وللتاريخ والعادات والاقتصاد أثر كبير على بروز هذه الثقافة، ومشروع الأمة الديمقراطية يمثل هذا الطيف الذي أتحدث عنه نحن اليوم بحاجة إلى ثقافة وأدب عابر للأشكال، يعبّر عن حاجة الإنسان المعاصر ويكرس إخوة الشعوب في المنطقة.

ـ كيف حافظ المثقف على تنمية أفكاره الثقافية وكيف يرسم خطه الثقافي الخاص؟

يطور المثقف نفسه من خلال المطالعة والحوار والتواصل مع المجتمع، وينهل آراءه من الواقع ويصب تلك الرؤية الجديدة بصيغة تليق بالواقع، لا بالخيال فقط، والقصص اليومية من واقع الحياة المعاشة ومن قارعة الطريق وضمن معالجة في الصياغة الفنية والأدبية.

أين ترى المرأة في الحراك الثقافي، وهل هي بحاجة لثقافة تخصها؟

المرأة هي نصف المجتمع حضرت بكل أناقتها في الفترة الأخيرة، ودافعت عن ذاتها وصنعت القرار، وشاركت في جميع الميادين الثقافية والسياسية والعسكرية. في قلب المرأة يعيش الحلم، وفي قلب المرأة ينابيع من الحب والعطاء، لكنها بحاجة إلى لمسة حنان وتفهم وقبول بوجدها كـ “ند” من رجل تتحدى به المستحيل.

ـ ما هي مقومات الثقافة الناجحة؟

الثقافة العربية عريقة فهي بعيدة عن الغلو والتعقيد وعن آثارهما السلبية في السلوك الاجتماعي، فهل أمتنا قدوة بين الأمم الأخرى، إن أخطر ما في الأمر الشعور من غير مضمون يرقى فعلاً لأهلية تحقيقه، كذلك الإقلال من شأن المثقف وتهميش دوره، فالوسطية خيار الحياة الأفضل في أغلب المجالات لأنها تجنبٌ لعواقب الإسراف؛ وتحييد لنتائج التقصير والنقصان، لأنها ليست التزمت وليست الانحلال وليست التشديد ولا التراخي، وليست المغالاة للنهوض نحو العلو والنهوض بنصف المجتمع وتعطيل نصفه الآخر، فما الذي يضير أن تكون المرأة إلى جانب الرجل على قدم المساواة بلا قرب ولا تفضيل.

ـ ما هي أسباب الإخفاقات الثقافية في المنطقة؟

لقد طرأت تحولات كمية وكيفية في مجال الثقافة، هي انعكاس للتغييرات التي طرأت على المجتمع البشري بوجه عام، فمثلاً تراجع القديم أمام الحديث، أيضاً هناك شيء مهم جداً يجب ملاحظته؛ أن ما تشكو منه أنت تشكو منه شعوب وأمم أخرى، وبعض هذه البلدان تصدر إلينا هذه الظواهر، ولو تابعت الصحافة الأجنبية والأخبار العالمية تجدها ترصد الأزمات نفسها، وستجدهم يجارون بالشكوى ذاتها، حتى الذين نتوهم أنهم يصدرون إلينا ثقافات معينة أو نتخيل أنهم يريدون غزونا ثقافياً، فالإخفاقات الثقافية عالمية وليست محلية فقط وأن كان لنا ما يخصنا في جزء منها.

ـ ما هي إضافتك للثقافة العربية في المنطقة؟

أنا كاتب؛ لا يُمكِن لأحد من البشر عزلي عن مهنتي التي اقتفيت أثرها منذ الصغر، تأثرت كثيراً بمناخ الحروف وجالست طبيعة الكلمة، وفتحت أبوابي للثقافات العابرة للأشكال، قرأت للكثيرين وتأثرت بالقلة المؤثرة، قرأت عن الحروب والسلم وعن الحب والجمال، فكتبت عن الإنسان الذي يُعاني من الواقع قصصاً كثيرة، حصلت على ثلاثة جوائز في القصة، ونشرت في الدوريات العربية ومارست طقوس الكتابة فكانت فصول التاريخ قاسية أحياناً، إلا أن الراحة قليلة في هذا الزمن، لذلك يجب أن نتعود على الصعب، ولا نلتفت إلى الحفر خشية الوقوع بها، بل أن نتجاوز الماضي وننسى شراسة الأيام.

 أما عن مدينتي مدينة الطبقة هي إحدى المدن السورية الجميلة الرائعة تتعرج الدروب عليها تضيق أحياناً وتتسع أحياناً، البعض يراها بعيدة والبعض يراها قريبة، لكن الكل متفقون على أنها مدينة رائعة في الشمال ينساب نهرها الفرات بنسغ الحياة، وسكانها من أطيب الناس فيها مزيج من المكونات التي تُمثل لوحة فسيفساء تزين صدر الوطن، فيها ترسخت دعائم العلم والثقافة، وتأصلت إخوة الشعوب وثقافة الحب والتعايش بين جميع المكونات.