العقليّة الانهزامية العربيّة في مواجهة إسرائيل

عثمان عبد العزيز_

الانهزامية في العقلية العربية هي خليط ومزيج من الانهزامية التاريخية والآنية المتكررة التي أصابتها وتوالت عليها مع فشل أغلب المحاولات المتكررة للتخلص منها، ما أدى ذلك إلى تعميقها وتجذيرها وتأصلها في الوعي الجماعي الاجتماعي عموماً والنخبوي منه على وجه الخصوص.

على أية حال، حين يرد الحديث في السياق عن العقلية الانهزامية، يستحضرنا في عجل مواجهة العرب للكيان الصهيوني. ثمة سلسلة من الإخفاقات العسكرية التي مُنيَ بها العرب بحروبهم مع إسرائيل منذ عام ١٩٤٨، فبالإضافة إلى عدم الاستعداد الكافي والمخطط له، وتبعثر الآراء العسكرية العربية وتباينها والهالة المرافقة من الدعاية الكبيرة عربياً وإسرائيلياً وعالمياً عن قوة وبطش وكفاءة جيش الاحتلال من جميع النواحي جوياً وبحرياً وبرياً، فإن فكرة بأن بإمكان أحد الجيوش العربية أو كلها الانتصار على إسرائيل شبه مستحيلة.

على منوال المثال السابق، يمكن القول بإن معركة عين جالوت الشهيرة في عام ١٢٦٠التي تعتبر معركة فاصلة في التاريخ العربي – الإسلامي، الذين كانوا على اقتناع كامل أن جيش المغول لا يُهزم لما عُرف به من مجازر ارتكبها في حروبه السابقة، وما فعله المغول عندما اقتحموا بغداد من قتل وبطش وإعدامات كان الهدف منها الترويع والإرهاب لإضعاف نفوس العرب المسلمين آنذاك، لكن جيش المماليك المسلمين قرروا دخول الحرب ولم ترهبهم  قوة المغول لأنهم أرادوا النصر وانتصروا، كان الناس قبل المعركة يتداولون مقولة: «من قالوا لك إن المغول يُهزمون لا تصدقهم».

ها نحن نعيش نفس العقلية التي عاشها العرب المسلمين قبل معركة عين جالوت الشهيرة، وهذا هو الحال مع إسرائيل، حيث أصبح الأغلبية من العرب قادة وشعوب ونُخبة لا يثقون بأن إسرائيل سوف تُهزم، بات العدو الإسرائيلي يُمعن في زرع الانهزامية عند العرب، لا مسوّغ لهذا الفكر، فزرع الانهزامية عمل شاركت به قوة عربية ببراءة أو عن ضلوع في مخطط خطير، هناك أصوات حتى من فلسطين تُنمي هذه الدعاية ويرفعون أيديهم بالهواء مطالبين بحصول تسويّة حتى ولو كان على حساب ومبادئ القضية العربية بشكلٍ عام والفلسطينية على وجه الخصوص.

من المُلاحظ أن فكرة استحالة النصر على العدو ترسخت، كل هؤلاء اختلقوا من الهزيمة أسباب محددة ومعروفة وبناءً على تقصير واضح، وكانت هذه الأسباب مناسبة للإمعان في ضرب الذات العربية.

يُراد من كل ما سبق، تصوير العرب عاجزين عن محاربة إسرائيل، لكن حرب تشرين كسرت صورة الإسرائيلي الذي لا يُقهر، ورغم مواقف السادات التي سرعان ما أنعشت صورة الجيش الاسرائيلي بعد محاصرة الجيش المصري الثالث. كل هذه الجعجعة لم تُحقق المراد للعرب وعدنا إلى المربع الأول.

المواطن العربي كان ومازال يستغرب القرارات الرسمية في القضايا المصيرية للأمة العربية، والتي كانت تُبرر بمسوغات عدة من قبل القادة، وهذه المبررات كانت تجد العديد من المسوّقين والمصفقين لها، ومنها الواقعية السياسية المبنية على الاستهتار بالعقل العربي غير الرسمي، والمبرر الآخر عدم توازن القوى في المنطقة وفي العالم، فهي دائماً من وجهة نظر النظام الرسمي ليست في صالح الدول العربية ويبدو أنها لن تكون أبداً.

إن المنطقة العربية مرت بحروب عديدة، والحروب عادةً تنشأ من قوى جديدة أو ضعف قوى على حساب قوى أخرى، سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي، لكن دائماً كان الساسة الرسميون العرب يعرفون نتيجة كل حرب مسبقاً، قبل بدئها وهي بطبيعة الحال الهزيمة المحتمة للأمة العربية.

لكن هذه العقول لم تنضج بعد لتستوعب حركة الشعوب وقدراتها وإمكاناتها، لذلك تعمل دائماً على تهميش الإنجازات البطولية والإبداعات في كافة المجالات، لقد اتضح ذلك جلياً بعد إنجازات المقاومة في فلسطين في الانتفاضة الأولى حيث نتج عنها كياناً مشوهاً وهزيلاً يتناسب مع العقول الهزيلة.

جاءت انتفاضة الأقصى وإنجازاتها لتحاك المؤامرة مرة أخرى ولتحويل الانسحاب الصهيوني من القطاع إلى إنجاز للعدو الهارب بدلاً من الانطلاق منه لإنجازات مرحلية واستراتيجية.

وكذلك إنجازات المقاومة في العراق لم يتم استغلالها بل على العكس يتم مناهضتها ومحاربتها والتآمر عليها، لقد أضاعت الأنظمة ومازالت تمضي في الدرب فرصاً عديدة للخروج من سيطرة الآخرين.

فبالمقاومة والصمود تتحقق أهداف الأمة الاستراتيجية، المتمثلة بالتحرر والعزة والكرامة والبناء والاستقلال من عقلية الانهزام والخنوع.