No Result
View All Result
المشاهدات 3
رجائي فايد_
منذ سنوات رحل عن دنيانا المخرج السينمائي الكبير توفيق صالح، والذي حازت معظم أفلامه على جوائز دولية /باستثناء فيلم الأيام الطويلة/، وقد التقيت به أكثر من مرة، الأولى عام 1979 في أكاديمية الفنون في بغداد، عندما كان يُدرّس مادة الإخراج السينمائي لطلاب تلك الأكاديمية، ثم بعد ذلك في القاهرة لعدة مرات، وقد أتاح لي مشاهدة النسخة الخاصة به من فيلم (الأيام الطويلة)، وبالذات ما يتعلق بمشهد هام في هذا الفيلم، وفيلم الأيام الطويلة مأخوذ عن قصة للكاتب العراقي عبد الأمير معلة، والذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الثقافة العراقية، والقصة تروي حياة صدام حسين منذ أن اشترك في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، وإصابته في ساقه، وعلاجه بأدوات بدائية في وكر بعثي، وبعد ذلك قرر رفاقه أن يهرب من بغداد عبر الحدود إلى سوريا. وسجل الفيلم رحلة الهروب إلى دمشق والتي انتهت عند عبور الحدود، ونحن نعرف أنه لم يتوقف عند دمشق وإنما توجه بعد ذلك إلى القاهرة، لكن الفيلم تعرّض فقط إلى القسم الأول، وكان لي حظ مشاهدة النسخة الخاصة بالمخرج، وهذه النسخة تختلف في أحد مشاهدها عن النسخة التي عُرضت على الجمهور، ولهذا الاختلاف قصة تستحق أن تروى، ففي مشهد إخراج الرصاصة من ساق صدام حسين في أحد الأوكار السرية بعد فشل محاولة اغتيال قاسم، أطلق من كان يقوم بدور صدام حسين آهة تعبيراً عن الألم المبرح (بالمناسبة قام بتمثيل شخصية صدام في الفيلم صدام كامل والذى تزوج فيما بعد ابنة صدام حسين، وتم قتله في الواقعة المعروفة مع شقيقه حسين كامل زوج الابنة الأخرى)، وقد قال لي توفيق صالح أن هذا المشهد من أروع المشاهد التي صنعها طوال حياته السينمائية، ولكن عند عرض الفيلم في عرض خاص على صدام حسين، أمر بوقف العرض عندما وجد نفسه في الفيلم يطلق تلك الآهة، وقال كلمة فاحشة في حق المخرج، والذي لم يكن يعرف حينئذ بأنه من المصريين، واستدعاه على الفور، وأقسم صدام حسين بأنه لولا أنه من المصريين لكان مصيره السحل في شوارع بغداد. إذ كيف تسوّل له نفسه بأن يجعل الزعيم المهيب يتألم؟ ثم أمر بإحضار الطبيب الذي أخرج الرصاصة، وسأله أمام المخرج عن تلك اللحظة (هل تأوهت؟) وبالطبع فقد أنكر الطبيب وبشدة (لا يا سيدي).
هنا أمر المخرج بأن يعيد صياغة هذا المشهد، وبالفعل تم ذلك، وفى اللحظة الحاسمة خرجت آهة لم تكن من صدام حسين بالطبع ولكن من الطبيب الذي أخرج الرصاصة، فصدام لم يكن يعرف الألم ولا الآهات، وبطبيعة الحال فإن من لا يتألم لا يمكن أن يشعر بآلام الآخرين. لقد رحل المخرج الكبير توفيق صالح والذي كان صديقاً مُقرباً لنجيب محفوظ، وعضواً في جماعته المسماة بالحرافيش. قدم للسينما العربية روائع منها، درب المهابيل، وصراع الأبطال، والمخدوعون، والسيد البلطي، وأفلام أخرى معدودة، وكلها حصدت جوائز عالمية، باستثناء الأيام الطويلة، والتي كانت طويلة بالفعل.
No Result
View All Result