عبد الصبور وأبو زيد والريان ومحفوظ وفودة

رجائي فايد_

 بعد أن ظهر في المجتمع نصابين، يُطلق عليهم هذه الأيام مستريحي هذا الزمان، والذين يقومون بالنصب على بسطاء مصر، فينهبون أموالهم بزعم توظيفها، نتذكر أول من قام بذلك، إنه أحمد الريان بطل قصة أكبر عملية نصب على الشعب المصري، والتي تسترت بالإسلام، فقد تمكن من جمع مدخرات المصريين الفقراء بحجة توظيفها مقابل عائد مادي مجزي لا يمكن تحقيقه من أي نشاط، وتولى الأستاذ الجامعي الشهير الدكتور عبد الصبور شاهين منصب الفتوى للريان، حيث كان المفتي الخاص به والذي يفتي للناس بإن إيداع الأموال في البنوك هي من الحرمات الربوية، لذلك تصدى له مفنداً فتواه الدكتور نصر حامد أبوزيد.

وتصادف أن الدكتور شاهين كان رئيساً للجنة الترقيات في المجلس الأعلى للجامعات، وتقدم أبوزيد بأوراقه ومؤلفاته في الفلسفة الإسلامية كي يترقى إلى درجة الأستاذية، ووجدها شاهين فرصة لينتقم منه، فرفض ترقيته، هنا انتشرت هذه القضية في الصحف التي تبحث عن الشهرة، وكان من الواجب أن يظل الأمر محصوراً في أروقة الجامعة، وهنا كفّر شاهين أبوزيد بسبب كتاباته الفلسفية والمتعلقة بتأويل النص الديني، وعلى الفور تقدم محامي يبحث عن الشهرة بدعوة أمام القضاء يطالب فيها بالتفريق بين أبوزيد وزوجته على أساس أنه لا يجوز لمسلمة أن تتزوج من كافر، دون أن يقرأ هذا المحامي حرفاً مما كتبه أبوزيد، وإنما اعتبر رأي شاهين هو المقدس الذي لا يناقش. وحكم القاضي بالتفريق بين أبو زيد وزوجته. وفرَّ أبو زيد بحياته وحياة أسرته إلى أوروبا إلى أن لقيَ حتفه فيها.

ونأتي إلى واقعة أخرى، فبعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب، بدأ الحديث عن روايته أبناء حارتنا، وارتفعت أصوات التكفيريين بتكفيره، وهنا اندفع جاهل لتنفيذ حد الردة على محفوظ، فطعن محفوظ في رقبته من أجل قتله دون أن يقرأ سطراً واحداً مما كتب محفوظ، لكنه اعتبر فتوى شاهين وأمثاله مقدسة ويجب أن يعاقب محفوظ على رواياته، وكان ما كان للأديب العالمي نجيب محفوظ. والحالة الثالثة هي ما حدث لفرج فودة. كما لقد اعتبر هؤلاء التكفيريون الكاتب فرج فودة (صديق عمري) مرتداً فحكموا بتكفيره، وقام بمهمة تنفيذ الحد بقتله مجموعة أخرى من الجهلاء. وقد كان فرج فودة يهاجم بضراوة شركات توظيف الأموال، ويتهمها بالإساءة للإسلام باستغلال عواطف الفقراء في سلب أموالهم، وأن الدين أسمى من أن يُقحم في مسائل حياتية من أجل تحقيق مكاسب مادية أو حتى سياسية.

هؤلاء الذين يأخذون الدين ستاراً، أبعد ما يكونون عن التدين، وتكمن الخطورة البالغة من ناحيتين، الأولى اللعب على عواطف البسطاء مما يترتب عليه نتائج كارثية، والثانية هي الإساءة إلى صورة الإسلام أمام الآخر. لقد أسهم هؤلاء التكفيريون في تقديم الإسلام إلى الغرب على أنه الدين الإرهابي وترسيخ تلك الفكرة في الأذهان. رغم أن الدين الإسلامي ليس كذلك، فالنصوص القرآنية القاطعة تؤكد على ذلك (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (لكم دينكم ولي ديني). إن خصوم الدين الإسلامي لم يُسيئوا إلى الإسلام كما أساء إليه بعض من يُقدمون أنفسهم كمفتيين له، ويتصدّرون منابر الفتوى.