(ما مات إلا الموقدون مصباح ليلهم بزيت الآخرين)

مصطفى بالي_

في الكوارث الطبيعية، الزلازل، الأعاصير، وكل آثار غضب الطبيعة، يشعر الإنسان، فرداً ومجتمعاً وحتى الدول بكل جبروتها، بالضآلة والعجز فرغم كل التطور الذي يوصف بالهائل، ما زال الإنسان عاجزاً أما قوى الطبيعة وثورانها، وكأن الطبيعة تحاول مراراً أن تقول لنا (اسمعوا وعوا) لكن دون جدوى.

ومع كل مظهر من مظاهر غضب الطبيعة التي تجتاح الشعوب والدول، يجتاح العالم بالتزامن موجة من المشاعر الإنسانية والتعاطف مع الضحايا، وتنطلق فعاليات الدعم والإسناد للمنكوبين بغض النظر عن الجهة الداعمة أو مصدرها، فالنكبة تُزيل أو تخفف حدة الاحتقان ومشاعر العداء بين الناس والشعوب والدول.

في كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا قبل أيام والذي وصِف بأنه الأعنف منذ (٣٠٠) عام، ورغم قوته التدميرية، ورغم تحويله للمدن والقرى إلى مجرد ركام فوق جثامين الناس لم يكن قادراً على أن يفتح ولو بصيص نور في جدار الحقد الأسود للنظامين السوري والتركي على حد سواء، ورغم هول الفاجعة إلا أن كلا النظامين أشعلا مصباح ليلهما بكل زيوت العالم، لكنهم رفضا- حقداً وبغضاً وكراهية – أن يشعلوا مصابيح الأمل بالتصالح بزيت البلاد.

يقال (رب ضارة نافعة) وفي هكذا كوارث، يحذو الناس الأمل أن تكون الفاجعة مناسبة لإطفاء نيران الحقد وفتح أبواب التسامح وأرضية لبدء مصالحة بين جميع الفرقاء، ذلك أن الطغيان والحقد الذي كان يستولي على التفكير قد سقط مهاناً ذليلاً أمام جبروت الطبيعة، لكن ما حدث هنا كان أكبر من أن يتصوره العقل، فالنظام السوري الذي استغاث بكل دول وشعوب ومنظمات العالم، بما فيهم النظام التركي الذي تلطخت يده بدماء السوريين، لكنه رفض أن تدخل المساعدات إلى مناطق سيطرته باسم الإدارة الذاتية ضارباً كل القيم الإنسانية والأخلاقية عرض الحائط، لا بل عمل على سرقة المعونات والمساعدات التي قدمتها الفعاليات الشعبية وبيعها في الأسواق.

النظام التركي كان أكثر حقداً ووحشية، فالمناطق التي يحتلها من الشمال السوري، حرمتها الدولة التركية من فتح أي معبر إنساني بينها وبين الإدارة الذاتية، وكذلك فرضت حصاراً على المعابر التي تربط تلك المناطق المحتلة بتركيا.

أن تتعامل تركيا بكل هذا الحقد مع الإدارة الذاتية، لهو أمر مفهوم نابع من الحقد التاريخي للعقل السياسي التركي ضد الكرد بالتحديد، لكن المستغرب هو هذا الموقف العدائي الحاقد لنظام دمشق الذي منع على السوريين معونة السوريين، وكأنه يريد تجفيف منابع النخوة لا لشيء فقط لإشباع نوازع الحقد الدفين في شرايينه وإرضاء تركيا التي ما فتأت تهينه وتذله منذ عقد من الزمن.

في هذه الكارثة، ظهر واضحاً للعيان أن هذا النظام مستعد أن يتسوّل على أرصفة الذل العالمي لكنه غير مستعد أن يأكل رغيف الخبز من حنطة البلد، لكن ما يجهله هذا النظام – أو يتجاهله – أن الشعوب قد تخبو هممها لكنها لا تنطفئ، وأن جمر الثورات يبقى طويلاً تحت الرماد، لكنها تلتهب أواراً حين تنفخها الشعوب، (فإلى اللقاء في العصور القادمة.. في قصة العصر الذي صنعه كف الثائرين).