التوظيف السياسي للدين

رجائي فايد_

المفترض أنه يجب عدم إقحام الدين في شؤون السياسة المتغيرة، فمن المفترض أن الدين هو الثابت في حين أن السياسة متغيرة بين يوم وآخر، فمن الممكن أن حليف اليوم يصبح عدواً في الغد وكذلك العكس لكن الذي ما حدث ويحدث في حياتنا هو العكس من ذلك تماماً، فلإدراك قادة النظم الحاكمة مكانة الدين في قلوب مواطني دولهم، استخدموا النصوص المقدسة بل وحتى أخرجوها من سياقها، فأقحموا (ومازالوا) مفردات النص الديني لتكون سنداً لكل خطوة يخطونها.

الأمثلة كثيرة على ذلك فكان ضمن شعارات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إبّان الحرب العراقية- الإيرانية (بمولده تصدّع إيوان كسرى وانطفأت نار المجوس). كانت الآية القرآنية الأشهر والتي تُتلى في أي مؤتمر (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءً عند ربهم يرزقون). هل كان ضحايا تلك الحرب هم من تنطبق عليهم الآية الكريمة، وتصدرت تلك الآية اللافتات السوداء التي غطت جدران المدن العراقية؟ كما سادت أيضاً الآية القرآنية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهِبون به عدو الله وعدوكم)، وذلك لتبرير دفع المواطنين إلى محرقة تلك الحرب المجنونة، فهل كانت إيران هي عدوة لله بل على العكس كانت تعتبر ضحاياها من الشهداء وضحايا العدو (النظام البعثي) هم الكفرة الذين مصيرهم إلى النار؟

كما استخدمت تلك الآية على نطاق واسع في كافة حروب مصر مع إسرائيل لكن عندما هُزمت مصر في حرب يونيو حزيران 1967 اهتدى الخطاب السياسي إلى واقعة في التاريخ الإسلامي للتخفيف من هول الهزيمة، فقالوا إن النبي محمد عليه الصلاة والسلام هُزم في موقعة أحد لكنها كانت درساً للمسلمين إذ انتصروا في النهاية. وكذلك مصر هُزمت في معركة لكنها لم تُهزم في الحرب، وعندما بدأ السادات رحلة المصالحة مع إسرائيل، انتشرت في الخطابين السياسي والإعلامي الآية القرآنية (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).

وعندما كان الحاكم يواجه بانتفاضات أو حتى باعتراضات شعبية كان الحاكم يستنجد برجال الدين كي يدعموا موقفه، رأينا تصدّر رجال الدين لديكور المشهد السياسي العراقي إبّان الحرب العراقية الإيرانية، بل رأينا دعوة النظام العراقي لرجال دين من مختلف الأقطار الإسلامية إلى مؤتمر تُناقش فيه مسألة الحرب وكيفية إيقافها، بعد أن توحدت إيران ضد النظام البعثي وتزايدت وطأة الحرب على العراق. وفي هذا المؤتمر أذكر أن واحداً من المؤتمرين ينتمي لإحدى الدول الأفريقية التي في حاجة إلى معونات، أطلق مصطلح (قدس الأقداس) على قادسية صدام (الاسم الرسمي العراقي لتلك الحرب)، وأذكر أن أزهرياً مصرياً هو الشيخ صلاح أبو إسماعيل، لقد لام الشيخ صلاح القيادة الإيرانية على عدم قبولها لدعوات السلام في حين أن النبي محمد وقع على صلح الحديبية مع كفار قريش ثم قال بالنص (وأنتم لستم محمد عليه الصلاة والسلام ونحن لسنا من الكفار والحمد لله).

وخلال مظاهرات الخبز ضد السادات عام 1977 ظهر الداعية الإسلامي محمد متولي الشعراوي مندداً بتلك المظاهرات، ومدافعاً عن السادات، وخلال أحداث ثورة 25 يناير ظهر مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة مندداً بتلك المظاهرات لأنها خروج على الحاكم (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ومؤخراً عند الاستعداد لفض اعتصامي رابعة والنهضة خرج علينا الشيخ علي جمعة المفتي السابق سالف الذكر، مشبهاً هؤلاء بالخوارج الواجب قتالهم وقتلهم، ولن نسترسل في ذكر أمثلة أخرى، ولكننا نكتفي بأن نقول، اتركوا الدين في مكانته السامية ولا توظفوه لمساندة المواقف السياسية لأنه عندما يتضح مستقبلاً أن موقفاً ما كان خاطئاً فإن ذلك يُحسَب بالضرورة على النظرة إلى الدين ذاته.