الحـقـيـقة أُوْلـَى ضحــايا نظــرية المـؤامرة

محمد الجعابي_

نظرية المؤامرة، مصطلح يستخدم لشرح حدث، أو قضية، أو موقف اعتماداً على نسج قصة مؤامرة، وتتضمن المؤامرة أفعالاً عنيفة، ومضرة، تنفذها حكومة، أو منظمة، أو أفراد، وتعتمد النظرية على تقديم تفسيرات لا تتوافق مع الوقائع، والأسباب الحقيقية، وهناك تعريفات أخرى أوضحها مجموعة من المعرفين للمصطلح، كل حسب وجهة نظره، فبدأ أول استخدام لمصطلح نظرية المؤامرة، في مقال اقتصادي عام1920م، وتم تداوله على نطاق واسع عام 1960، ليتم إضافته إلى قاموس أوكسفورد عام 1997م، وفي هذا يظهر أبطال المؤامرة في الغالب هم (الحكومة، والشعب) وغالباً ما تضع الحكومات نفسها في وضع الطرف المتآمر عليه، من أطراف خارجية معادية، بالتعاون مع جهات محلية مشتركة معهم في المؤامرة، وتستخدم نظرية المؤامرة لإخفاء الحقيقة، وتعتمد في الأساس على صناعة الأكاذيب، وتزوير الحقائق ليتم توجيه التهم لجهة محددة، وصرف النظر عن الأسباب، والجهات الحقيقية المسببة للأزمات، والمشاكل.

نظرية المؤامرة حاضرة دوماً في أزمات المنطقة

معظم الأنظمة الاستبدادية تلجأ إلى نظرية المؤامرة، كونها مخرجاً جاهزاً، ووصفة سحرية لتفسير، ولتبرير الأزمات كلها، التي تعاني منها، فهذا الأسلوب فيما يتعلق بها أسهل تفسير يجنبها الخوض في الأسباب الحقيقية، والموضوعية، والمشاكل التي تكون غارقة فيها؛ وذلك للسياسات الفاشلة التي تنتهجها، المتمثلة في الفساد، والاستبداد، وقمع الحريات، وعدم التوزيع العادل للثروات، فعقب اندلاع الاحتجاجات في إيران على خلفية مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، جينا أميني، على يد شرطة الإرشاد الديني، سارع النظام الإيراني بإلقاء اللوم على الأطراف الخارجية، التي تحاول زعزعة الاستقرار في إيران، فقام بطرح نظرية المؤامرة؛ في مسعىً له لتبرير اندلاع الاحتجاجات الشعبية؛ تهربا من حقيقة ظاهرة القمع وكبت الحريات، والغوص فيها، ونهب ثروات البلاد، التي ينتهجها النظام بحجة حماية الثورة الإسلامية، ففي تصريح لوكالة فارس التابعة للحرس الثوري، قال: قائد الحرس الثوري الإسلامي في إيران حسن سلامي، “إن عدداً قليلاً من الشباب، وقعوا في فخ الأعداء”، وأضاف، “حتى من لا يحبوننا بسبب خداع الأعداء، وإغراءاتهم، نحن نحبهم”، و”تابع  بأنه يأمل في تقدم المجتمع، وإطفاء النيران، التي يشعلها الأعداء”، كما كان هناك تصريح للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تبنى فيه نظرية المؤامرة قال فيه: “العدو يتابع تضليله الإعلامي للرأي العام؛ بفضل إجراءاته الإعلامية المكثفة، والواسعة” مضيفاً: “دخل الأعداء إلى الساحة في المؤامرة الأخيرة، وكانوا يقصدون عزل البلاد، لكنهم انهزموا في زمن كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتخطى فيه مشاكلها الاقتصادية، وتعزز حضورها إقليمياً، ودولياً”، وقال رئيس البرلمان الإيراني قاليباف: “الأعداء كانوا مستعدين لرفع جزء كبير من العقوبات، لكن الاحتجاجات حرضتهم على فرض عقوبات أكثر، وأضاف، أن أمريكا تحرض المحتجين”.

سمة أساسية سائدة للأنظمة القمعية

في تركيا، يظهر ترويج نظرية المؤامرة السمة الأساسية السائدة للسياسة التركية، التي تتبعها ثقافة المجتمع السياسية، في تبني نظرية المؤامرة بشكل دائم، عبر وسائلها الإعلامية، وتصريحات مسؤوليها المستمرة، والهدف من ترويج نظرية المؤامرة التأثير في الشعب التركي، وحشده في صف السلطة التركية، عن طريق خلق أعداء وهميين مناهضين لها، ووضع السلطة نفسها في موضع النزيهة، والبريئة، التي تدافع عن الشعب ضد المؤامرات، التي تُحاك ضدها، ما يعزز حسب تلك النظرية دورها المدافع عن الشعب، كذلك يتم الترويج عبر وسائل الإعلام والمسؤولين لفكرة مؤامرة الدول الغربية، وكما تروج عبر وسائلها الإعلامية عن خيانة واستغناء الشعوب، التي كانت منضوية، تحت راية السلطنة العثمانية البائدة، وخيانة الشعوب لها؛ ما أدى إلى سقوط تلك السلطنة، كان استغلال النظام التركي لنظرية المؤامرة واضحا من خلال إدارتها لحادث الانفجار، الذي وقع في شارع تقسيم بتاريخ 13\11\2022 الذي راح ضحيته ستة قتلى، بالإضافة إلى واحد وثمانين مصاباً، وكشفت السلطات التركية هوية المنفذة السورية أحلام البشير، وبأنها نفذت التفجير بأوامر من حزب العمال الكردستاني، فمنذ اللحظة الأولى لوقوع الانفجار، تم توجيه أصابع الاتهام للحزب، ولترويج اتهامهم؛ تم حظر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل من نقل أي خبر يتعلق بالحادث، وفي وقت لاحق، تم نشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لأخت المشتبه بها، وقالت: أنها من الجنسية الصومالية، وعلى إثر ذلك  نفت قوات سوريا الديمقراطية على لسان القائد العام مظلوم عبدي، بتاريخ 14\11\2022 أي مسؤولية لها عن التفجير، حيث قال: “إننا نؤكد أن قواتنا ليس لها أي صلة، أو علاقة بالتفجير، ونرفض المزاعم التي تتهمنا”، كما يتم التركيز على إنكار الإبادة الجماعية، التي ارتكبتها الدولة العثمانية، عام 1915بحق الأرمن، والترويج: بأنها محض ادعاءات تستخدمها أرمينيا، والدول الغربية لعرقلة تقدم تركيا، وانضمامها للاتحاد الأوروبي، ويتم استخدام مصطلح الحرب ضد الإسلام، ويتم الترويج لفكرة تآمر العالم الغربي ضد الإسلام، وقد تم استخدام هذا التعبير لأول مرة عام 1990، ولكنه حظي بشهرة عام 2001، وقد وصل الحد في الترويج لنظرية المؤامرة، إلى درجة الغوص بمسائل تعد من البديهيات، وتقديم تفسيرات لا يتقبلها العقل ولا المنطق، مثل الكلام المنسوب لنائب رئيس حزب العدالة، والتنمية في مدينة إسطنبول تولغاي دمير عام 2017، الذي ادعى فيه: أن الأرض مسطحة، وأن مفهوم كروية الأرض يشكل مؤامرة خطط لها، الكرسي الرسولي، واليسوعيون والماسونية!، في عام 2013 تم اكتشاف صقر من نوع العاسوق الإسرائيلي، يحمل في قدميه جهازاً غريباً، في منطقة (ألازغ)، وبعد إرساله من أجل الدراسة، وإجراء الاختبارات عليه في جامعة فرات، تم التأكيد أنه جاسوس إسرائيلي!، وقد صرح حينها مراسل bbc جوناثان “أنا غير مصدق أن نظريات المؤامرة قادرة على الترسيخ في أّذهان الكل بسهولة”.

وفي سوريا، منذ بداية الأزمة واندلاع الاحتجاجات فيها، سعت حكومة دمشق جاهدةً لتسويق نظرية المؤامرة ضدها، من قبل جهات متعددة، بالتعاون مع مخربين، ومندسين وعملاء، لمحاولة قلب نظام الحكم في سوريا، الذي يصف نفسه، أنه نظام الممانعة، وخط المواجهة الأول ضد إسرائيل، والإمبريالية العالمية في المنطقة، معتمداً لترويج نظريته الخاصة على وسائله الإعلامية، وتلك المتعاطفة معه، وعلى الخبراء والمحللين السياسيين المؤدلجين، فلقد سعت حكومة دمشق للاتكاء على حالة العداء مع إسرائيل، والغرب، وبأنهم يسعون لتخريب الأوضاع في سوريا نتيجة مواقفها، وتزعمها لمحور المقاومة، والممانعة في المنطقة، الذي يشمل سوريا، وحزب الله في لبنان، وإيران، والحوثيين في اليمن، والفصائل الفلسطينية المسلحة، وتروج حكومة دمشق باستمرار، أن الأعداء يتعاونون مع أطراف داخلية مشتركة في المؤامرة، لتقوم بتصنيف كل من ليس معها، ومعارض لها، بالعمالة، والخيانة، وسعت حكومة دمشق لتصوير نفسها، أنها حامية للأقليات، والإثنيات، وبأنها الحامي للتعايش السلمي، مقابل انتشار الإرهاب، والجماعات الأصولية الإسلامية، التي تهدد هذا التعايش، الذي يدعي أنه يحميه، وبالتالي، تم اتهام كل معارضيه بالإرهابيين، والمخربين، والخونة، فمقولة، إن الحقيقة هي أول ضحايا الحرب، تنطبق تماماً على الوضع في سوريا، ولقد سعت الأطراف السورية كلها، لاستغلال الأخبار، والصور، وفبركتها، وتزوير الحقائق، بما يتناسب مع رؤيتها الخاصة، والرسالة، التي تنوي أن توصلها، الى جانب، وقوع بعض الجهات الإعلامية الدولية، في فخ نسخ ولصق الأخبار، والمعلومات، التي تصدر من مختلف الأطراف قبل التأكد من مصداقيتها.

كيفية التصدي

في الختام، نلاحظ أن نظريات المؤامرة تتغلغل في مسامات الأنظمة القمعية، والمستبدة كلها، وذلك للتستر على جرائمها، وممارساتها الخاطئة، التي تجر بلادها، وشعوبها للهاوية، وتعتمد في  سبيل ذلك  التزوير الفاضح للحقائق، لتضع نفسها في موقع البراءة، والعصمة من الخطأ، وتبرير أشكال القمع كافة، والظلم بحجة ضرب المؤامرات، والمتآمرين ضدها، وليس من المفترض دوماً أن تكون فرضيات نظرية المؤامرة مضللة، وكاذبة، ولكنها قد تستخدم جزءًا من الحقيقة؛ لتقوم بصبها في مصلحة جهة محددة، لكن عملية التصدي للمؤامرات المزعومة بحق، لا يتم تحقيقها، إلا من خلال تعزيز الجبهات الداخلية، وتطبيق الحكومات مبادئ الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.