تل كوجر/ مثنى المحمود ـ
تشكل مناطق شمال وشرق سوريا لوحة فسيفسائية من الشعوب المختلفة، فمنذ فجر التاريخ يعيش الشعبان العربي والكردي تحت خيمة الوطن الواحد إلى جانب الشعوب الأخرى مثل الشعب السرياني، الأرمني، الشركسي، التركماني والآشوري، وعلى الرغم من تغير الظروف وتبدل الأحول، إلا إن الوطن بقي هو المرجع الأساسي وملتقى يجمع هذه الشعوب.
يعيش الكرد في مناطق شمال وشرق سوريا إلى جانب إخوانهم العرب، وسائر الشعوب الأخرى منذ مئات السنين، وقد تبادلوا التأثير والتأثُّر في أساليب المعيشة والعادات والتقاليد، والفولكلور بأشكاله؛ ما ظهر أثره في الحياة الاجتماعية، وأساليب تعاملهما مع الأنماط والأفكار التي تبادلوها طوال فترة العيش داخل رقعة الوطن الجغرافية.
فكر وإرادة
رغم اختلاف القوميات والمبادئ بين شعوب شمال وشرق سوريا، إلا أنهم يعيشون بشكل سلمي منذ سنوات بعيدة، فلم تستطع الفتن أن تفرقهم، هذا ما أكده عدد كبير من أبناء بلدة تل كوجر، حيث تحدث الجميع عن حالة الألفة والمحبة بين شعوب المنطقة وطوائفها، الأمر الذي كان له انعكاس إيجابي على حالة الاستقرار، التي تعيشها مناطق روج آفا، رغم وجود قوميات وطوائف مختلفة، وحول هذا الموضوع تحدث لصحيفتنا “روناهي” المواطن “أحمد صبري” وهو أحد أبناء بلدة تل كوجر: “قبل الثورة كان هناك بعض الخلافات بين هذه الطوائف، لكن عندما أسست المجالس واللجان الشعبية، أصبحت علاقاتنا أكثر متانة”، مشيراً في حديثه إلى أهمية دور الإدارة الذاتية ونهجها، وأيضاً فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان”.
أما المواطن “محمود سالم” الذي حدثنا بدوره أيضاً حول هذا الموضوع: “إن هذا التعايش السلمي هو نتيجة الوعي الحي المتواجد في المنطقة، وإن هذه المجالس واللجان تعكس المحبة والتآلف المتواجد بين الشعبين الكردي والعربي وغيرهم من الشعوب”.
وأكد: “ليس هناك أي شيء يستطيع أن يعكر صفو هذا التعايش، فالجميع هنا يعيشون عائلة مترابطة، وهذه العلاقات موجودة منذ القدم، حتى قبل الثورة وبقيت كما هي حتى الآن”.
كما أشار في حديثه حول مطالبهم من الإدارة الذاتية: “مطلبنا الأساسي هو الاستمرار في هذا العمل الوحدوي بشكل جماعي وعلى خط واحد”.
علاقات وطيدة منذ القدم
تعيش شعوب شمال وشرق سوريا معاً منذ القدم وتربطهم علاقات اجتماعية وطيدة، وهذا التعايش يأتي من خلال المعاملة الجيدة، والتآلف بين أطياف وشعوب هذا المجتمع، وفي سياق هذا الموضوع؛ كان لصحيفتنا “روناهي” حديث مع المواطن “علي السليم” الذي تحدث عن عمق التفاهم المولود منذ الأزل، كما تحدث عن عمق العلاقات بين جميع فئات الشعب، بوصفه قائلاً: “علاقاتنا جيدة مع غيرنا من الشعوب الأخرى، فأنا مواطن من الشعب العربي أتحدث اللغة الكردية بطلاقة، وهذا نتيجة التآلف والتعايش السلمي معاً”.
وأضاف: “نحن شعب عربي وكردي، لم تتغير علاقاتنا قط، بل بقيت كما هي قبل الثورة وبعدها، وقد أتى هذا التعايش من المحبة، وإن هذه الثورة وهذا الفكر، الذي ينبع من فلسفة القائد الأممي “عبد الله أوجلان” أضاف تفاهماً وألفةً بيننا”.
ضرورة الوحدة
تشكل الوحدة بين الشعبين العربي والكردي، في هذه الفترة العصيبة، استجابة ضرورية لما يطلبه الواقع الراهن، فإن الحديث عن ضرورة استمرار التوحد العربي الكردي، الذي بات اليوم بفضل النهج الأممي والفكر العظيم للقائد “عبد الله أوجلان”، يرسم لنا السبل الكفيلة بصد التطرف ومكافحة الإرهاب، وعصمة الدم السوري من الهدر، وهكذا يكون واقع التعايش السلمي بين الشعبين العربي والكردي، ضماناً حقيقياً لمستقبل أكثر أمناً، واستقراراً لشمال وشرق سوريا، وكما هو معروف لا بد وأن يكون بناء السلم الأهلي والتوافق العربي الكردي، على أساس رفض عقلية المناكفة والتسلط على الطرف المقابل، والاحترام المتبادل، وصون الحقوق والصدق في المعاملة، تمهيدًا لبناء الثِّقة، ونشر ثقافة العيش المشترك الذي يعتمد على تعزيز القيم والقضايا المشتركة، ونبذ التطرف، ومحاربة الفساد، والوقوف صفاً واحداً ضد من تسول له نفسه بالتجاوز تجاه سيادة هذا الوطن، الذي رُوي ترابه بدماء الشهداء الأبرار.
