كأس العالم: الكرة خارج المستطيل الأخضر

حميد المنصوري (كاتب ومحلل سياسي)_

ما زلنا نشاهد ونتابع كأس العالم 2022 في دولة قطر، أول دولة من الشرق الأوسط تستضيف المونديال، فقطر اليوم تجمع أمم وشعوب عبر منتخباتها الوطنية ومشجعيها في أرضها ومن وراء شاشات التلفاز والإعلام العالمي. ومع النجاح الكبير على كافة المستويات من التنظيم والأمن والضيافة والخدمات والتغطية الإعلامية، فقد لُعبت وتدحرجت الكرة في حالات خاصة بعيداً عن المستطيل الأخضر المخصص لها نحو قضايا سياسية وثقافية وحقوقية وحتى اقتصادية.

لتكن البداية في المباراة بين المنتخب الإيراني والبريطاني، حيث تم ضرب الكرة خارج المستطيل الأخضر نحو رؤوس ملالي إيران، مسقطةً شرعية حكم النظام الثيوقراطي، حيث رفض اللاعبون الإيرانيون ترديد النشيد الوطني لبلادهم، وذلك يعكس الوضع الداخلي الإيراني والذي يرفض حالة سجن الحريات واضطهاد الهويات ومستويات المعيشة المتردية، فكأن حادثة مقتل مهسا أميني والاحتجاجات المستمرة من مختلف مكونات الشعب الإيراني حاضرة وتلعب بقوة في مونديال قطر. قطعاً، المنتخب الإيراني بهذا الموقف شارك من بعيد بكرتهِ في المحفل الدولي والعالمي الرياضي في الاحتجاجات الشعبية الإيرانية ضد النظام الملالي، ومن الأهمية كون هذا النظام الفاقد للشرعية يحاول تصدير معضلتهُ الداخلية إلى الخارج عبر تهديد المملكة العربية السعودية وإقليم كردستان. ولعل هذا التهديد يلتقي مع الهجمات والقصف التركي على شمال سوريا بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني وخاصةً بعد العملية الإرهابية في منطقة تقسيم بإسطنبول، والتي أخذتها أنقرة حجة أخلاقية على المستوى الداخلي والدولي، والهدف من وراءها تغيير مستقبل الوضع في سوريا لمصالح أنقرة.

أما في مباراة المنتخب الألماني والياباني، فقد ارتكب المنتخب الألماني حالة تسلل في ملعب ومساحات الثقافات المختلفة، فقد وضع لاعبو المنتخب الألماني أيديهم على أفواههم في لحظات التقاط الصور قُبيل انطلاق المباراة، وهذه الحركة كانت رداً على الخلاف مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بشأن حظر ارتداء شارة “حب واحد- One Love”، والتي تشير إلى دعم مجتمع الميم “المثلية”. إلى جانب ذلك، سجلت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، حالة تسلل أخرى على القوانين والأعراف خلال حضورها المباراة الافتتاحية لمنتخب بلادها أمام اليابان، خاصةً بأنها في البداية أخفت الإشارة الداعمة للمثلية تحت الجاكيت ثم أظهرتا للعلن. وقضية المثلية تثار بشكلٍ كبير في مختلف أنحاء العالم وتبدو في مونديال قطر تشكل موقفاً سياسياً، حيث كان من المتوقع أن يرتدي سبع قادة لمنتخبات أوروبية شارة “حب واحد” خلال البطولة. ولقد شكلت هزيمة المنتخب الألماني أمام المنتخب الياباني فرحة لدى الكثير حول العالم لمكافحة انتشار المثلية، وحالةً من رفض القيم الليبرالية المتطرفة، ومن الأهمية ذكر بأن هناك ليبرالية ترفض الترويج للمثلية كالحزب الليبرالي الياباني. مما لا شك فيه، بأن هذه الحادثة تسببت في المزيد من الطرح والتجاذب حول المثلية، والتي تتزايد إثارتها القانونية والصحية والنفسية، على سبيل المثال، الخلاف بين حاكم فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي حظر تدريس المثلية لرياض الأطفال مما تسبب في معركة مع شركة ديزني الداعمة للمثلية، والتي تتصدى لها دول وحكومات عبر ترويجها للمثلية إلى الأطفال في أفلام ومسلسلات الكرتون. لا يختلف الكثير في كون حالات المثلية تعود إلى أسباب عدة من الوضع الاجتماعي والنفسي وبعض الهرمونات الجسدية، وفي حين تحتاج إلى حماية قانونية لأصحابها، إلا أن لابد من حظر دعمها وترويجها في المجتمع عند الأطفال وعدم السماح بإجراءات عمليات تحولية جراحية، حيث تكمن هناك مشاكل صحية ونفسية كبيرة. ومن الأهمية بمكان ذكر بعض أسباب دعم المثلية خاصةً ربطها في الرغبة لدى بعض الأنظمة في تقليل عدد السكان حول العالم، ومن الأسباب الرئيسية كونها فكرة متطرفة في الحرية والمتعة بدون قيود اجتماعية وصحية وأيضاً خروجاً عن الطبيعة البشرية، ناهيك عن الجدل اللغوي المثار في إيجاد ضمير للمتحول الجنسي. وفي الطبيعة البشرية نستذكر العالمة الألمانية “كريستيان نوسلين فولهارد” في الأحياء الحاصلة على جائزة نوبل والتي قالت لا يوجد سوى جنسين ذكر وأنثى بيولوجياً، وهي مهددةً بسحب الجائزة منها، وفي خضم هذا الصراع الحقوقي والسياسي حول دعم المثلية في كأس العالم، خرج البرلمان الروسي في قانون يحظر الدعاية للمثلية بالأفلام وكافة وسائل الإعلام مع منع العمليات الجراحية للتحول الجنسي.

علاوةً على كل ذلك، فعلى هامش افتتاح كأس العالم التقى الرئيس المصري السيسي والرئيس التركي عبر مصافحة كانت وراءها الدوحة لتقريب وتلطيف العلاقات بين البلدين، والتي شهدت خلافات وصراعات حادة حول الإخوان المسلمين ودعم المعارضة المصرية والخلاف حول ترسيم الحدود البحرية في البحر الأبيض المتوسط، والخلاف حول ملف ليبيا، والصراع حول فكرة الطموح العثماني في الهيمنة على العالم العربي. ومن الأمور السياسية في المونديال، كانت الهند لن تحضر الافتتاح بسبب دعوة قطر للداعية الإسلامي الهندي ذاكر نايك، المتهم من قبلها في قضايا غسيل أموال ونشر التطرف، حيث ردت الدوحة بأن ليس هناك دعوة رسمية لذاكر نايك رغم تواجدهُ.

وأخيراً إلى الشؤون الاقتصادية والاستثمارية، فبعد عدم بث القناة التلفزيونية البريطانية bbc لافتتاح كأس العالم وأيضاً بعد حظر بلدية لندن الإعلانات المرتبطة بدولة قطر على خلفية ملف حقوق العمال المثار مع حقوق المثلية، صرّحت قطر بأنها سوف تعيد تقييم استثماراتها الضخمة في بريطانيا، كما وجهت الدوحة لكل الأطراف الأوروبية التي تنتقد استضافة قطر للمونديال أين المعاملة العادلة كمستضيف لكأس العالم بالمقارنة مع روسيا التي استضافت كأس العالم 2018 في ظل تداعيات جزيرة القرم؟

رغم كل تلك الملفات السياسية والثقافية والاقتصادية والحقوقية المثارة، ما زال العالم يتابع معشوقتهُ وساحرة القلوب كرة القدم عبر المستطيل الأخضر في قطر، ومن المشاهد الجميلة في مونديال قطر انفتاح الشعوب على الثقافات المختلفة والمتعددة حيث انتشر لدى مختلف مشجعي المنتخبات لبس الزي العربي (الغترة والعقال) مع وجود مختلف الملابس التقليدية والوطنية للمشاركين في المونديال، كما كان ومازال هناك الكثير من مختلف الأمم يحاول التعرف على الثقافة الشرقية والإسلامية، مقابل تقبّل مختلف الحضور وأيضاً المشاهدين من وراء التلفاز لمختلف الثقافات والهويات حول العالم.